إيلاف حضرت مجزرة القاع:
جثث مهروسة ورائحة الدم تملئ المكان

موفد quot;إيلافquot; إلى البقاع الشمالي حسن المصطفى: في البقاع اللبناني ذي الغالبية الشيعية الموالية لحزب الله، تقع في شماله قرية لم يكن للعالم أي صلة بها. رية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا. تلك القرية أضحت بين عشية وضحاها في قلب الحدث، متصدرة نشرات الأخبار وعناوين الصحف، بعد أن ارتكبت فيها إسرائيل مجزرة راح ضحيتها العشرات من المدنيين بين قتيل وجريح، وأضحت quot;القاعquot; اسما علما لا يحتاج لأدنى تعريف.

وأنت تسلك الطريق المتهالك الضيق من بعلبك إلى الهرمل، تتناثر أمامك صور لشهداء المقاومة الإسلامية ولزعيمها السيد حسن نصر الله، ولعدد من القادة والرموز الدينية. لكنك ما أن تصل إلى بلدة quot;القاعquot;، حتى تختفي تلك الصور، لتشاهد منظرا مختلفا البتة. لا أثر هنا لشعارات حزب الله، ولا لصور شهدائه. تتوقف عند نظافة المكان وحُسن تناسقه. لباس الصبايا المختلف هو الآخر سيعني لك أن ثمة اختلافا ما هنا. ستشاهد بعض الصور المعلقة، ولكنها هذه المرة، لزعيم التيار الوطني الحر، الجنرال ميشيل عون، الذي يحظى هو وتياره بجمهور واسع في القرية المسيحية الوادعة، والتي يمثلها في البرلمان اللبناني النائب مروان فارس من الحزب السوري القومي الاجتماعي، الحليف القديم لدمشق، والصديق الجديد لعون.

عند مدخل القرية يصادفك صليبٌ وزاويةٌ بها تمثال للسيدة العذراء مريم، وعلى بعد أمتار قليلة، على الناحية اليمنى من الجادة، تنتصب كنيسة مار الياس شاهقة بأجراسها، تعقبها بضع دكاكين تتقاسم المساحة الصغيرة. ما هي إلا دقائق معدودة، إلا وتجدك قد وصلت إلى الحدود اللبنانية السورية، دون أن تُشم للمجزرة رائحة، ولا تسمع لها نواحا!. تسأل أحد موظفي الجمارك، ليدلك على المكان. تتخطى النقطة الحدودية، تسلكُ طريقا ترابيا إلى عمق المنطقة الزراعية الواقعة في المنطقة الفاصلة بين البلدين. مزارع بامتداد البصر، فواكه وخضروات، الأمر ليس بغريب، فمن يعرف quot;القاعquot; يعلم أنها من أشهر المناطق اللبنانية المعروفة بغزارة منتجاتها، خصوصا من التفاح والدراق الذي يصدر للخارج، ويمثل دخلا أساسيا لسكان وأهالي المنطقة.

الهدفُ الذي قُصف حيث المجزرة، كان مشغلا لتوضيب الفاكهة وفرزها وتعبئتها، يملكه ناصر الجبايلي. ما أن اقتربنا من المكان، إلا ورائحة الدم تملئ أمعاءنا، منبئة بحجم الكارثة. كان المَشغلُ، وهو عبارة عن مبنى من الطوب، مغطى بسقف من الهنجار، منهدما بالكامل، والخيم القريبة منه والتي كان يسكنها العمال، محترقة. برادا شحن حُملا بالكامل بالدراق المُصدر للخليج. ما أن بدأ العمال بأخذ قسط من الراحة، إلا والصواريخ الإسرائيلية تباغتهم، لتريحهم من عناء الحياة الدنيا وإلى الأبد.

ما يجعل المرء يقف متعجبا أمام الفعل الإسرائيلي، أن المنطقة ليست ذات طبيعة عسكرية، ولا هي بمعقل شعبي ولا تنظيمي لحزب الله، أضف لذلك أن العمالةالمستهدفة، عمالة في مغلبها من أكراد سورية. أكرادٌ طالما عانوا الأمرين من نظام دمشق، ولم يكن ينقصهم سوى أن تستهدفهم تل أبيب لتكتمل المأساة.

أجساد قُطعت أوصالها، وجثثٌ اختلط بعضها بالآخر، وأخرى هرست هرسا وكأنها ليس لبني البشر. وقفنا على جثة لفتاة، لا يمكن لأي مخيلة أن تعيد ترتيب ملامحها أو أعضائها كما كانت من قبل، فالمشهد بشعٌ للغاية. الأشجار المجاورة، وسلالُ الدراق هي الأخرى احترقت، فيما أطباق الأكل، وملابس وحاجيات القتلى ومراتبُ النوم توزعت يمنة ويسرى. وما بقي من عمالٍ في مزارع مجاورة هربوا إلى سورية، خوفا من الموت، لتبقى الفواكه في أشجارها دون قطاف، وتذبل في مكانها، ذابلا معها الموسم الزراعي بأكمله.

الشهداء والجرحى، تم نقلهم لمستشفيات حمص، التي لا تبعد سوى مسافة 45 كلم من مكان المجزرة. هي ربما رسالة موجهة إلى سورية، بأنها ليست ببعيدة عن الاستهداف، فها هم رعاياها تطالهم النيران، لتحصدهم زرافات ووحدانا. وقد تكون رسالة للجنرال عون ولمروان فارس، بأن المناطق التي تمثل امتدادا شعبيا لكما، ها هي تستهدف، والسبب مواقفكما المؤيدة لحزب الله ومقاومته. لكن ما هو مؤكد، أنه جنون إسرائيليٌ يزداد يوما بعد يوم، لا يجد منفسا لتخبطه واهتزازه سوى استهداف المدنيين.

الصور بعدسة إيلاف