صدى تصريحات ضاحي خلفان :
استبعاد خليجي واستهجان اماراتي لفكرة ضم ايران لمجلس التعاون

تاج الدين عبد الحق من ابوظبي: اثارت دعوة الفريق ضاحي خلفان تميم قائد عام شرطة دبي لضم ايران لمجلس التعاون الخليجي ردود فعل كثيرة في الاوساط السياسية والاعلامية التي وجدت في الدعوة تغريدا خارج السرب وخروجا عن النص . ومع ان اراء ضاحي خلفان لاتعبر بالضرورة عن سياسة الامارات ولا عن توجهات النخبة السياسية والفكرية فيها ، فأن مجرد طرحها في هذا الوقت الذي تتصاعد فيه المواجهة بين الغرب وايران ان لجهة الملف النووي الايراني او لجهة الوضع في العراق ، يعيد العلاقة مع ايران لدائرة الجدل الذي لم ينقطع حتى قبل وصول النظام الايراني الحالي للحكم . فايران كانت بين الدول التي شاركت في اول اجتماع للدول المطلة على الخليج العربي والذي كان عقد في العاصمة العمانية مسقط في عام 1976 وحضره الى جانب دول مجلس التعاون الست كلا من ايران الشاة والعراق الذي كان يراسه احمد حسن البكر .

وفي ذلك الاجتماع كان الهاجس الامني هو الهاجس المسيطر على كل المشاركين . فأيران كانت تطمح للعب دور شرطي الخليج بالنيابة عن الدول الغربية التي لها مصالح نفطية واستراتيجية في المنطقة . والعراق الذي كان يسعى الى اثبات مكانتة في المنطقة كعامل توازن مع ايران ، كان يقدم طرحا ينسجم مع الموجة القومية التي كانت سائدة في تلك الوقت والتي كانت تتناقض بالضرورة مع الطرح الايراني .

اما الدول الخليجية الاخرى فأن همها كان ينصرف الى البحث عن صيغة امنية تحمي المنطقة من التهديدات الخارجية وتحد من طموحات الهيمنة الاقليمية المتمثلة في ايران حينا وفي العراق حينا آخر . وكان من الطبيعي في ظل هذه الاهداف المتباينة ان ينفرط عقد المؤتمر بسرعة دون ان يتوصل الى اي اساس يسمح باستمرار البحث عن صيغة اقليمية تضمن امن الجميع وتعبر عن مصالحهم . على ان الضربة القاضية التي تلقتها تلك المحاولة كانت اندلاع الثورة في ايران عام 1979 وظهور الدعاوى لتصدير الثورة ومن ثم اندلاع الحرب العراقية الايرانية في العام التالي والتي استمرت 8 سنوات و خلقت وقائع سياسية جديدة بات من الصعب تجاوزها .

وكان المسمار الاخير في نعش تلك المحاولة الغزو العراقي للكويت والذي اعاد ترتيب الاولويات الامنية للمنطقة والذي تراجعت فيه المخاوف من التهديدات الخارجية ليحل محلها الخوف من التهديد من داخل الاقليم . وقد تبدى هذا الخوف في الفلسفة التي قام عليها مجلس التعاون الخليجي في بداية الثمانيات الذي سيطرت الهواجس الامنية على مسيرته طوال عقدين قبل ان يتراجع هذا الهاجس بعد ان اصبح امن المنطقة جزءا من الامن العالمي و بعد ان اصبح التعاطي مع التهد يدات التي يتعرض لها يتجاوز قدرات دول المنطقة وامكانياتها . في ظل هذا العرض التاريخي لمسيرة العمل من اجل بناء منظمة اقليمية في منطقة الخليج ، يجد كثيرون في دعوة الفريق ضاحي خلفان تميم نوعا من السباحة عكس التيار أوفي احسن الاحوال رياضة فكرية تعين على تسلية الصائمين في رمضان .

ردة الفعل الرسمية جاءت سريعة على تصريحات الفريق تميم ومن امين عام مجلس التعاون عبد الرحمن العطية نفسه الذي استبعد انضمام ايران لمجلس التعاون خاصة في ظل احتلال ايران للجزر الاماراتية الثلاث وهو احتلال يتناقض مع طبيعة واهداف مجلس التعاون كمنظمة للتعاون والامن الاقليمي .

ولم تختلف ردة فعل النخب السياسية والاكايمية عن ردة فعل امين مجلس التعاون حيث اعاد عدد من الاكادميين الاماراتيين المتخصصين تأكيد ما ورد على لسان العطية وان اختلفت الصيغة وتباينت في اسلوب التعبير عنها .وكما يقول الدكتور عبد الخالق عبد الله استاذ العلوم السياسية في جامعة الامارات وأحد ابرز المعلقين والمحللين في الشؤون الخليجية ( شيء جيد ان يفكر البعض خارج المالوف بغض النظر عن درجة الاتفاق والاختلاف مع هذا التفكير ) . ولا يعتقد الدكتور عبد الله ان كلام الفريق تميم موحى به من قبل مراجع اعلى او صدى لاراء تلك المراجع في الكواليس وخلف الابواب المغلقة ويقول اننا اعتدنا على تصريحات الفريق تميم العفوية التي يطلقها من حين لاخر وتكون خارج ما مالوف وبعيدا عما هو مطروح .

ومع ان الدكتور عبد الله يعتقد ان اقتراح ضم ايران لمجلس التعاون هو اقتراح غير واقعي ( على الاقل في هذه المرحلة ) الا انه يرى في الاقتراح رسائل ايجابية يحسن التوقف عندها واولها ان دول الخليج ليست جزءا من الجوقة الداعية لعزل ايران ومحاصرتها وأن هناك من النخب الخليجية من تدعو الى المراهنة على القواسم المشتركة بين دول الاقليم . وهي من هذا القبيل دعوة للنخب الايرانية لاتخاذ مبادرات ولو على المستوى الفكري من اجل احتواء الشكوك والمخاوف الخليجية من السلوك الايراني .

ويضيف الدكتور عبدالله بان التصريحات تحمل ايضا رسالة لاولئك الذين يحاولون جر المنطقة الى مواجهة جديدة مفادها ان دول المنطقة ملت وتعبت من توالد الحروب مرة بعد مرة وانه ىن الاوان للبحث عن مخارج اخرى لاستعادة الاستقرار والامن في المنطقة . ويعتقد الدكتور عبد الله ان تصريحات الفريق تميم هي في افضل الاحوال تعبير عن حسن النية لكنها كما يقول ( لاتملك آليات تجعلها قابلة للتحقيق فالخليجيون ليسوا في وارد دعوة الايرانيين للانضمام لناديهم والايرانيون ليسوا في وارد تقديم طلب عضوية لهذا النادي ) .

اما الدكتور عتيق جكا وهو استاذ للعلوم السياسية وأحد الكتاب الذين اثارت كتاباتهم حفيظة السلطات ودفعتها للايعاز الى الصحف بمنع نشر مقالاتهم ، فيقول بشكل مباشر وحاد (ان تصريحات الفريق تميم دعوة غير واقعية ولا يمكن ان تتحقق لا الآن ولا في المستقبل مشيرا الى وجود اختلافات تاريخية واثنية وسياسية تحول دون قبول مثل هذا الطرح ) .

ويقول ان طرح الفريق تميم في ظل احتلال ايران لثلاث جزر اماراتية استراتيجية هي طنب الصغرى وطنب الكبرى وابوموسى يضعف الموقف التفاوضي الاماراتي بشأن هذه المسألة خاصة وان الامارات ومن بعدها دول التعاون الاخرى اعلنت اكثر من مرة ان قضية الجزر هي من المسائل المقلقة لامن المنطقة وان اي تطبيع للعلاقة مع ايران لابد وان ياخذ بعين الاعتبار قضية الجزر .

ويقول ان التصريحات تاتي في الوقت الذي اصبحت فيه ايران تحت المجهر الدولي بعد ان توضحت طموحاتها السياسية والتي تقع دول المنطقة في مرمى هذه الطموحات . كما انها تاتي في الوقت الذي لم يتم حسم ماهية علاقة النظام الايراني بالملف العراقي وعلاقاتها بالنظام الحاكم في بغداد .لكن الدكتور جكا بالرغم من رفضة لفكرة ضم ايران للنادي السياسي الخليجي ، لايرى مانعا من التعاون في مجالات عديدة مع ايران لكنه يقول ان ضم ايران لمجلس التعاون باعتبارها بديلا للدور الذي تلعبه الدول الكبرى في ضمان استقرار المنطقة ، هو طرح غير واقعي وغير صحيح في ظل المعطيات الراهنة .

الدكتور حسن الصبيحي استاذ الاعلام يخالف الدكتور عبد الخالق عبد الله وعتيق جكا ويرى ان تصريحات الفريق تميم موحى بها ويقول ( أنا اعتبر الفريق ضاحي تميم مؤشر لبعض المواقف والاتجاهات الرسمية وذلك بحكم قربة ومقعه في المؤسسة الرسمية الاماراتية ) ويستدرك لكن الموضوع مثير للجدل وعلى درجة من الخطورة ) ويرى الدكتور الصبيحي ان المشكلة لاتكمن في امكانية تحقيق الانسجام بين ايران ودول التعاون بل تكمن ايضا في مدى الانسجام داخل المؤسسة الرسمية الايرانية والتي تنقسم بين تيارات معتدلة ومتطرفة وبالتالي لايمكن الركون الى ان هذا الانقسام لن يلقي بظلاله على اي تعاون سياسي مع ايران .