تقرير دبلوماسي في بيروت:
الحرب الأميركية ndash; الإيرانية آتية


الياس يوسف من بيروت: تتداول الأوساط الدبلوماسية في بيروت تقريراً عن مستقبل العلاقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمجتمع الدولي يبدأ بتشبيه أزمة أسر البحارة البريطانيين لدى ايران بأزمة الرهائن الاميركيين في طهران في مستهل الثورة الخمينية، ويربط تصاعد حدة التوتر والمواجهة في الخليج العربي بإقدام بريطانيا مدعومة من الولايات المتحدة على قطع كل أشكال اتصالاتها وعلاقاتها مع ايران ، وكذلك بإصدار مجلس الأمن قراره الرقم ١٧٤٧المتعلق بالملف النووي الإيراني. ومنذ صدور ذلك القرار دخلت أزمة طهران مع المجتمع الدولي مرحلة جديدة ومعقدة . فهو شدد العقوبات بالإستناد إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بسبب مضيها في مشروعها النووي، وأمهلها ٦٠ يوما اضافيا لوقف تخصيب اليورانيوم تحت طائلة مواجهة اجراءات عقابية صارمة أذا أفاد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدم امتثالها، مما يزيد عزلتها الدولية ويفتح الأزمة على جميع الاحتمالات.
وأكثر ما يلفت عند هذه النقطة أن القرار الدولي حظي بإجماع الدول الأعضاء الخمس عشرة في مجلس الأمن وبينها قطر وروسيا والصين وأندونيسيا، مما يؤكد وجود توافق بين الدول المؤثرة في مجلس الأمن على أسلوب التعامل مع الوضع الإيراني بكل تفاصيله.

وكان القرار الجديد تضمن حظر صادرات الأسلحة من ايران وتجميد أصول سبعة مسؤولين في quot;الحرس الثوريquot; وأموال ٢٨ فردا ومنظمة إيرانية مرتبطة ببرامج طهران النووية ولها صلات بالحرس الثوري ، فضلاً عن مزيد من العقوبات والقيود المالية والتجارية وسفر بعض الشخصيات ذات العلاقة بالملف النووي الايراني. كما أهاب المجلس بجميع الدول والمؤسسات المالية الدولية عدم الدخول في التزامات جديدة لتقديم منح ومساعدات مالية وقروض تساهلية الى حكومة ايران، الا اذا كان ذلك لأغراض انسانية وانمائية.وفور صدور القرار سارعت ايران الى رفضه ووصفه بأنه quot;غير شرعي وغير مفيد وغير مقبول وغير قابل للتطبيقquot;، مؤكدة انها quot;ستواصل نهجها في اطار القوانين النووية المنصوص عليها في معاهدة عدم الانتشارquot;.لكن الأبرز في عملية صدور هذا القرار هو التبدل في الموقف الروسي .

فالمعروف أن روسيا وقفت منذ بدء الأزمة ، وبوضوح بجانب إيران في المحافل الدولية ووضعت ثقلها للحؤول دون فرض عقوبات وحصارات عليها ، الا ان مسارا جديدا ظهر منذ شهر تمثل بالتباين الروسي- الايراني حيال موضوع تسليم موسكو الوقود لمفاعل بوشهر. إذ أعلنت روسيا في شكل مفاجئ قبل أسابيع ان الشركات الروسية مضطرة إلى وقف العمل في انجاز المرحلة الأخيرة من بناء محطة quot;بوشهرquot; الكهرو- ذرية الإيرانية بسبب عدم ايفاء ايران بالتزاماتها المالية، وأخفق الجانبان الروسي والايراني في ثلاث جولات حوار عقدت حتى اليوم في التوصل الى حل. حتى أصبحت صداقة ايران وروسيا على المحك، وطرحت تساؤلات حول ما اذا كانت ايران بدأت تخسر آخر حلفائها.
وتقف وراء التبدل الروسي أسباب عدة أهمها:

- الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يريد أزمة مع الولايات المتحدة بسبب التعنت الإيراني. الذي تعبّر عنه باستمرار مواقف الرئيس محمد أحمدي نجاد.
- أرادت روسيا توجيه رسالة قوية وواضحة وعلنية الى ايران، مفادها انها منزعجة من مواقفها المتعلقة بالمسألة النووية. لقد حاولت روسيا ان تكون الشريكة الاستراتيجية لايران، وان تساعدها في تطوير برنامجها النووي للأغراض السلمية، وبدلا من ان تتفهم ايران الموقف الروسي أعلنت انها ماضية في برنامجها لتخصيب اليورانيوم . وأثار هذا الأمر شكوك دول كثيرة سألت : ما حاجة ايران الى هذا البرنامج اذا كانت تتطلع الى أهداف سلمية؟ ثم ان روسيا عرضت قبل سنة على ايران مشروعا مشتركا لتخصيب اليورانيوم الايراني على الأراضي الروسية، ولكن ايران فضلت ان تتجاهل الاقتراح الروسي.- ايران على المدى البعيد هي خطر على روسيا أكثر مما هي خطر على الولايات المتحدة.- امتلاك ايران السلاح النووي سيؤدي لا محالة الى سباق تسلح ضخم في منطقة الشرق الاوسط .

- اقتناع روسيا بأن طهران ليست شريكا تجاريا يمكن الوثوق به، خصوصا بعد تسرب معلومات عن بدء الايرانيين تشييد محطة نووية جديدة في شكل منفرد.
- إقتناع روسيا بأن واشنطن باتت أقرب الى تبني الخيار العسكري لمواجهة الأزمة الايرانية على رغم صعوباته المتوقعة.واستنتج التقرير أن هذه الخلفية تعني ان موسكو لن تساعد طهران في تخطيها لعقوبات القرار ١٧٤٧ ما لم تجد طهران مخرجا مناسبا خلال الفترة المقبلة. فحسابات الربح والخسارة في مواقف الدول النووية تظل دقيقة جدا عندما تصل الأمور الى أماكن استراتيجية حساسة متعلقة بالأمن القومي لتلك الدول. ولذلك لن يكون موقف الصين أفضل حالا من الموقف الروسي في تداعيات القرار ١٧٤٧ مستقبلا.

وأضاف: بات الموقف الداخلي الإيراني أكثر حرجا، فالتعبئة التي تم بها التعامل مع الملف النووي تجعل طهران غير قادرة على التراجع، وبالتالي بات البحث عن مخارج تتآلف مع الطروحات الغربية شبه مستحيل، الأمر الذي سيزيد سبل المعالجات صعوبة. فالمناورات العسكرية جارية على قدم وساق، والاعلان الايراني المتواصل عن سلسلة النجاحات في التسلح متواصلة، في وقت تزدحم فيه مياه الخليج بحاملات الطائرات.وفي مؤشر إلى رفع حدة التوتر مع ايران، بدأت الادارة الاميركية أوسع مناورات عسكرية لها قرب المياه الايرانية في الخليج منذ غزو العراق. وتشارك في هذه المناورات، وللمرة الأولى، مجموعات العسكريين على متن حاملتي الطائرات الاميركيتين quot;يو إس إس دوايت ايزنهاورquot; و quot;يو إس إس جون سيquot;. واضافة الى التدريبات الجوية، تقوم المجموعتان الجويتان البحريتان بمناورات مضادة لعمليات في أعماق المياه ونزع ألغام خصوصا.

احتمال الحرب

وخلافا للحديث عن انسداد أفق الخيارات العسكرية أمام ادارة بوش واستبعاد احتمال اقدام واشنطن على توجيه ضربة عسكرية إيران، وان لا خطط لمهاجمتها عسكريا، وان ما يحدث ليس أكثر من تكتيك هدفه زيادة الضغط على ايران لخلق انطباع بأن الولايات المتحدة جاهزة لشن الحرب عليها... يبدو ان الخيار العسكري، بحسب التقرير، يرتفع منسوبه باطراد، وأصبح استراتيجية الضرورة الاميركية بسبب المأزق التي تعانيه في العراق، لا سيما في ظل تواتر المعلومات المتعلقة ببلوغ التحضيرات اللوجستية مرحلة متقدمة بعدما كانت الولايات المتحدة بدأت منذ مطلع العام الجاري بحشد وتعزيز ترسانة عسكرية ضخمة في الخليج عبارة عن حاملات للطائرات وبوارج وكاسحات ألغام.

ويستند إلى معلومات وردت في تقارير استخبارية وضعت أخيراً وجاء فيها ان البنتاغون يخطط لحرب في ايران، وان هذا التخطيط قطع مراحل متقدمة رغم نفي وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس العلني لذلك. حتى انه تم انتقاء الأهداف، واتخذت القطعات العسكرية والأساطيل المجندة لتنفيذ هذه الخطة مواقعها وهي جاهزة للقيام بمهماتها المحددة.وتابع أن الرئيس بوش يحتفظ في جعبته بعملية كبرى سوف تقلب معادلات المنطقة في الشرق الاوسط وتعيد الاعتبار لاستخدام القوة الاميركية العسكرية بوصفها القوة العظمى. وستكون ايران مختبر هذه القوة بتوقيت مفاجئ، وان مخطط الضربة العسكرية الصاعقة لن يترك لها فرصة الرد او التخريب او تجربة قوتها المتواضعة، وقد بدأ اعدادها وتحضير القوة اللازمة لها.

وتؤكد التقارير ان قوى غربية أخرى سوف تنضم الى الولايات المتحدة في توقيت التنفيذ، اضافة الى تجميد أي دور روسي بممارسة أقسى الضغوط الاقتصادية والعسكرية والسياسية. أما الدور الصيني فسيبقى متفرجا في هذه المرحلة من نموه الاقتصادي والتغييرات السياسية التي تشهدها التجربة الصينية. اضافة الى ان الصين لن تذهب بعيدا في جغرافيا نفوذها العسكري وستظل محددة في منطقتها الجغرافية، أما هدفها الأول فسيبقى تحرير تايوان وقد تعطيها واشنطن تايوان في مقابل حريتها بإعادة هيكلة الشرق الاوسط.واستند واضعو التقرير إلى ما نقلته وكالة أنباء quot;نوفوستيquot; عن مصدر رفيع المستوى في موسكو قال ان الاستخبارات العسكرية الروسية تلقت أخيرا معلومات عن تزايد نشاط القوات الاميركية قرب الحدود الايرانية، موضحا ان المعطيات المتوافرة تفيد بتحضيرات لشن عملية جوية او برية quot;لم تبت وزارة الدفاع الاميركية بعد موعدها النهائيquot;. وأعرب المصدر عن اعتقاده بأن تلك التحركات تهدف الى البحث عن أفضل خطة ممكنة لضرب ايران quot;تتيح اخضاعها بأقل خسائر ممكنةquot;.

كذلك استند إلى الخبير العسكري الروسي ليونيد ايفاشوف الذي أعلن ان واشنطن أجرت أخيرا تجارب ناجحة على قنبلة جديدة مخصصة لتدمير المنشآت المحصنة، بدأ العمل لصنعها عام ٢٠٠٤ . وأوضح الجنرال السابق ان القنبلة مصممة لتدمير مخابئ ومنشآت تحت الأرض لانتاج اليورانيوم المخصب او تخزينه. ولم يستبعد ايفاشوف ان يستخدم الاميركيون القنبلة في ضرب المنشآت النووية الايرانية.
ولا يتوقع التقرير ان تقدم واشنطن على انزال قوات عسكرية في ايران لأنها ستكتفي ب quot;القوة النارية الهائلة والمدمرةquot; لتدمير البنية التحتية لمنشآتها النووية والصناعية والاقتصادية تدميرا كاملا بحيث تحتاج الى ايران بعدها إلى ما لا يقل عن عشرين عاما من الجهد ورصد الموارد لاستعادة قدرتيها الاقتصادية والعسكرية. وخلال ذلك لن يبقى النظام الديني في ايران وسيقوم على أنقاضه نظام مدني يندمج في المنطقة بوصفه جزءا منها لا قوة مسيطرة ذات مشروع.
هل تتحقق هذه الخطة وتصيب أهدافها في إرساء quot;شرق أوسط جديد في نظامه الأمني والسياسيquot;،وفق ما تريد واشنطن؟ أم تواجه الولايات المتحدة مأزقا جديدا في المنطقة يضاف الى مأزقها العراقي؟