الدكتورة سلوى الشرفي لـ quot;إيلافquot;:
لم أتخلَّ عن مبادئي أعمل من أجل تحقيقها رغم تكفيري
حاورها إسماعيل دبارة من تونس: نفت الدكتورة سلوى الشرفي أستاذة الإعلام وعلم الاجتماع السياسي في الجامعة التونسية في حوار خصّت به quot;إيلافquot;، أن تكون قد تخلت عن quot;مبادئ تعمل من أجل تحقيقها منذ سنواتquot;. وإن ما راج حول تراجعها عن أفكارها غير مبرّر.
quot;الشرفيquot; التي تعرضت إلى التكفير من قبل بعض الأصوليين بسبب مقالاتها التحليلية التي تدعو فيها إلى المساواة بين الجنسين وبين البشر، قالت إنها quot; تتحدى الإسلاميين أن يوردوا موقفًا واحدًا يعلنون فيه إيمانهم بالمساواة بين الجنسينquot;. وإن بعض العلمانيين يدافعون اليوم على قول الله أكثر منهم.
وفي ما يلي نص الحوار:
على الرغم من حملة المساندة الضخمة التي حضيت بها بعد تعرضك إلى التكفير من قبل بعض الأصوليين، إلا أن الحديث يدور اليوم في تونس عن تراجع الدكتورة quot;الشرفيquot; عن عدد من تصريحاتها السابقة. هل هذا صحيح ؟
ا أدري ما هي المؤشرات التي جعلت بعضهم يروج لهذا الخبر. الجدل مع الإسلاميين استوفى حقه وتوقف بصورة طبيعية مع صدور البيان المساند لي والمندد بممارسات التكفير والمس من حرية التعبير، ثم إن الموقع الذي كنت أنشر فيه مساهماتي توقف لمدة شهرين تقريبًا. ولا معنى بالنسبة إلي للتراجع عن مبادئ أعمل من أجل تحقيقها منذ سنوات، إن لم يكن عن طريق المقالات العلمية فمن خلال مقالات صحافية وبحوث ومحاضرات وهذه لم تتوقف.
الحملة التي شنها ضدك مخالفوك في الرأي والفكر كانت بسبب دراسات أجريتها بخصوص quot;سؤال الاستفتاء وجواب الإفتاءquot; ألا تعتبرين الفتوى في المجتمعات الإسلامية شأنًا quot;ذكوريًاquot; لا دخل للنساء فيه، فما بالك بنقده؟
أولاً الفتوى توجّه إلى النساء والرجال والاستفتاء لا يقتصر على الذكور.
وثانيًا فبالنسبة إلي لا يوجد شأن ذكوري وآخر نسائي، عندما يتعلق الأمر بالفكر والرأي والعلم والعمل. الفرق بين الأنوثة والذكورة يتوقف على الخلقة الطبيعية والتي تجعل الجنسين متكاملين لا فضل لأحدهما على الآخر، ولا قيمة لأحدهما دون الآخر. أما في ما يتعلق بالشأن الثقافي والاجتماعي فهو مجال مفتوح ليس فقط للمرأة والرجل بل لجميع الفئات الاجتماعية. إنه مجال عمومي وإذا إقتصره بعضهم على جنس معين أو فئة معينة فهو يفقد صفته العمومية.
إن ما يرفضه الذين يخالفونني الرأي والذين يصلون حد التهجم عليّ هو اختلافي عنهم في الرأي. فهم لم يخرجوا بعد من سجن الفكر الإطلاقي الذي يمنعهم من تنسيب الأفكار ووضعها في إطار المحتمل، أي الصحيح والخاطئ، وإخراجها من منطق الحلال والحرام. لذلك فهم لا يهاجمون النساء بل كل من يخالفهم الرأي، فيتهمونه بمخالفة الدين، بقطع النظر عن جنسه البيولوجي.
وهل تظنين العامة تقبل بمثل تلك الآراء التي صدرت عنك والذهنية الوثوقية التي تحكم المجتمعات العربية لم تتزحزح إلى اليوم؟
لا أعلم ما هو المقصود بقولك quot;تلك الآراء التي صدرت عنكquot; و لكن ما أعرفه أن نقدي للفتاوى المخجلة الصادرة عن quot;علماء دينquot; قد استنكرها العام والخاص. أما مواقفي المتعلقة بالمساواة بين المواطنين، سواء تعلق الأمر بالمرأة أو بغير المسلم، أي بالآخر بصفة عامة، فهي آراء عادية يتبناها القطب المعارض للإسلاميين في كل المجتمعات، و ما الاستقطاب الفكري السائد في مجتمعنا العربي سوى نتيجة لهذا الاختلاف في الرأي ودليل على أن مجتمعاتنا لا تحكمه الوثوقية. ثم إن الذين تحكمهم الوثوقية هم صنيعة الخطاب المتشدد وبمقدورنا ومن واجبنا العمل على تقديم خطاب بديل مختلف يحدّ من التشدّد. هذه قاعدة الاتصال والديمقراطية وهو أمر بشري ودنيوي صرف يدخل في إطار المساعدة على تكوين الرأي ولا يجب التفويت فيه وإخلاء الساحة الفكرية لرأي واحد.
وفي ما يخص المعلومات التاريخية التي أوردتها لمحاججة الخصم فأغلبها معروف ومنشور في طبعات حديثة، وقد أوردها علماء وفقهاء قدامى يشكل جلّهم مرجعًا شبه مقدس للسلفيين، وأبرزهم الطّبري وابن تيّمية. إذن مشكل المتشددين لا يتمثل فقط في ادعائهم التكلم باسم الله ولا في إقصاء المرأة بل في رفضهم تقاسم سلطة التأويل كأي دكتاتور صغير.
ألا يبدو السجال مع الإسلاميين عقيمًا خصوصًا وإن كلا منكما ينطلق من مرجعية مخالفة للطرف المقابل ، وهدف كليكما هو تراجع الأخر عما يعتنقه من أفكار لا الوصول إلى الحدّ الأدنى المشترك لنيل الحداثة والتقدم المنشودين ؟
السجال العقيم هو السجال الذي يدور بين أشخاص يفكرونفي الطريقة نفسها وليس العكس. والهدف من أي جدل لا يتوقف حدّ محاولة إقناع الطرف المقابل، بل إن هذا الأمر ثانوي جدًا. الجدل عملية اتصالية بامتياز ودائرتها أوسع بكثير من دائرة المتحاورين، إنه اقتراح مشروع مجتمع على المتابعين للجدل ورفع لبس ناتج عن تحريف الطرف الآخر لآرائي وآراء التيار الفكري الذي أنتمي إليه. فمن أغرب ما حصل هو اتهامهم لي بالخروج عن المعلوم من الدين بالاعتماد على أسئلة المستفتين التي أوردتها في البحث وزعموا أنه قولي. هذا إلى جانب الترويج لفكرة أن اللائكية تعني الإلحاد وأن بعض الأحكام الخلافية في الشريعة، مثل الخمار، هي من المعلوم من الدين. فمنذ أن أعلن quot;الجهاديونquot; أن الجهاد فريضة غائبة، تكاثرت الفرائض الغائبة. وإذا تواصل الأمر على هذا المنوال فسيأتي يوم تمحي فيه الفرائض الخمسة المعروفة ليحل محلها آراء هذا التيار السياسي أو ذاك، والذي يدعي على أنه حارس قول الله. المشكلة وعلى عكس ما يروجون فإن بعض اللائكيين يدافعون اليوم على قول الله أكثر منهم. فقول الله الداعي إلى السلم والتسامح وإحترام الآخر لم ينجرّ عنه تقاتل بين المسلمين. التقاتل نتج عن البدع الإيديولوجية للإسلاميين المتشددين.
اعتبرت في احد تصريحاتك أن الخطاب الإسلامي هو خطاب مزدوج لم يرقَ إلى مستوى الخطاب الحداثي للديمقراطية وحقوق الإنسان. كيف تفسرين إذا المراجعات التي تقوم بها بعض الحركات الإسلامية في دول كمصر وحتى في تونس مع حركة النهضة التي وقعت على وثائق مع أطراف علمانية تحترم بموجبها حقوق المرأة والمساواة مع الرجل وحرية المعتقد؟
أوّلاً، لا يكفي أن يعلن الإنسان بأنه ديمقراطي وأنه يؤمن بمبادئ حقوق الإنسان، وإنما يجب أن يوضح ماذا يعني بهذا الإعلان. ثانيًا نحن لسنا في حاجة إلى إعلاناتهم لكي نعرف حقيقة أفكارهم. يكفي الإطلاع على مواقفهم المتعلقة بتعدد الزوجات، وتأديب المرأة بالضرب، وتكفير مخالفيهم لنقف على حقيقة معتقدهم الإيديولوجي المنافي لحقوق المرأة ولحرية المعتقد. أتحدّاهم أن يوردوا موقفًا واحدًا يعلنون فيه مثلاً إيمانهم بالمساواة بين الجنسين مع توضيح مفهومهم للمساواة. وأكرّر بأننا لا نطالبهم بأن يكون ديمقراطيين لكن ليس من حقهم ادعاء ما ليس فيهم وإن ادعوا ذلك فمن حقنا ومن واجبنا توضيح الأمر للناس حتى لا يحرّفوا مفهوم الديمقراطية كما حرّفوا فرائض الإسلام.
أنت مختصّة في تحليل الخطاب السياسي. حسب رأيك هل يمكن للخطاب الإسلامي السائد اليوم أن يتراجع عن بعضهم مما يعتبرونها ثوابت ؟
ليس من حق أي كان أن يطالب تيارًا سياسيًا بالتراجع عن ثوابته، كما أنه ليس من حق أي كان أن يمنع الناس من نقد ثوابت تيار سياسي. وهو نقد لا يهدف إلى التأثير في هذا التيار ودفعه إلى تغيير ثوابته وإنما بهدف توضيح الأمر للناس. المشكلة أن ثوابتهم ناتجة عن تأويل أو قراءة معينة للإسلام لا يشاطرهم الرأي فيها عدد كبير من الناس، لأنها تمس من الحريات الفردية والعامة التي يطمح البشر إلى تحقيقها. لو كان الأمر يقدّم على أنه رأي يمكن لنا حينئذ أن نأمل في تغيير رأيهم لأنه، و كما يقول المثل الفرنسي، وحدهم الأغبياء لا يراجعون رأيهم. غير أنهم يقدمون ما هو مجرد رأي على أنه قول الله و هكذا يتحول رأي هذه الفرقة الإسلامية أو تلك إلى قانون مقدس يحرّم إخضاعه للتعقيب البشري، وإن حصل ذلك يسلّون سيف التكفير على رأس مخالفهم. وهو سيف مسلول ليس فقط على الذين يفكرون من خارج إيديولوجيتهم، وإنما حتى على أتباعهم. ولو كان ما يدعونه صحيحًا، أي أنه قول الله، لما وجدت كل هذه الفرق الإسلامية المتناحرة. فأنا مثلاً أعتبر المساواة بين البشر أحد ثوابتي لكنني لا أجرّم من يخالفني الرأي ولا أطالب بإهدار دمه بل أكثر من ذلك أدافع عنه إذا تعرض إلى انتهاك لحقوقه بسبب رأيه الذي أرفضه.
المشكلة لا تكمن إذن في ما أسميته أنت ثوابت لكن في طريقتهم الفكرية في صياغة هذه الثوابت والوسائل التي يستعملونها للدفاع عن هذه الثوابت.
أنت ترفضين إصدار قانون يجرّم التكفير خوفًا من استغلاله quot;لتكميم الأفواهquot; كما ذكرت. هل تعتبرين هذا مد يد للإسلاميين نحو صفحة جديدة تقوم على التسامح وتوحيد الجهود لمقارعة الاستبداد الذي تشكو منه جميع الأطراف، علمانية كانت أم أسلامية ؟
ما أناضل من أجله يتنافى مع تكميم الأفواه ورفض الآخر المختلف والاعتداء على الناس بسبب آرائهم واللجوء إلى العنف في معالجة القضايا الفكرية، أي أنني وغيري نسعى إلى التوسيع من دائرة الحرية مهما كان الطرف الذي يعمل على تضييقها. لذلك أخشى القوانين الزجرية مهما كان مصدرها وطبيعتها، برلمانية كانت أم إيديولوجية. وبهذه المناسبة أتساءل لماذا يواصل الإسلاميون مطالبة الحكام بإرساء الحريات وإحترامها إذا كانوا يسعون إلى تعويضها بقيود أشدّ تصل حدّ إهدار دم المخالف لهم، عن طريق قانون التكفير.
بصراحة، لا أرى في الوقت الحالي فرقًا يذكر بين ما يتبناه بعض الإسلاميين وما ينددون به بل إن بعض الحكام في الدول العربية أرحم منهم تجاه البشر.
التعليقات