4 صحافيين وناشطين في سوريا وتونس والسعودية مُنعوا من المشاركة
ذكرى جبران تويني: صلاة وشموع ومنتدى حريات للعرب

إيلي الحاج من بيروت: مرت ثلاثة أعوام على اغتيال النائب والصحافي الشاب الجريء جبران غسان تويني كأنها ثلاثة ايام أو أقل لمحبيه ورفاقه وأصدقائه وعارفيه، ولا تزال الذكرى تحمل إليهم حرقة عميقة لا يبددها مرور الوقت وتكريم ذكرى ، وإن خفف من وطأتها عزم يبدونه على الإستمرار في التحدي الذي أطلقه جبران واستشهد من أجله تفجيراً وحرقاً.

وبدأ إحياء الذكرى الذي يستمر يومين في مكانين. الأول في كنيسة مار متر في الأشرفية حيث دفن، فأقيمت صلاة ترأسها مطران بيروت للروم الأرثوذكس الياس عودة حضرها جمع من الأهل والأصدقاء والعاملين في quot;النهارquot;، تقدمه ممثلان لرئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى سياسيين من قوى ذ4 آذار/ مارس التي كان تويني الإبن أحد أركانها، وقال عودة في عظته إن quot;أبناء الحرية يُقتلون أما الممثلون فلا...quot;. وأضاء تجمع يغلب عليه الشباب شموعاً أمام الكنيسة والمدفن مساء.

والمكان الثاني كان في إحدى صالات فندق quot;مونروquot; وسط بيروت، حيث افتتح quot;المنتدى العربي الثالث للصحافة العربية- قوى متصارعة : الصحافة العربية المستقلة تتحدى الحكومة المقيّدةquot;، على أن ينتهي المنتدى غدا في quot;قصر المؤتمراتquot; في إنطلياس بتقديم quot;جائزة جبران توينيquot; من الاتحاد العالمي للصحف لهذه السنة إلى رئيس تحرير صحيفة quot;الدستورquot; اليومية المصرية ابراهيم عيسى، وذلك لالتزامه quot;حرية الصحافة وشجاعته وحنكته القيادية وطموحه ومقدراته الادارية والمهنية العاليةquot;. وذكر الإتحاد أيضاً بأن صحيفة quot;الدستورquot; التي تأسست عام 1995 quot;تعرضت للإغلاق بقرار من السلطات المصرية بين العامين 1998 و2005 الا انها عادت وشهدت رواجا، ولا يزال عيسى عازما على تقديم تغطية مهنية صادقة رغم الرقابة والتهم والدعاوى القضائية التي تعترض عملهquot;.

ويشارك في المنتدى الذي ينظمه الإتحاد العالمي ( كان جبران تويني عضواً فيه) وصحيفة quot;النهارquot; بمشاركة نحو 120 إعلاميا عربيا بارزا. ويتناول المشاركون آخر التطورات في مجال الصحافة في العالم العربي، بدءاً بالسياسات الحكومية المعوقّة إلى المعالم المتغيرة للتدوين العربي، ومن إغراء الصحافة الإخبارية العربية الشاملة وتأثيرها، إلى المشاريع التجارية لنشر الصحف في العالم العربي.

وفي المستهل ، أعلن المدير العام التنفيذي للإتحاد العالمي للصحف wan تيموثي بولدينغ في كلمته منع أربعة صحافيين وناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان من سورية وتونس والسعودية من التوجه الى لبنان للمشاركة في المنتدى، وذلك quot;لتفادي ادلائهم بشهادات حول القيود المفروضة على حرية الصحافة في بلدانهمquot;. وقال إن الشرطة التونسية منعت الصحافي لطفي حيدوري والكاتب محمد عبو من التوجه الى بيروت.

كذلك منع المدون السعودي فؤاد الفرحان الذي كان مقررا ان يشارك في طاولة مستديرة حول quot;الوجه الجديدquot; للمدونات العربية من السفر الى لبنان. ومنعت السلطات السورية للمرة الثانية مدير quot;المركز السوري لوسائل الإعلام وحرية التعبيرquot; مازن درويش من مغادرة البلاد للمشاركة في المنتدى.

تحدث في الجلسة الأولى رئيس تحريرصحيفة quot;الشورىquot; سابقاً في اليمن عبد الكريم الخيواني، متناولاً الرقابة التي تمارس على الصحافيين في اليمن وسوريا خصوصاً تحت ستار مكافحة الإرهاب. وأدارها المدير التنفيذي لمركز quot;حرية الإعلام في الشرق الأوسط وشمال أفريقياquot; في المغرب سعيد السليمي.

وتناول ابراهيم عيسى والصحافي والمحلل السوري وائل سواح وناشر صحيفة quot;بلاديquot; الموريتانية موسى ولد حامد الوسائل التي تستخدمها الحكومات والأنظمة لإعاقة الصحافة الحرة ومعاقبتها، ولاحظوا أن السلطات تلجأ إلى استبدال الهجمات الصارخة على الصحافة والصحافيين بمناورات خفية، وذلك تفادياً للضغوط الخارجية والداخلية التي تمارس عليها من أجل إجراء إصلاحات ديمقراطية .

وتناولت جلسة ثانية quot;المعالم المتغيرة للتدوين العربيquot; ، وتحدثت فيها كيزي شوكت صاحبة مدونة quot;لا قبيلة لي، أنا سودانيةquot; وسامي بن غربية صاحب مدونة quot;فكرة quot; من تونس، بإدارة مديرة مدونة quot;المصري اليومquot; ووسائط متعددة نوري يونس. وتناولوا دور مدونات الأخبار والرأي بوصفها ظاهرة سياسية تتيح للمواطن التزود بالمعلومات والخوض في مناقشات وحوارات تفاعلية.

وكانت إبنة جبران، نايلة تويني أعلنت إنها تتجه إلى الترشح للإنتخابات النيابية المقبلة عن المقعد الذي شغله والدها، وأكدت تمسكها بمبادىء quot;14 آذار/ مارس التي استشهد جبران تويني في سبيلها. وكتب جدها النائب والصحافي غسان تويني افتتاحية مؤثرة في quot;النهارquot; بعنوان: quot; تستشهدُنا من بعدك كلّ نهار يا ابني، يا حبيبي!quot;، جاء فيها:

quot;أمضي، في الفراغ الذي تركتَ من بعدك في دنيا الحياة، أسألك: لماذا، لماذا؟
أسأل طيفك الذي يحوم حولي ويُثقل الفراغ بصوتك الذي لا يهدأ، مروراً بقَسَمك حاملاً صداه هدير جماهير quot;ساحة الشهداءquot; إياها، وكأنها امتدّت وتمتدّ بنا وبالسابقين واللاحقين من قرن إلى قرن: لماذا لم تخف من الموت؟ لماذا كسرت التنبيه وهرولت الى الشهادة وكأنك على موعد مع القتلة الذين كنا وكنتَ تعرف أنهم ينتظرونك؟ لماذا ذلك الزهد بالذات وبالحياة؟...
أحمل على شفتيّ وهج القبلة التي لم أجد جبينك لأطبعها عليه قبل أن يلفّك التراب، ولا تركوني ألمس وجهك الضاحك لأغسل عنه بدموعي آثار البارود الذي أحرقَك وأحرقَ قلبي وقلوب محبيك والمتعبّدين للوطن والحرية كلهم...
التراب الذي لم يبرد ولم يتحجّر من ثلاث سنوات ليس حاجزاً بيننا وبين الموت الذي تسكن! الموت صار هو حياتنا، فأعرف أنك تسمعني وأنك استمررت تنظر إلى كل ما صرنا إليه من بعدك...
لا عزاء لنا بعد... لكن العزاء آتٍ، لأن ليس في التاريخ ndash; ولا القدر ndash; منطق أو ناموس يسمح بأن تذهب الشهادة سدى... فاصبر وانتظر في كنف الحب المؤمن الذي يُدفئ غربتك، أعرف...
لن تنتظر إلى الأبد، لأن الأبدية صارت خلفنا ووراءك (...)quot;.