إجراءات أمنية مشددة وحضور إعلامي مكثف، وتوقعات بمفاجآت
بدء الجلسة الثانية من محاكمة مصطفى والسكري بتهمة قتل تميم

المتهمان الرئيسيان
نبيل شرف الدين من القاهرة: وسط حضور إعلامي مكثف، وإجراءات أمنية مشددة، أستأنفت محكمة جنايات القاهرة اليوم السبت الجلسة الثانية بنظر قضية محاكمة المتهمين بقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم والمتهم فيها كل من : محسن السكري، ضابط الشرطة السابق والذي يواجه تهمة القتل، ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، والذي يواجه تهمتي المشاركة والتحريض على القتل . وشهدت جلسة المحاكمة الثانية حزمة من الإجراءات الأمنية المشددة، حيث وضعت السلطات بوابات الكترونية للكشف عن المفرقعات،rlm; وفرضت إجراءات تفتيش جميع الأشخاص الذين يسمح لهم بدخول قاعة المحكمة، من محامين وصحافيين فضلاً عن عائلات المتهمين وذويهم .

كما وضعت الشرطة كردونات أمنية داخل وخارج المحكمة لتأمين جلسة المحاكمة، وخط سير المتهمين من محبسهم ووصولا إلى قاعة المحكمة. ومن المقرر ان تستمع المحكمة في ثاني جلساتها إلى شهود الإثبات في هذه القضية، فضلاً عن استكمال مرافعات الدفاع عن المتهمين وكانت الجلسة السابقة قد شهدت مطالبة ممثل الادعاء للمحكمة بتوقيع اقصى عقوبة ضد المتهمين وهي الإعدام شنقاً .

وفي الجلسة الأولى للمحاكمة سألت المحكمة المتهمين عما نسب اليهما من اتهامات، حيث نفيا ذلك بشدة، في ظل قرار الاتهام الصادر ضدهما من النيابة، فضلاً عن فضّ أحراز القضية والتي بلغ عددها 24 حرزاً. وأفرغت الأجهزة الفنية التي انتدبتها المحكمة المعلومات التي احتواها هاتف محسن السكرى واكتشفت 7 رسائل كتبها السكري باللغة الإنجليزية وأرسلها إلى هاتف هشام طلعت، حيث قال له في إحداها quot;إن هناك أخبار سارة، فالمسألة قاربت على الانتهاءquot;، وفي رسالة أخرى قال السكري: quot;سيدي، أرجو ألا تنسى إرسال بعض النقودquot;، فضلاً عن عدة رسائل أخرى سربت إلى وسائل الإعلام المصرية التي نشرتها وسط اهتمام شعبي كبير بالقضية وتفاصيلها .

الموقف القانوني

ويتحدث المحللون السياسيون والمراقبون للشأن الداخلي في القاهرة عن علاقات وثيقة ربطت بين رجل الأعمال المتنفذ هشام طلعت مصطفى وعدة دوائر في السلطة وصلت بها الأقاويل إلى أسرة الرئيس المصري حسني مبارك ونجله جمال، الأمر الذي منحه قوة أكثر مما وفرته أمواله الضخمة، ويشغل مصطفى منصب وكيل اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى كما أنه عضو في المجلس الاعلى للسياسات ـ أبرز لجان الحزب الوطني (الحاكم) في مصر ـ والتي يرأسها نجل الرئيس جمال مبارك. وكانت مصر قد باشرت المحاكمة في قضية مقتل سوزان تميم بناء على طلب رسمي من دولة الامارات العربية التي طلبت الاستدلال على الضابط السابق محسن السكري، وجرى التحقيق مع هشام طلعت مصطفى بعد التحقيق مع السكري الذي قال النائب العام انه اعترف خلاله بقتل تميم .

لجنة القضاة
وسبق أن أعلن النائب العام المصري إحالة هشام طلعت مصطفى ومحسن السكري للمحاكمة الجنائية، حيث وجه للسكري أنه quot;أقام بأحد الفنادق قرب مسكنها في دبي، وطرق بابها زاعما أنه مندوب عن الشركة مالكة العقار، وما أن ظفر بها حتى انهال عليها ضربا بالسكين محدثا اصاباتها لشل مقاومتها وقام بذبحهاquot;، وأشار إلى أن ذلك جرى بتحريض من المتهم الثاني (هشام طلعت مصطفى) مقابل حصوله منه على مبلغ مليوني دولار أميركي مقابل ارتكاب تلك الجريمةquot;.

وقال النائب العام في بيان إن هشام طلعت مصطفى quot;اشترك بطرق التحريض والاتفاق والمساعدة مع المتهم الاول في قتل المجني عليها، انتقاما منها وذلك بأن أمده بالبيانات الخاصة بها والمبالغ النقدية اللازمة للتخطيط للجريمة وتنفيذها وسهل له تنقلاتهquot;. ومن بين أحراز القضية شرائط تسجيل عليها مكالمات تليفونية بين مصطفى والسكري وشريط فيديو التقط في مسكن تميم في دبي وقت الحادث وتحليل الحمض النووي (DNA) لدماء على ملابس للسكري يدعى أنه تركها في المبني الذي وقع فيه الحادث.

ومن جهة الموقف القانوني، يرى محامون مصريون أن هشام طلعت مصطفى يواجه ـ إذا ثبتت عليه التهمة ـ عقوبة السجن لمدة تصل الى 20 عاما في الحد الاقصى لكن آخرين يقولون ان المحكمة يمكن أن توقع عليه عقوبة الاعدام شنقا مثل الفاعل الاصلي اذا حكمت باعدام السكري .

ويؤكد المحامون وخبراء القانون أن هشام يواجه مأزقاً حقيقيا، وهو ما يذهب إليه أستاذ القانون الدكتور حسن رأفت، الذي يقول quot;إنه في ظل توجيه تهمة التحريض والاتفاق والمساعدة في قضايا القتل، فإن عقوبة الشريك تكون هي ذاتها عقوبة الفاعل الأصلي، وتتحدد تبعاً لنوع الجريمة، بل إنه في بعض الأحيان ترى المحكمة أن دور الشريك قد يتجاوز دور الفاعل فهو المحرض والممول والمنسق والمخطط لارتكاب الجريمة، بينما لم يكن الفاعل الأصلي سوى أداة للتنفيذ فحسب، وبالتالي فقد تقضي المحكمة حينئذ بعقوبة أشد على الشريك، كما لفت رأفت إلى أن عقوبة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد هي الإعدام شنقاً، وإذا خفضتها المحكمة فإنها حينئذ تصبح السجن المشدد، الذي تتفاوت مدته من ثلاثة أعوام إلى خمسة وعشرين عاماً وفقاً للسلطة التقديرية للمحكمة ومدى اقتناعها وما استقر في عقيدتها حيال موضوع القضية وملابساتها .

سيناريوهات المحاكمة

أما في خلفيات قصة محاكمة العصر، كما تطلق عليها الصحف المحلية المصرية، فيطرح المراقبون ثلاثة سيناريوهات، الأول يذهب إلى أن دوائر الحكم في مصر تصرفت هذه المرة بطريقة براغماتية حاسمة، مفضّلة التضّحية بشخصٍ تسبب في إحراجها على صعيد تخطى الحدود الجغرافية والسلوكية معاً مهما كانت حيثيات هذا الشخص وارتباطاته بشخصيات نافذة، خاصة وأن ردود الفعل الشعبية بلغت درجة عالية من الاستياء بعد أن فاز متهمون في قضيتين شغلتا الرأي العام بالبراءة وهما المتهمون في قضية الدم الملوث، ثم العبّارة التي راح ضحيتها أكثر من ألف مصري في البحر الأحمر، وبالتالي فلم يعد النظام يحتمل مزيداً من الحرج، لاسيما وأن الأمر هذه المرة تجاوز مصر إلى دبي وبيروت ولندن، وهي كلفة غالية لا يبدو معها النظام مستعداً لتحملها، خاصة في مثل هذه الظروف السياسية الدقيقة .

ويقودنا السيناريو الأول إلى الثاني، فخروج الأمر هذه المرة على حدود الجغرافيا والسلوك المتعارف إليه، لينتقل إلى دبي كما يصل لحد التصفية الجسدية، هو أمر دفع إلى المشهد عنصر جديد لا يستهان به، وهو موقف حكّام دبي، الذين يسعون منذ عقود لتحويل بلدهم لساحة استثمارات آمنة ويحلمون بها وقد أصبحت quot;هونغ كونغquot; الشرق الأوسط، لم يكن ليرضيهم أن تشهد هذه الإمارة الواعدة جرائم من هذا النوع الدامي الذي يهدد حال انتشاره بتحويلها إلى مسرح quot;مافيوزيquot; لرجال الأعمال والشركات وربما الدول، وبالتالي أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية، لهذا جاءت الوقفة صارمة من قبل حكّام دبي الذين جمعوا كل المعلومات عن الجريمة وملابساتها ووضعوها تحت تصرف السلطات المصرية مطالبين إياها بالتعاون معها، بموجب الاتفاق القضائي بين البلدين، فضلاً عن العلاقات الجيدة والمصالح الكبيرة التي تربط البلدين.

ويعول المراقبون على إلحاح السلطات الإماراتية بضرورة تحريك القضية ومساءلة المتورطين بارتكابها كي لا تصبح دبي ساحة للقتل والتصفية الجسدية، بما يهدد سمعتها، ولهذا يرى معلقون في الصحافة المصرية أن هذه الجريمة لو كانت قد وقعت في مصر ولم تتجاوز الحدود، أو حتى لو جرت وقائعها في لندن مثلا، ذات التاريخ الأسوأ في مصرع مصريين مشهورين، لما كانت الأمور قد تطورت على هذا النحو الدرامي وامتدت لتطال رجل الأعمال المتنفذ، وتلقي به خلف القضبان متهماً مع القتلة واللصوص .

وأخيراً يأتي سيناريو يتبناه المسؤولون الحكوميون وقادة الحزب الوطني (الحاكم) في مصر، حيث يؤكدون أن هذا هو المسلك المعتاد والطبيعي في مصر بعدم محاباة أحد على حساب العدالة وسيادة القانون، وهو رأي لا يتفق معهم بشأنه ملايين المصريين الذين تساورهم الهواجس حيال أي سياسات أو ممارسات حكومية، خاصة في ظل الاحتقان السياسي السائد في مصر .