في إستفتاء (إيلاف) عن تجديد روسيا لمنظومة التسليح السورية
الأغلبية لا تخشى خللاً إستراتيجياً بموازين المنطقة لصالح دمشق

نبيل شرف الدين: الحديث عن شؤون التسليح في شتى بلدان العالم عموماً، وفي منطقة الشرق الأوسط المأزومة على نحو خاص، يبدو خوضاً في حقل ألغام، فلا معلومات موثوقة، ولا مؤشرات يُعتدّ بها، وحتى لا تسامح حكومياً مع الإقتراب من هذا الملف الشائك حيث تتشابك حساسيات عدة خاصة بالأمن القومي للدول والأحلاف، مع حسابات السياسة، ومجتمع تصنيع وتجارة السلاح الغامض، وغيرها من الملفات التي تصنف عادة تحت بند quot;المسكوت عنهquot; في الأوساط الإعلامية والسياسية في شتى بلدان المنطقة .

هذه المقدمة تقودنا إلى سؤال استفتاء (إيلاف) لهذا الأسبوع، والذي سعت فيه إلى استشراف رؤى وتقديرات القراء حول التوازن الإستراتيجي في إقليم الشرق الأوسط، بعد أنباء تسربت عن اعتزام موسكو تقديم الدعم الكامل لمنظومة التسليح السورية، ولعل هذه المسألة صارت أكثر إلحاحاً بعد النتائج الأولية التي ترتبت على حرب quot;القوقازquot; الأخيرة، والتي لم تسفر فقط عن توتر العلاقات بين حلف شمال الأطلسي quot;الناتوquot; وإسرائيل من جهة، وروسيا من جهة أخرى، بل أدت أيضاً إلى تقارب روسي سوري واضح، يطرح تساؤلات حول هذا التحول النوعي على المعادلة الإستراتيجية الدقيقة في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما في ظل وجود العديد من بؤر التوتر المشتعلة فيها .
وبدا من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وتعليقات كبار الكتّاب في الصحف العبرية أن إسرائيل لا تخفي قلقها من عواقب التغيير النوعي في المعادلة العسكرية في المنطقة في خضم التوتر المتفاقم بين روسيا والغرب، وهو ما عبرت عنه إذاعة الجيش الإسرائيلي في تقرير لها قالت فيه إن روسيا وسورية اتفقتا على صفقة أسلحة ضخمة تتجاوز مليار دولار أميركي .

كما نقلت الإذاعة عن مصادر حكومية قولها quot;إن إسرائيل تسعى بقوة إلى الحيلولة دون تنفيذ الصفقة التي تسمح بتزويد سورية بصواريخ مضادة للطائرات من طراز (S-300)، والتي تتجاوز قيمتها مليار دولارquot;، مشيرةً إلى أن ملف هذه الصفقة كان موضع مناقشات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، والرئيس الروسي، خلال سلسلة اتصالات بينهما مؤخراً؛ حيث وجهت تل أبيب منذ فترة تحذيراً إلى موسكو من مخاطر المضّي قدماً في إنجاز الصفقة لأنها quot;تهدد صيغة الاستقرار الإستراتيجي للمنطقةquot;، كما تقول الإذاعة الإسرائيلية .

تحالفات وتوازنات

وفي ظل تواتر التسريبات عن مساعٍ حثيثة يضطلع بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بغية نزع فتيل الأزمة، خشية قيام موسكو باتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل، لتزويدها جورجيا بأسلحة متطورة، فقد نشرت عدة صحف إسرائيلية أنباء عن رسالة أولمرت إلى الكرملين، التي يؤكد فيها أن بلاده تأخذ في الاعتبار حساسية روسيا تجاه تزويد جورجيا بأسلحة متطورة .

غير أن هناك محللين سياسيين حذروا من النتائج المضللة للقراءة السطحية لهذه التطورات، لأن تعقيدات التحالفات في حلبة السياسة الدولية لا تقدم أرضية منطقية لفرضية اعتبار التقارب الروسي ـ السوري الأخير مؤشراً يعتد به لتحالف إستراتيجي جديد بين دمشق وموسكو يمكن أن يطال التوازن الإستراتيجي في المعادلة الأمنية بإقليم الشرق الأوسط المتوتر .

هذا التحذير من قبل الخبراء في العلاقات الدولية كان المحك الذي استند إليه سؤال (إيلاف) في استفتاء الأسبوع، الذي جرت صياغته في لغة بسيطة محددة، هي : هل تعتقد ان تجديد ترسانة الاسلحة السورية من قبل روسيا ممكن ان يخل بالتوازن الإستراتيجي في المنطقة ؟ ولم تأتِ الإجابات خارج التوقعات، فبينما ذهبت غالبية قوامها (2426) شخصاً تمثل نسبة 68% من بين المشاركين في الاستفتاء إلى خيار الإجابة بـ(لا)، الذي يعني بالضرورة عدم التعويل كثيراً على إمكانية نشوب خلل إستراتيجي في المنطقة، رغم ما يجري تسريبه من أنباء عن تجديد الترسانة العسكرية السورية العتيقة التي تعتمد في أسسها على الأسلحة السوفيتية والشرقية عموماً، غير أنه مع ذلك اليقين هناك من يرى التقاء الدب الروسي بطهران ودمشق أمر لا يخلو من مخاطر إستراتيجية على حسابات المنطقة الراهنة .

من هنا، وفي مقابل تلك الغالبية التي لم تتوجس من إمكانية حدوث خلل إستراتيجي في المنطقة، فقد رأت أقلية بلغت (1054) شخصاً تشكل نسبة 29% من مجمل الذين شاركوا في الاستفتاء، اختاروا الجواب (نعم) ما يؤكد هواجسهم من أن يؤدي تجديد منظومة التسليح إلى خلل في موازين القوى الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط .

وأخيراً بقيت نسبة الذين اختاروا الجواب السلبي (لا أعلم) عند حدودها المتوقعة والعادية، إذ لم يتجاوز عددهم (93) شخصاً، يوازون نسبة قوامها 3% فقط، من بين المشاركين الذين بلغ عددهم 3573 شخصاً ساهموا بإبداء آرائهم في استفتاء (إيلاف) الأخير .

تبقى الإشارة إلى أن صفقة الأسلحة التي جرى التفاهم بشأنها بين موسكو ودمشق، تمنح الأخيرة بموجبها شراء صواريخ متطورة مضادة للطائرات من طراز (S-300) وهذه الصواريخ بوسعها ضرب الطائرات الإسرائيلية في معظم مناطق الشمال، كما نشرت صحيفة quot;هآرتسquot; الإسرائيلية أخيراً تقريراً مفاده أن السوريين يعملون على التسلح بمنظومات أسلحة متنوعة، وأنهم على وشك الاتفاق مع روسيا على امتلاك كميات كبيرة من الصواريخ المتطورة المضادة للدبابات، كما تحدثت تقارير صحافية إسرائيلية عدة عما أسمته مفاجآت غير مسبوقة حققتها سورية في تطوير قواتها المسلحة ومنظومة التسليح بها، خلال الأعوام القليلة الماضية .