عن طريق برنامج الملك عبد الله للإبتعاث الأضخم من نوعه
quot;ربيع الغربquot; يهب على السعودية المحاصرة بتاريخها ومقدساتها
وإن كانت القوى الدينية المتشددة في البلاد قد أوصدت الباب في وجه رياح الانفتاح التي قد تفسد القيم السعودية حسب تقديرها الشخصي، فإن هؤلاء الطلاب الذين يعودون بعد أن التحموا بالغرب وعاشوا تجاربه، يستطيعون أن يحدثوا أثراً أكثر فعالية في تحرير المجتمع من قيوده المحافظة وفتح الباب أمام القرن الواحد والعشرين.
وتبدو المملكة الغنية بالنفط، حيث يحوي جوفها ملايين البراميل من النفط والغاز ومشتقاتهما، محاصرة بتاريخها الذي يعتبر فصلاً مهمًا من فصول انتشار الديانة الإسلامية في أصقاع العالم، إذ شهدت أرجائها انطلاق دعوة الفتوحات الإسلامية في القرون الغاربة، فضلاً عن أنها محاصرة بمقدساتها أيضًا مثل مكة والمدينة مما يجعل أي تحرك انفتاحي يواجه بمعارضة شديدة. وهذا ما يعيه عاهل السعودية جيدًا الذي يوصف بأنه quot;إصلاحي حذرquot; بعد أن مضى عامين على اعتلائه عرش المملكة في أوائل آب/أغسطس من العام 2005.
ويطرح أكاديميون غربيون عدة أفكار حول إنشاء quot;فاتيكان جديدةquot; في هذه البلاد المحافظة من خلال جعل هاتين المدينتين المقدستين كحالة خاصة وأن تتحول بقية المدن، أو بعضها على الأقل، إلى مدن مفتوحة، لكن هذه قد تكون أصعب معركة في التاريخ بالنسبة إلى هذه المملكة النفطية التي تستحم منذ سنوات بعائدات نقدية هائلة بفضل ارتفاع أسعار البترول.
بيد أن الأمل لا يزال منعقدًا في هؤلاء الطلاب الذين سيأتون من الغرب، على الرغم من أن عددًا منهم تورط في أعنف الهجمات الإرهابية التي طالت العالم، حيث كان هناك 15 طالبًا سعوديًا من أولئك الذين قادوا هجمات سبتمبر التي غيرت وجه الخريطة العالمية وكتبت فصلاً جديدًا في تاريخ البشرية والسياسة الدولية على حد سواء.
ويحظى هذا البرنامج الابتعاثي بدعم شخصي من قبل الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي يحاول فعليًا مواجهة تاريخ بلاده المحافظ بتنفيذ عدد من الإصلاحات التي لا تخل بأصول العقيدة الدينية التي يعتبرها حجر الرحى في بلاده، لكنه يسعى إلى quot;إسلام معتدلquot; يستفيد من ايجابيات الثورات التحديثية في العالم حسب ما يرى مراقبون.
وتبدو الصعوبة الأكبر هي التي تواجه الطالبات المبتعثات اللواتي يلاحقهن نظرائهن المتدينيون ويكتبون خطابات للملحقيات الثقافية بوجوب معاقبة هؤلاء النسوة اللواتي لا يلتزمن بالحجاب الشرعي، بل إنه في أحد المدن البريطانية قاطع الطلاب السعودية إحدى الفتيات المبتعثات لأن لديها صديقًا من جنسية عربية تعرفت عليه في حرم الجامعة.
وتوجه خلال عامين أكثر من أثنين عشرين ألف طالب إلى أميركا وبريطانيا نصفهم مبتعثون عن طريق الشركات والمصانع الكبرى.
وقبل أن يغادر المبتعث السعودي بلاده لا بد أن يحضر ستة برامج تدريبية، مقسمة على عدة محاور ، تشمل: quot;بلد والابتعاث والأنظمة القانونية فيهquot; وquot;أوجه اختلافها عن المملكةquot;، وquot;البيئة التعليمية في الخارج وأنظمتهاquot;، وquot;مسؤولية المبتعث والدور المأمول منهquot;، إلى جانب quot;أساليب تطوير الذات وتحقيق النجاح الدراسيquot;، وquot;التهيئة النفسية والاجتماعية للمبتعثquot;، وquot;أخلاق المسلم وعلاقته بالآخرquot;.
ولم تثبت هذه البرامج التأهيلية جدواها في غالب الأحيان بسبب أن المحاضرين فيها أغلبهم رجال دين لم يسبق لهم مغادرة المملكة حسب ما يقول مراقبون سعوديون.
وحتى الآن فقد صدرت الموافقة على ترشيح المبتعثين للدراسة في تسع دول هي: الولايات المتحدة الأميركية، استراليا، نيوزيلندا، اليابان، الصين، ماليزيا، سنغافورة، الهند، كوريا الجنوبية، وذلك لجميع المستويات التعليمية (البكالوريوس، والزمالة، والماجستير، والدكتوراه).
يذكر أن وزارة التعليم العالي قد ابتعت أكثر من 22 ألف طالب وطالبة خلال العامين الأخيرين في مجموعة من البرامج الممولة حكوميًا، منها برنامج الملك عبد الله للابتعاث الخارجي للولايات المتحدة الأميركية وشرق آسيا وجنوبها واستراليا ونيوزيلندا، وبرنامج المتميزين للابتعاث الخارجي في فرنسا.
وتشير آخر الإحصاءات التي أجرتها وزارة التعليم العالي إلى أن عدد الطلاب السعوديين الذين يدرسون في دول العالم المختلفة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والنمسا واليابان والصين وروسيا واستراليا، قدر بنحو 28516 مبتعثًا، منهم 19744 مبتعثًا من قِبل الجامعات والجهات الحكومية و8772 يدرسون على نفقتهم الخاصة.
وأمر الملك عبد الله بدفع تكاليف أولئك الطلبة الذين درسوا في الخارج على نفقتهم الخاصة مؤخرًا. ولا يزال هذا الأمر الملكي مستمرًا بشروط محددة منها أن يمضي الطالب نصف المدة اللازمة ويثبت تميزه التعليمي.
ويبدو أن التوجه الملكي الحالي يرمي إلى تنظيم هجمة طلابية إلى أميركا وبريطانيا لفتح المجتمع وإضفاء صورة أكثر حداثة على البلاد التي تشهد حراكًا اجتماعيًا لافتًا.
وتخطو المملكة خطوة إلى الإصلاح لكنها تواجه بعقبات كبيرة.
ولذلك لا بد من فتح شبابيك تحديثية في هذه الجدران المحافظة التي ترى نفسها بأنها مجبرة على الالتصاق بهذا العالم المعولم، على الرغم من أنها ليست يقنة من أنها تنتمي إليه.
التعليقات