أحبطت التوقعات وكسرت المعادلة
عامان على حكومة أولمرت: رهان السقوط والبقاء

كم يحتاج اولمرت من وقت لقراءة تقرير فينوغراد؟

خلف خلف من رام الله: قبل أقل من شهر أكمل ايهود أولمرت عامين على تسلم رئاسة الحكومة الإسرائيلية خلفاً لسابقه أرييل شارون، وهو بالتالي يسقط رهانات الكثير من المراقبين ومعهم أيضا معارضيه السياسيين الذين ما فتئوا يؤكدون قرب هزيمته وتنحيه عن كرسي الحكم مع كل أزمة عايشها منذ توليه منصبه الحالي. ولكنه في كل مرة ينجو بأعجوبة بعكس كافة الترجيحات، متحدياً، وبمزيد من الإصرار على المضي قدماً في ولايته، بل إن نجاحه بالخروج سالماً من تقرير لجنة فينوغراد الذي بحث في إخفاقات حرب لبنان الثانية، أزال الصورة النمطية المرسومة لدى البعض عن ضعف حكمته، وفتح باب التساؤلات حول حنكته السياسية، وبخاصة أيضا بعد قدرته على التملص من جملة لا تصدق من تحقيقات الفساد التي أديرت ضده في مجالات مختلفة.

وهو ربما ما يفسر ذهاب بعض المحللين السياسيين خلال اليومين الماضيين لوصفه بالمراوغ السياسي الفذ، لتمكنه من التعاطي بطريقة تكتيكية مع كافة الملفات الإسرائيلية الداخلية والخارجية، فهو عملياً رغم كل الأزمات حافظ لغاية اللحظة على توازن وتماسك ائتلافه الحكومي من التفكك، متجاوزاً بذلك كافة العواصف التي ضربته، ومواصلاً مشواره بالعمل على عدة جبهات في آن واحد.

ولكن ما الذي يجعل أولمرت بعد تصفحه لتقرير لجنة فينوغراد النهائي، واستنتاجه أنه قد برّئ تبرئة كاملة من إخفاقات حرب لبنان، غير سعيد؟. هذا الشعور مرده إلى أن quot;القادم ليس ببسيطquot;، فكم كبير من القضايا والملفات المعقدة بانتظاره، وليس هناك وقت للوقوف، وأخذ قسط من الراحة أو الاحتفال، فالساعة السياسية آخذة في النفاذ من أمامه. فهو إذا لم يتوصل لانعطافة سياسية مع الجانب الفلسطيني حتى نهاية العام الحالي، ربما سيكون من الصعب الوصول إليها مستقبلاً.

أيضا الوضع المتوتر في قطاع غزة في مقدمة الملفات التي تربك إسرائيل حالياً، فهناك ضغوطات عسكرية وشعبية على أولمرت تطالبه بضرورة التحرك لوقف الصواريخ محلية الصنع التي تطلقها المنظمات الفلسطينية من القطاع، وقد تعقدت الأمور أكثر بعد فشل نظام العقوبات والحصار الإسرائيلي على غزة في تحقيق مآربه، في ظل فتح الحدود بين جمهورية مصر وغزة، بالإضافة إلى تحركات تقودها حركة حماس لجعل معبر رفح يعمل بإدارة مصرية- فلسطينية بحتة، وحديث من الإعلام الإسرائيلي أيضا عن نجاح الحركة في تهريب كميات كبيرة من الأسلحة من مصر لغزة.

كما أن الملف النووي الإيراني، الذي تعتبره تل أبيب التهديد الوجودي عليها، يشغلها ويقلق حكومتها، وهو ما تبلور مؤخراً على لسان أحد قادة هيئة الأركان في إسرائيل، حيث صرح قائلاً: quot;إيران بعيدة عن إسرائيل، ولكن إسرائيل قريبة منها. بإمكانها أن تتحرك ضد إسرائيل في كل مواجهة من الحدود اللبنانية والحدود الغزاويةquot;، وكذلك الاقتصاد العالمي أخيراً يمر في أزمة، وعلى الحكومة الإسرائيلية بزعامة أولمرت أن تتصرف بحذر مفرط حتى لا تتورط فيه.

كذلك رغم تملص أولمرت من تحقيقات حرب لبنان الثانية، إلا أنه ليس هناك أسباب كثيرة للابتهاج، فلائتلافه الحكومي المكون من 67 نائباً، مختلف الرغبات والأماني، فهناك كتلة شاس التي تلوح بالانسحاب في حال تمت مناقشة موضوع القدس في المفاوضات النهائية مع الفلسطينيين، وقد يخسر أولمرت أيضا حزب المتقاعدين من ائتلافه إذا وافق على إجراء تقليص الميزانية المخصصة للأدوية.

وعلى طاولة أولمرت كذلك ملفان مفتوحان آخران، مؤلمان بدرجة كبيرة: ملف الجندي جلعاد شاليت المحتجز لدى ثلاث مجموعات فلسطينية في غزة، وملف الجنديين الأسيرين لدى حزب الله، رغيف وجولدفاسر، فالشارع الإسرائيلي يتوقع من اولمرت أن يتخذ قراراته في هذا المجال بعد أن تحرر من ظل لجنة فينوغراد.

وهي رغبة أثارتها صحيفة معاريف الصادرة أمس الجمعة، وكتبت تقول: quot;التقدير في الساحة السياسية ومحيط رئيس الوزراء ايهود اولمرت هو أن الآن، بعد أن تمر عاصفة فينوغراد سيكثف رئيس الوزراء الاتصالات لتنفيذ صفقة شاليت. عن التطورات في هذا المجال محظور نقل الأنباء ولكن محافل سياسية مقتنعة بأن الأسابيع القريبة القادمة ستكون أسابيع شاليت، غزة وربما أيضا المسيرة السياسيةquot;.

وفي سياق صفقة شاليت، نقلت الصحيفة عن وزير البنى التحتية الإسرائيلية بنيامين (فؤاد) بن اليعيزر قوله الأسبوع الماضي في محادثات خاصة إنه quot;بقدر ما يتعلق الأمر به، فان الصفقة يجب أن تتضمن أيضا مروان البرغوثيquot;. وحسب الوزير الإسرائيلي فانه عندما خرج على الملأ ودعا إلى تحرير البرغوثي، وضع مسبقا اولمرت وبراك في الصورة. ويقول بن إليعيزر: quot;إن اولمرت أيضا يعرف أن تحرير البرغوثي هو مسألة وقت وليس مبدأ، بل وصرح بأنه سيفعل ذلك كي يحرك الموضوع وأن يدرج البرغوثي في الصفقة المتبلورةquot;.

ومن جانبه، رأى بن كاسبيت الكاتب الإسرائيلي في صحيفة معاريف أن التقرير الانتقالي الذي نشرته لجنة فينوغراد في الثلاثين من نيسان/أبريل 2007 حول اولمرت إلى مجرم قومي محكوم بالإعدام، جثة سياسية تنتظر دفنها بصمت. ولكن التقرير النهائي للجنة برهن أن هذا القبر غير موجود وان المحكوم بالموت قد هرب.

وأضاف كاسبيت: quot;التقرير النهائي كان تقريراً باهتاً تقزم في مواجهة التوقعات التي بُنيت على التقرير الأولي، ومنح اولمرت حياة جديدة. إن كانت اللجنة قد رغبت من خلال التقرير الأول بإسقاط اولمرت بأي ثمن تقريباً فإنها قد حاولت في التقرير الثاني، وبالحماس نفسه إنقاذه، المحاولة الأولى فشلت، والثانية نجحتquot;. ويشار إلى أنه يوجد في الساحة الحزبية الإسرائيلية عيون عديدة تتطلع إلى كرسي أولمرت، مثل وزير الدفاع وزعيم حزب (العمل) إيهود باراك الذي يجري الآن حساباته للخروج بأفضل المكاسب دون المس بشعبيته، ويبحث عن آلية يتجاوز عبرها وعودا أطلقها سابقاً وعد خلالها بانسحابه من حكومة أولمرت فور نشر التقرير.

ويبدو أيضا زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو متحمساً للغاية للجلوس في كرسي الحكم، وهو لا يتوقف عن تصيد الفرص لتحقيق ذلك، واستطلاعات الرأي التي تظهر تأييدا عاليا له تمده بمزيد من الحماس والمثابرة في هذا الاتجاه، ويبقى السؤال مطروحاً حول مدى قدرة أولمرت على مواصلة مراوغته السياسية ليحافظ على منصبه، مع الأخذفي الاعتبار أن الساحة الحزبية الإسرائيلية معروفة بمفاجأتها.