تحليل quot;إيلافquot; يكشف مدى قوة الرياض في أي مواجهة أمام طهران
السعودية تجابه إيران : من يستطيع أن يدمي أصابع الآخر؟

الرياض وطهران اقتراب هادئ بعيداً عن الأضواء
سلطان القحطاني من لندن: لن تكون الرياض الحلقة الأضعف في أي مواجهة مع طهران حسب ما توصلت إليه quot;إيلافquot; بعد أحاديث متفرقة مع أعضاء في بيوت الخبرات الإستراتيجية في لندن والخليج الفارسي خلال اليومين الفائتين، وذلك بعد أن طرأ تطور لافت على العلاقات بين البلدين تمثل في القصف المتبادل بين الرئيس الإيراني ووزير الخارجية السعودي.

وكان الأمير سعود الفيصل قد قال في مؤتمر صحافي عقد في الرياض الأسبوع الفائت إن علاقات طهران مع الدول العربية ستتوتر لو ثبت أن لها يداًُ في تشجيع حزب الله على اللجوء إلى القوة المسلحة كما حدث في بيروت، مما استدعى رداً إيرانياً على لسان الرئيس نجاد اعتبر فيه أن رأي الوزير السعودي quot;لا يمثل حكومة بلادهquot;.

ويقول محللون سياسيون إن هذا التصريح الأعنف من نوعه لم يكن ليظهر لولا أن الرئيس الإيراني يقوم بطبخة توفيقية مع أحد من المسؤولين السعوديين بغية إتمام quot;صفقة كبرىquot; بين البلدين لم يتم الكشف عن تفاصيلها، حسب مصدر quot;إيلافquot; في العاصمة لندن، مشيراً إلى احتمال أن يكون هذا المسؤول هو الأمير بندر بن سلطان.

وذكرت مصادر دبلوماسية في الرياض أن الحكومة السعودية تنتظر وصول مسؤول إيراني رفيع لم تتحدد هويته حتى اللحظة للتباحث حول التطورات الأخيرة في العلاقات بين البلدين. وأضافت هذه المصادر الغربية في قولها إن زيارة هذا المسؤول الإيراني ربما تكون بدعوة سعودية بغية الاستفسار عن تصريحات نجاد الأخيرة.

ورفض مصدر سعودي مسؤول التعليق على هذا النبأ مكتفياً بالقول إن التعاون الثنائي بين البلدين يتم عبر أرفع المستويات. إلا مصادر مقربة من البلاط الملكي في الرياض قالت لـquot;إيلافquot; إن quot;المملكة بدأت حالياً تراجع خططها في ما يتعلق بإيران على ضوء أحداث لبنان الأخيرةquot;.

وتتمتع السعودية بحظوظ أقوى من نظيرتها الإيرانية لو أرادت الأولى الدخول في quot;حرب شوارع خلفيةquot; للضغط على طهران واحتواء نفوذها في المنطقة العربية، وخصوصاً بعد أن بدأت التدخل بشكل علني في مناطق النفوذ المعتادة للسعودية ومصر في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا. إلا أن السؤال الملح هو بأي الوسائل يمكنها القيام بذلك.

إن الضربة المهلكة الأولى هي أن تقوم الرياض برفع إنتاجها البترولي حتى تصل الأسعار الحالية إلى النصف أو مادون ذلك أي في حدود الخمسين دولاراً للبرميل الواحد، ما سيجعل إيران، التي تسبح في بحر أزمة اقتصادية ونسب بطالة مرتفعة، تصاب بأضرار لا تحصى مما يهدد نموها وخططها التسلحية.

وبهذه الخطوة فإن الحكومة السعودية ستضمن علاقات أوثق مع الغرب الذي سوف يسر كثيراً بإمدادات نفطية ذات سعر منخفض ويجعله أكثر حماساً للتفتيش عن خطط اقتصادية مماثلة لوضع حد لطموحات إيران النووية، فضلاً عن أنه سيبعث برسالة غير مباشرة إلى حلفائها الروس بأن الأزمة قد تطالهم أيضاً.

وتشير إحصاءات صندوق النقد الدولي إلى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة في الاقتصاد الإيراني، حيث وصل معدل التضخم - وفقا لهذه البيانات - إلى نحو 18.5% فيما وصل معدل البطالة إلى 12.3%، بالإضافة إلى وجود تفاوت واضح في توزيع الدخل بين السكان في إيران, في الوقت الذي تشير فيه الأرقام غير الرسمية إلى أن مستوى التضخم الحقيقي قد وصل إلى نسبة 20% و البطالة خاصة بين الشباب إلى ما بين 20 و 30%.

وليست نسبة البطالة في السعودية ببعيدة من إيران غير أن الفرق هو أن الأولى لديها خطة تنمية يمكن أن توفر عشرات الآلاف من الوظائف خلال السنوات المقبلة في الوقت الذي تنهمك فيه طهران في صرف مبالغ طائلة على برامجها التسلحية.

وتقول تقارير اقتصادية غير رسمية إن دخل قطاع كبير من الإيرانيين حالياً لا يتجاوز 14 دولاراً شهرياً. بل إنه لفت نظر عائدين من طهران ألتقتهم quot;إيلافquot; في لندن ظاهرة الأطفال المشردين التي بدأت تغزو شوارع العاصمة للمرة الأولى منذ سنوات نتيجة للأوضاع الاقتصادية المتردية.

ويقول أحد العائدين من زيارة طويلة إلى إيران وهو يتناول طبقه المفضل من الكباب الإيراني:quot; الوضع يزداد سوءاً .. كنا قديماً نرى الشبان المتسولين .. نرى المشردين الذين ينامون في الشوارع وأمام المساجد .. لكنها المرة الأولى التي نشاهد أطفالاً مشردين بهذا الحجمquot;.

ويمكن للسعوديين احتواء غضب موسكو بسبب هذه الخطوة النفطية القاتلة من خلال عقد صفقات تسلح مع آلة التصنيع الروسية في مجال الصواريخ والقاذفات بعيدة المدى التي تعتبر الأغلى ثمناً، وتوزيع قروض بمليارات الدولارات الخضراء على غرار ما حدث أثناء حرب الخليج الثانية.

وتعلم quot;إيلافquot; أن الرياض قد مضت في هذه الخطوة التسلحية الأخيرة عقب زيارة تاريخية قام بها ولي العهد الأمير سلطان، الذي يعتبر المسؤول المحنك الكبير في شؤون الدفاع، إلى موسكو قبل عدة أشهر، والتي لفته خلالها عدد من أحدث الصواريخ الروسية التي تريد الرياض أن تجعل منها مظلة حماية لدول الخليج العربية. ومن المحتمل أن تبلغ قيمة هذه الصفقة نحو خمسة مليارات دولار.

أما الخطوة الثانية فتتمثل في استخدام الحكومة السعودية نفوذها الدولي وعلاقاتها الواسعة في إصدار قرارات الحظر التدريجية على غرار ما تم التعامل مع نظام صدام على خلفية حرب الخليج الثانية ما سيتسبب في إنهاك النظام الإيراني.

وبهذه الخطوة سيتم ضرب طهران في قلبها من خلال إضعاف قدرتها الإنتاجية في مجال النفط الذي يمثل 85 في المائة من ميزانيتها السنوية حتى الشلل. ومن خلالها أيضاً يمكن للرياض الضغط على الشركات النفطية التي ربما تحاول إنقاذ الصناعة النفطية الإيرانية وتحسين مقدرتها الإنتاجية عبر ضربها بعصا السياسة.

وحسب مصادر دولية فإن العديد من المسؤولين الإيرانيين قد اعترفوا منذ أمد طويل أن فرض الولايات المتحدة حظرا على الشركات النفطية الأميركية العاملة في إيران قد أعاق قدرة البلد على تطوير حقول النفط كافة. وإن تم فرض الحظر على شركات دولية أخرى فإن ذلك يعني أن الإعاقة ستعني الموت النفطي أو الغيبوبة الكاملة.

وخلال عقد من الزمن سيطال الجفاف الصادرات النفطية الإيرانية. وتنتج البلد ما يقرب من 5 في المائة من إجمالي العرض في العالم وفقا لمنظمة البلدان المصدرة للنفط. وهي تصدر في المتوسط نحو 3،9 ملايين برميل من النفط كل يوم. وسبق وأن نقل موقع quot;شاناquot; على الانترنت الخاص بوزارة النفط الإيرانية عن مسؤول في شركة النفط البحري الإيرانية الوطنية قوله إن الإنتاج بلغ قمة سابقة قبل أربع سنوات لكنه quot;تراجع بعض الشيء منذ ذلك الوقتquot;.

أما الورقة الثالثة التي يمكن للرياض استخدامها هي الدخول إلى العمق الإيراني وتحريك أحلام وضغائن الأقليات من خلال إمدادهم بالمال ووسائل الاتصالات الإذاعية والإعلامية وتسليحهم بالأسلحة على أسوأ تقدير. وهذه خطوة أكثر خطورة بالنسبة إلى بلد تمثل فيه الأقليات ما نسبته 55 في المائة من مجموع السكان الذين يتجاوز عددهم حاجز السبعين مليون نسمة.

وتتألف البلاد من ست قوميات فارسية، واذرية, وتركمانية, وبلوشية, وكردية, وعربية. وتكمن خطورة هذه الأقليات في أنها تقع على الحدود الإيرانية ما يجعلها أكثر عرضة وسهولة للاختراق من قبل أجهزة الاستخبارات الأجنبية، وخصوصاً بعد حصول الكرد على ما يشبه الاستقلال الذاتي عقب حرب العراق الأخيرة. وهذا قد يحيي آمال الأقليات الأخرى.

وتستطيع الحكومة السعودية اختراق هذا الخط الحدودي بالتعاون مع حلفائها في كل من باكستان وتركيا وكردستان. وهذا أمر أكثر سهولة بالنسبة إلى حكومة للرياض وأكثر ضرراً لطهران إلى الحد الذي يسهم في تقسيمها إلى عدة دول خلال 15 عاماً مقبلة، في تواز مع الضغوط الدولية.

وكان لافتاً الأسبوع الماضي عندما احتفل العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بمرور 75 عاماً على إنشاء العملاق النفطي الحكومي شركة أرامكو، مع زعماء الدول الخليجية، وأعلن عن مشاريع تطوير للمنشآت النفطية في بلاده بلغت تكلفته عشرات الملايين من الدولارات في وقت تواصل فيها إيران تهديداتها للخليج. ولا يمكن وصف هذا التصرف سوى أنه دليل ثقة.

بعد استخدام هذه الورقات الثلاث ستكون الحكومة الإيرانية منشغلة أكثر فأكثر في همومها الداخلية ما يجعلها تقلل تدخلاتها السافرة في مناطق النفوذ السعودية. حينها يمكن للرياض أن تتعامل مع الجيوب الخلفية المؤيدة لإيران في العالم العربي وتصفيتها بهدوء، خصوصاً وأن النظام الحاكم في دمشق تبدو سنواته معدودة حسب ما يرى محللون سياسيون.

كذلك لا بد للرياض من الالتفات بشكل أكثر جدية إلى حلفائها في لبنان وفلسطين والعراق ليس من خلال الدعم المالي الذي تشتهر به المملكة فقط، بل من خلال التسليح وإنشاء البنية التحتية لضمان عدم تكرار حوادث بيروت الأخيرة، وانقلاب حركة حماس، في المستقبل. وبهذا تكون الرياض قد قالت لنظام الملالي في طهران وهما على لوحة الشطرنج الكبرى التي تسمى الشرق الأوسط .. quot;كش ملكquot;.