ذكرى 9/11 .. تتكرر
الفوضى الخلاقة التي لا نهاية لها

علي محمد مطر من إسلام آباد: سيشهد القرن الحادي والعشرين تحول الحدود الفاصلة بين باكستان وأفغانستان على امتداد 2,250 كيلومترا الى موقع رئيس للحرب ضد الإرهاب الدولي. قيادة تنظيم القاعدة لا تزال تختبئ على هذه الحدود على الرغم من مرور سبعة أعوام على هجمات 11 / 9 وتتواجد في مناطق القبائل الخاضعة للسيطرة المباشرة للحكومة الفيدرالية الباكستانية، وربما ظلت مختبئة فيها لفترات قادمة لكي تخدم مصالح الولايات المتحدة طويلة الأمد في هذه المنطقة. فالنفط والغاز ليسا الأمرين الأكثر أهمية في هذه المصالح بل أن جبال افغانستان مليئة باليورانيوم الذي ينتظر من يكشف النقاب عنه. والحكومة الباكستانية لا تفهم كيف تتعامل مع quot; الفوضى الخلاقة quot; التي تثيرها السياسات والمصالح الأميركية في المنطقة.

فكلما رغبت حكومة باكستان في الدخول في المفاوضات مع زعماء القبائل لحل الخلافات معهم بالطرق السياسية ومن خلال الحوار وجدت واشنطن صعوبات في هذا الأسلوب وعمدت الى إثارة القلاقل من أجل المزيد وعودة الأوضاع إلى سابق عهدها . لم تنجح حكومة رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني في المضي قدما في سياسة الحوار وإضطرت أمام الضغوط الأميركية إلى التراجع عن هذه السياسة واللجوء مجددا إلى المواجهات المسلحة مع المسلحين في شمال وشمال غرب باكستان.

حكومة جيلاني أخفقت مجددا في كسب رضا المسلحين والتواصل معهم في وقف إطلاق النار في شهر رمضان بعد رفضهم ذلك وإصرارهم على عدم القبول بالعرض الحكومي وتهديدهم بشن عمليات انتحارية في مختلف أنحاء باكستان انتقاما من العمليات الارهابية التي شنتها الحكومة مؤخرا في وادي سوات ومنطقة باجاور و هانجو وغيرها . واشنطن اعتبرت أن جهود حكومة جيلاني مع المسلحين والحوار محاولة فاشلة لإختراع العجلة بعد سنوات طويلة من الحوار غير المجدي - على حد رأي واشنطن - مع المسلحين وطالبت بأن يتسمر الجيش الباكستاني في توجيه نيران مدافعه نحو أبناء قومه.

مفارقة غربية تهدد معنويات الجنود وصغار الرتب من الضباط وتجعلهم في حيرة من أمرهم حول من هو المستفيد من هذه المواجهات. وبالمقابل فإن حكومة باكستان أدركت وبما لا يدع مكانا للشك أن العمليات العسكرية والأمنية التي يشنها جيشها ضد مواطنيه لم تعمل الا على زيادة اعداد المسلحين وتصميمهم على المضي في مواجهة ما يصفونه بالإضطهاد وخدمة المصالح الأميركية التي تقع نتائجها على رؤوسهم. باكستان أدركت الآن أنها بحاجة إلى وضع سياسة شاملة للتعامل مع هذه الأوضاع .

عام 2007م كان من أشد سنوات الأزمة الأفغانية الناجمة عن هجمات 11-9، أشدها دموية. فهي لم تشهد مجرد زيادة في أعداد المسلحين بل إستخدامهم لأسلحة أكثر فتكا و تكتيكات حرب عصابات أفضل من السابق إستلهمها مسلحو شمال وشمال غرب باكستان من تدفق الخبرات عبر إيران إليهم من العراق. ورغم ان المسلحين لا يزالون يعتبرون قوات الناتو والولايات المتحده كقوة احتلال لافغانستان الا انهم يفضلون في هذه المرحلة توجيه ضرباتهم للقوى الاقليمية والمحلية التي تدعم هذا الاحتلال واولها باكستان بطبيعة الحال.

الجهاد المقدس

يجب فهم كلمة الجهاد المقدس الذي يدعو اليه المسلحون في مناطق قبائل البشتون على جانبي الحدود الباكستانية - الافغانية على انه محاولة لتكرار ما حدث خلال سنوات المقاومة الافغانية ضد الاحتلال السوفيتي والتي حظيت فيها تلك المقاومة بدعم الدول الغربية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة التي لم تبخل حتى بصواريخ ستنجر على تلك المقاومة. أميركا وقتها دربت المقاتلين وقدمت التمويل والسلاح لهؤلاء المسلحين وشاركتها في ذلك كل من باكستان والسعودية في شراكة ثلاثية تهدف الى ابعاد الاتحاد السوفييتي عن مياه الخليج الدافئة التي كان الدب الروسي يحلم بالاقتراب منها ووضع رجليه فيها. ملايين الدولارات تم انفاقها من خلال زرع ما يصفه المحليون في باكستان وافغانستان بانه ( الايدولوجية الوهابية ) التي رعت الجهاد بالكتب والادبيات التي تدعو إلى قتال الملحدين من الشيوعيين.

الكل في هذه المنطقة يعرف ويدرك جيدا أن سنوات الجهاد الافغاني قبل تدفق هذه الاموال والمساعدات الأميركية كانت افضل ولم تسهم هذه ( المشاركة ) الا في تشويش عقول المجاهدين وزرع الفرقة بينهم واخراج روسيا من افغانستان بكرامتها وبماء الوجه والفضل في ذلك لوزير الخارجية باكستان حينها quot;آغا شاهيquot; الذي توسل اليه الجنرال ضياء الحق لكي لا يوقع على معاهدة السماح للسوفييت بالانسحاب بماء الوجه والكرامة من افغانستان.

من المؤكد انه لم يكن بوسع المجاهدين الافغان أن يستمروا في جهادهم دون تدفق ملايين الدولارات التي قامت بتوجيه اللاجئين الافغان في باكستان نحو هذه الحرب التي كان مقودها بيد مخططي السياسة الأميركية ويسيطرون عليها باحكام وتمكنوا من توجيهها للوجهة التي يريدونها وبالتالي نشر الفوضى الخلاقة بين صفوف اولئك المجاهدين تمهيدا لوقوع شيء ما في نيويورك يجعل الولايات المتحدة تجد الحق الذي يسمح لها باحتلال هذا البلد.

باكستان أدركت ايضا بعد أحداث 11-ةان لا اهمية لسياسة العمق الاستراتيجي الباكستاني في افغانستان عندما يتعرض وجودها ذاته للتهديد واضطرت إلى التضحية بهذه السياسة التي كان يدعمها نظام حركة طالبان الذي اسسته باكستان لكي يخدم مصالحها في ذلك البلد ويقوم ( بطرد ) المصالح الهندية او غيرها منه. لقد اعتمد بقاء باكستان بعد احداث 11-9 على انضمامها الى الحرب ضد نظام القاعدة وحركة طالبان والا فان أميركا كانت ستعيد باكستان الى عهد العصور الحجرية. الرئيس الباكستاني مشرف قال وقتها :- quot;باكستان ضعيفة اقتصاديا واجتماعيا ( ما اهمية اجتماعيا سوى محاولة العمل على تغييره ) ونظام طالبان لا يستحق ان تنتحر باكستان من اجله.quot;

ايدولوجية لم تتغير

ايديولوجية الجهاديين او المسلحين كما يطلق عليهم الان لم تتغير حتى بعد ان قامت باكستان بادخال جنودها الى اعماق المناطق القبلية التي لم يدخلها اي غريب طوال مئات السنين الماضية باستثناء المقاتلين الاجانب من عرب وازبك وافغان وطاجيك وشيشان.. مشاعر جزء لا يستهان به من الجيش الباكستاني لا زالت ميالة للتعاون مع حركة طالبان ومع المجاهدين الذين يفضلون الموت قتلا هم وعوائلهم على تعرض الاسلام للاذى ويرفضون ايضا عيش حياة المذلة خدمة لمصالح الآخرين.. المسلحون على جانبي الحدود الباكستانية الافغانية افلحوا في تجنيد الكثيرين لصفوفهم ومعظهم تحت سن الثلاثين وفي حالات اخرى مراهقون تحت سن العشرين ومعظمهم كذلك ينتسبون الى عائلات فقيرة نسبيا. افلحوا في ذلك لإعتمادهم على المشاعر المتأججة ضد الولايات المتحدة وليس على ايديولوجية القاعدة وطالبان وحسب. هذه المشاعر ساعدتهم في تحديد هوية العدو وتوجيه سلاحهم ضده.

وهذه المشاعر التي تعتمد ايضا على اخطاء السياسة الأميركية المتتالية ساعدت القيمين على تجنيد هؤلاء المسلحين على ترسيخ حب الشهادة لديهم وبالتالي اعداد ما يزيد عن 1000 استشهادي او انتحاري جاهزين لشن حملات وهجمات ضد اهداف تهدد المصالح الباكستانية أولا والسياسات الأميركية ثانيا. كثيرون من هؤلاء وجدوا دوافع أخرى للقيام بذلك وفي مقدمتها مقتل عدد من اقربائهم من النساء والاطفال والشيوخ في القصف العشوائي الجوي الأميركي للمناطق التي تشك واشنطن بوجود مقاتلين أعداء لها فيها. كما يلعب موضوع الاحتلال الأميركي لبلدان اسلامية مثل العراق دورا مهما في جمع المؤيدين لهذا الاتجاه وفي تحويل مواقف البسطاء من هؤلاء الشباب الفقراء الى مواقف اكثر راديكالية وعدوانية تحتم على الحكومة الباكستانية ان تخلق لنفسها دورا وسياسة لها تتحاور بها مع مواطنيها وتعمل على اعادة النتائج السلبية لهجمات 11-9 على المنطقة الى الوراء.. علما بان لا نتائج ايجابية لها على اي كان باستثناء مساندة الولايات المتحدة في الحصول على المبرر الذي يخلق لها عدوا جديدا هو الاسلام بعد انهيار الشيوعية، وفي تحديد هوية مبهمة له تجعلها تضربه في اي مكان تظن ndash; مخطئة - أنه متواجد فيه. هذه اشارة ربما تنبئ بان بن لادن وغيره ممن يزعمون تخطيطهم لهذه الاحداث قد كانوا احجار شطرنج تعمل من اجل ايصال الاوضاع لما آلت اليه في هذه البقعة من العالم.. كثيرون من يقتنعون بهذه الافكار وهم يزدادون بمرور الوقت.

كما ان اقدام جهاز الاستخبارات الهندية الراو على الدخول بعملياته الى منطقة قبائل باكستان مدعوما باعداد كبيرة من المسؤولين الهنود العاملين في القنصليات الهندية المنتشرة في المدن الافغانية القريبة من الحدود الباكستانية قد اسهم الى قدر كبير في تشويش افكار المراهقين من ( المقاتلين ) ودفعهم نحو ارتكاب الحماقات وقتل الكثيرين من الابرياء في مناطق ومدن باكستان خدمة لمصالح الهند والتي كان اخرها قتل ابرياء من العمال الذين كانوا يشتغلون في مصانع الذخيرة الباكستانية في منطقة quot;واه كينتquot; التي لا تبعد سوى 30 كيلو مترا من العاصمة اسلام اباد. هذه العمليات الانتحارية لا تخدم الاسلام بل تشوه صورته والمستفيد منها هم من يخططون لتجنيد من ينفذها.

الا ان هناك مدارس دينية في باكستان تسهم بدورها في تجنيد الكثير من المقاتلين وان كان بعضها يبالغ في توجيه نسبة غير يسيرة منهم الى التطرف الذي يوجه السلاح نحو ابناء قومه وينسى المحتل وهذا يصب مرة اخرى في مساعدة واشنطن على تصعيد مستويات ( الفوضى الخلاقة ) التي تساعدها بالتالي على تحقيق مصالحها وفي زيادة امد بقائها في هذه المنطقة لاستغلال خيراتها.

باكستان ادركت أنه ليس بوسعها الاستغناء عن المدارس الدينية لانها تملأ الفراغ الذي يشكله نقص المدارس الرسمية التي لا تصرف عليها الحكومة سوى 2 او 3 بالمائة من اجمالي الدخل القومي في الوقت الذي تقدم فيه هذه المدارس التعليم المجاني والسكن والغذاء لابناء الفقراء. العالم يفهم موضوع الارهاب على انه عملية جماعية وتنظيمية ولكن لا يفهم اطلاقا ان للفرد دورا مؤثرا فيه ذلك ان الفرد يخضع لعوامل جذب وطرد قادرة على خلق طرق تنفيس متعددة، ولهذه الطرق الكثير من مناطق الدخول والخروج ايضا.

الدوافع وراء العنف

احتلال الدول الاسلامية مثل فلسطين والعراق وافغانستان والمؤامرة في السودان تعتبر الحوافز لدى مسلمي باكستان من ذوي التوجهات الاسلامية لكي يخوضوا في اعمال العنف والتسلح غير المرخص او المقنن، وفوق هذا وذاك فان لدى العوام الباكستانيين شعورا دفينا بوجود مؤامرة يشترك فيها اعداء الاسلام للعمل على تهميشه واستيراد العادات الغربية الغريبة بهدف زعزعة الايدولوجية التي من اجلها قامت باكستان وظهرت كمولود جديد لهذه الدنيا في عام 1947 م. كما ان أخطاء الولايات المتحدة القاتلة مثل سوء معاملة المسلمين في العراق عامة وفي ابو غريب بخاصة وفي غوانتنامو تعتبر دوافع قوية للتوجه الى العنف متى ما كان الحصول على السلاح امرا بمتناول اليد وممكن في اي وقت بل انه في بعض الاحيان يكون quot;تيك اويquot; او quot;هوم ديلفريquot; ولا احد يستطيع تغيير ذلك، فان غرفة صغيرة في اي مكان ناءٍ من شمال باكستان تتجمع فيه بعض المعدات كافية لتصنيع أسلحة رشاشة وبنادق ومسدسات ينتجها اناس لا quot;يفكون الخطquot; ولم يعرفوا سبيلا الى المدارس بل انهم مجرد صناع مهرة.

بالاضافة الى البطالة المتفشية بقوة والتي لا تترك من خيارات مناسبة امام اليافعين والشباب سوى البحث عن طريقة ( مثالية ) لإنهاء حياتهم بل ان بعض العناصر المشبوهة قد تلجأ الى اسلوب المخدرات لجعل اليافعين ضحية لها يسهل انقيادهم بعدها لرغبات من يوجههم نحو العنف والارهاب والتطرف. تجنيد هؤلاء يعتمد من جانب العناصر الدينية على طرق تركز على تحديد عاطفي للهوية الاسلامية التي تجتاز الثقافات والمشاعر الوطنية المحلية لتصبح ذات دوافع دولية. يجب العمل على تصحيح المفاهيم لدى كل من ( الضحية والمهاجم ) في حالة الهجمات الانتحارية التي تقصد إلحاق الضرر بأبناء الوطن الواحد حيث إن استخدام القوة المفرطة ضد المهاجم لن تردعه ولن تؤدي الى الحل.

اتفاقيات سلام باكستان

باكستان وافغانستان أخفقتا في ايجاد برنامج رسمي للحوار مع المسلحين فيما نجحت دول مثل السعودية واليمن واندونيسيا في التعاطي معهم وقطع الصلة بين مجاهدي اليوم ومجاهدي افغانستان ابان الحتلال السوفييتي وفي تأهيلهم. الحكومة الباكستانيه كانت تنظر إلى العمليات العسكرية ضد المسلحين على انها ستكون ذات عمر قصير. الحكومة والقيادة العسكرية في باكستان يؤمنان بان الحل السياسي هو أنجح طريقة للقضاء على التطرف والارهاب والتوصل الى سلام دائم. اتفاقيات السلام هي السبيل الوحيد للتعامل مع المجتمع القبلي ذي السمات القائمة على صون الكرامة ويلعب فيه الانتقام دورا محوريا.

استراتيجية مستديمة للسلام

هذا هو ما تحتاجه باكستان للتخلص من التطرف والارهاب من جهة ومن الاملاءات الأميركية من جهة اخرى. يجب التفريق بين العناصر المعتدلة وتلك المتطرفة التي لا تهتدي بالعقل او المنطق في المجتمع القبلي. ان وجود تنظيم القاعدة وحركة طالبان والمجموعات الطائفية المتناحرة على الحدود الباكستانية مع افغانستان والموقع الجيو - استراتيجي المهم لباكستان بالقرب من ايران وافغانستان ودول آسيا الوسطى والذي يضاف اليه السباق المحموم للسيطرة على الموارد الطبيعية سواء كانت غازا ام نفطا او يورانيوم وكذلك وجود ممرات المخدرات المتشعبة، هذا الخليط يجعل من هذه المنطقة أخطر بقاع الارض قاطبة والتي تهدد بالانفجار في اي لحظة. هناك تدفق للسلاح في كل الاتجاهات في هذه المنطقة ما يؤهلها للانفجار ويضاف الى ذلك قدرة ( رجال الدين ) من مختلف الطوائف على تسييس أي قضيه مهما كانت تافهة او لنقل غير الواعين منهم لحقيقة الصراع الذي تقوده الولايات المتحدة في هذا الجزء من العالم مكملة به أجزاء لعبتها الدولية الاخرى لفرض الهيمنة والسيطرة على الموارد والثروات.. يجب عدم المساس باستراتيجية السلام المستديمة من اجل مكاسب قصيرة المدى والتأثير.