ايلاف ديجيتال ndash; أيمن بن التهامي: عاشت غرفة الجنايات بملحقة محكمة الاستئناف في سلا على مدار السنوات محاكمات ساخنة، جرى خلالها متابعة العديد ممن لحقوا بتنظيم القاعدة، الذي يتزعمه أسامة بن لادن، الممتدة إلى المغرب. إلا أن هذه السنة ستكون على موعد مع ملفات استثنائية، تحمل بصمات الأجهزة الاستخباراتية، وتجتمع فيها أحداث آنية وأخرى تعود بنا إلى سنوات مضت، غير أنها ظلت عالقة في أذهاننا بسبب بشاعتها أو خطورة المخططات التي جرى تسطيرها على المدى البعيد أو بسبب الأشخاص المتورطين فيها، والذين يعدون علبا سوداء بالنسبة للأجهزة الأمنية.

وأبرز ما تحمله أجندة 2009، محاكمة خلية المهاجر المغربي ببلجيكا عبد القادر بلريج، التي اتهمت بالتخطيط لاختراق مؤسسات الدولة والأحزاب والمجتمع المدني واغتيال شخصيات مغربية وازنة، وحسن الحسكي، الذي يشتبه في كونه الزعيم المفترض للجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة، التي تشير التحقيقات إلى أنها تقف وراء اعتداءات 16 مايو (أيار) الإرهابية سنة 2003، وخلية quot;فتح الأندلسquot; التي اتهمت بالتخطيط لضرب ثكنة عسكرية في بنجرير، وموقع للمناورات العسكرية المغربية الأميركية في طانطان، بالإضافة إلى خطف سياح أجانب والمطالبة بفدية، على غرار العمليات التي تقوم بها quot;القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميquot;.

بليرج.. خيوط استخباراتية تتداخل مع الإرهاب!

لن تكون محاكمة بليرج، التي قطعت قبل نهاية 2008 بأيام شوطها الثالث، مثيرة للجدل فقط لأن من بين المتابعين قياديين سياسيين، بل أيضا لكونها تتداخل فيها مجموعة من الخيوط الاستخباراتية الممتدة من بلجيكا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وهولندا، قبل أن تتكشف في المغرب.

ومن المنتظر أن تعرف هذه القضية العديد من التطورات، كما ستتفجر خلالها مجموعة من المفاجآت، خاصة أن العلبة السوداء لبليرج ما زالت لم تفرغ كل ما في جعبتها من أسرار.

فهذا الناظوري، الذي ازداد بتاريخ 20 آب (أغسطس) 1957 ببني شيكر، سبق أن جالس الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، قبل أن يقتاد، عندما كان في خضم رحلة جوية قادته من باريس والمنامة وأبو ظبي، إلى كابول، حيث التقى العضو القيادي المدعو أبو زبيدة الفلسطيني، (معتقل) باعتباره مبعوثا من طرف quot;الإخوةquot; في بلجيكا ليلتقي مساعد أسامة بن لادن المصري، محمد عاطف (أبي حفص)، الذي كلفه عند عودته إلى بلجيكا بالبحث عن أشخاص لهم مؤهلات علمية في ميدان البيولوجيا والكيمياء، طالبا منه تقديم دعم لوجستيكي لتنفيذ عمليات تفجيرية في تركيا وألمانيا، والبحث عن مستثمرين عرب مقيمين في أوروبا للاستثمار في مجال استغلال مناجم المعادن الثمينة في أفغانستان.

كما رتب محمد عاطف للمتهم بليرج مأدبة عشاء مع أسامة بن لادن، حضرها حوالي 15 شخصا، من ضمنهم أيمن الظواهري، وسيف العدل، والمصري المدعو عيسى، ومغربي كان يقيم في ألمانيا يعتبر من المقربين لأمير تنظيم القاعدة مكلف بميدان الإعلاميات، حيث جرى تقديم المتهم بليرج باعتباره مجاهدا قادما من بلجيكا.

وتعرف أواخر سنة 1982 بمدينة بروكسيل على المدعو quot;البوصغيريquot;، العضو بمنظمة حركة المجاهدين في المغرب، التي يتزعمها عبد العزيز النعماني المتمركز في فرنسا آنذاك، حيث كان هذا الأخير يطمح إلى تغيير النظام في المملكة، اعتمادا على استقطاب عناصر من داخل المملكة، وأوربا.

وفي سنة 1999 تعرف عبد القادر على قيادي سابق بالجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، اللاجئ في بلجيكا، المدعو بنرابح بنيطو، والمكلف باستقطاب المتطوعين إلى معسكرات الجماعة، والذي كان على علاقة بمغاربة عبد السلام ديان (من المغاربة الأفغان)، وإدريس عاطي الله (معتقل سابق في بلجيكا مرحل إلى المغرب)، وعلي العساس (عضو سابق بحركة المجاهدين في المغرب)، ومصطفى بوسيف المغربي (الحامل للجنسية البلجيكية)، الذي يعتبر محل لغز في علاقته بالمتهم بليرج منذ 1980، وارتباطه بالجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية.

ويعتد أن بليرج ﻧﻔﺬ ﺳﺘﺔ ﺍﻏﺘﻴﺎﻻﺕ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺳﻨﺘﻲ 1986 ﻭ1989 ﺑﺒﻠﺠﻴﻜﺎ، وأظهرت التحريات شبكته quot;ذات صلة بالفكر الجهاديquot;، وأنها نظمت ما بين سنتي 1992 و2001 عددا من عمليات السطو أو حاولت ذلك، كما قامت سنة 1996 بمحاولة اغتيال استهدفت مواطنا مغربيا معتنقا للديانة اليهودية في الدارالبيضاء، وعملت على التخطيط لاغتيالات أخرى سنوات 1992 و1996 و2002 و2004 و2005، وأنها عملت أيضا على نسج علاقات مع مجموعات وتنظيمات إرهابية دولية، من ضمنها على الخصوص quot;القاعدة quot; وquot;الجماعة الإسلامية المقاتلة المغربيةquot; وquot;الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائريةquot;، التي غيرت اسمها إلى تنظيم quot;القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميquot;.

الحسكي.. مفتاح سر 16 مايو

ينتظر أن تكشف محاكمة حسن الحسكي، المتهم بكونه الزعيم المفترض للجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة، مجموعة من الأسرار التي تتعلق باعتداءات 16 مايو الإرهابية في الدار البيضاء سنة 2003، خاصة أن التحقيقات الأمنية تشير إلى وقوف هذا التنظيم وراء تنفيذها.
محاكمة الحسكي، الملقب بـ quot;أبو البراءquot;، لها أهميتها الخاصة لكونها ستميط اللثام على حادث غير الكثير في المجتمع المغربي، بعد الصدمة التي خلفتها هذه الاعتداءات التي كانت الأكثر دمية في تاريخه الحديث.

وتذهب محاضر الشرطة الإسبانية إلى اعتبار الحسكي العقل المدبر لهجمات مدريد يوم 11 آذار (مارس)، وعضوا بارزا في quot;الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلةquot;، التي يتحمل فيها مسؤولية quot;القائد الميدانيquot;، وأنه كان أيضا وراء تحريض المغربي جمال زوغام، الذي شارك في تنفيذ تلك الهجمات، وله أيضا علاقة بتنظيم القاعدة.

واعتقل الحسكي (41 سنة)، في ديسمبر 2004، في جزر الكناري، رفقة ثلاثة مغاربة آخرين، أثناء المداهمات، التي أشرف عليها قاضيا المحكمة الوطنية، بالتازار غارثون، وخوان ديل أولمو، بعد إصدار المحكمة الوطنية مذكرة توقيف وجلب بحق حسن الذي تعتبره زعيما لهذه المجموعة.
كما يتهم quot;أبو البراءquot; بكونه أحد عناصر مجموعة quot;المغاربة الأفغانquot;، المؤلفة من 300 مغربي تدربوا في quot;مخيمات إرهابيةquot; في أفعانستان، وشكلت بعدها quot;الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلةquot;.

وكان اسم الإخوة الحسكي ورد في عدد من المساطر المتعلقة بقضايا الإرهاب، من بينها ملف محمد الرحا، البلجيكي من أصل مغربي، الذي أدين من طرف استنئافية سلا، رفقة مجموعة من المتهمين.

quot;فتح الأندلسquot;.. تنظيم بأهداف دولية

تفتح استئنافية سلا، خلال السنة الجارية، ملفا أثار الكثير من القيل والقال، قبل أن تتكشف المعطيات حوله، بسبب الإسم الذي حمله هذا التنظيم؟
فعند الإعلان عن تفكيك quot;فتح الأندلسquot; ربطه المهتمون مباشرة بالقاعدة، وأيضا بخطاب الرجال الثاني في القاعدة أيمن الظواهري، الذي دعا إلى quot;تحرير هذه المنطقةquot;.

وبعد انتهاء التحقيقات تبين أن المتهيمن الـ 15 ضمن هذه الخلية خططوا لضرب ثكنة عسكرية في بنجرير، وموقع للمناورات العسكرية المغربية الأميركية في طانطان، بالإضافة إلى خطف سياح أجانب والمطالبة بفدية، على غرار العمليات التي تقوم بها quot;القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميquot;.
كما أن المتهمين خططوا أيضا لاستهداف مقرات الأمم المتحدة في العيون وأكادير، وتصفية بعض رجال الأمن.

واعتقال الأظناء في العيون وصفرو وأكادير ووجدة، وذكرت أن هؤلاء قاموا بعمليات لصناعة المتفجرات، مشيرة إلى أنها كانت ستخضع للتطوير لتأخذ وقتها وفعاليتها.

وقطعت هذه العملية مراحل مهمة، كما أنهم سعوا إلى كسب بعد جهوي عبر استهداف مواقع في مدينتي سبتة ومليلية السليبتين، إلى جانب ربطهم صلات وثيقة بـ quot;القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميquot;، وهي quot;الجماعة السلفية للدعوة والقتالquot; الجزائرية سابقا.

إيلاف ديجيتال عدد االثلاثاء 13 يناير 2009- ص3