مصر، إيران، سوريا، حزب الله، الإخوان، الأمم المتحدة، المدنيون، والسلام
الرابحون والخاسرون بعد 18 يومًا من حرب غزة
في جانب الرابحين تأتي جميع الميليشيات في العالم: حماس، والرئيس الاميركي جورج بوش، اثنان من الأحزاب الإسرائيلية، حزب الله في لبنان، إيران، سوريا، وكافة القوى التي تعارض اي تسوية سلمية مع إسرائيل وتستغل تلك المواجهة ووحشية المجازر الإسرائيلية مع المدنيين في القطاع، لإثبات نوايا إسرائيل الشريرة.
وفى جانب الخاسرين تأتي عملية السلام، الخاسر الاكبر، والأنظمة العربية التى يطلق عليها quot;المعتدلة quot;، والمدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين، والصحافة، والأمم المتحدة، وأوروبا التي أصبحت مضطرة لمجابهة موجه محتملة من التطرف الإسلامي.
ففي مصر ومع بدء العدوان، بدأت الفضائيات تبث صورا لمجازر بشعة للأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين، لتضع الأنظمة العربية المعتدلة وفى مقدمتها مصر أمام محكمة الرأي العام. والنتيجة موجة عارمة من التظاهرات والاحتجاجات تحولت فى أحيانا كثيرة الى مواجهات بين الشرطة والمواطنين. وحاول الإخوان المسلمون فى مصر اقتناص الفرصة للعودة الى الساحة من جديد واثبات انهم بالفعل اقوى جماعة معارضة فى مصر، ونجحوا فى حشد عشرات الآلاف من المواطنين فى جميع المحافظات للتنديد بالعدوان الغاشم والمطالبة بدخول الجيش الحرب وقطع العلاقات مع إسرائيل ووقف تصدير الغاز وإلقاء المسؤولية على القيادة السياسية فيما يحدث على ارض غزة.
موجة التظاهرات هذه التي اندلعت فى جميع ربوع مصر برأي المعلقين، quot;لم تشهدها مصر منذ 5 سنوات، وأثبتت ان الجماعة لا تزال لها أنياب حقيقية في الشارع quot;، بل ورجحت من مكانتها في الشارع المصري، واكتسبت مؤيدين جددًا، حيث يقول احد النشطاء انه لم يكن يساند الإخوان يومًا ولم يفكر في هذا الشيء، لكنه ndash;الكلام على لسانه - وجد نفسه ينضم إليهم فى هذا الموقف بسبب حالة التخاذل الحكومي إزاء الجرائم الوحشية التي تحدث في غزة من قبل العدو الاسرائيلي الغاشمquot;.
وعلى الرغم من أن الرئيس مبارك هو أول من أدان العدوان، وخرجت المبادرة الأولى بل والوحيدة لوقف إطلاق النار من مصر، إلا أن الكثيرين يشككون في دعم النظام المصري للحرب الإسرائيلية ضد حماس بسبب إغلاق معبر رفح.
موقف الحكومة من المتظاهرين واعتقالاتها لعناصر الجماعة كالعادة فى مثل هذه المواقف، انعكس إيجابًا وفقًا للخبير quot;دينيس بوشارquot; المتخصص في الشرق الأوسط بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية على الجماعة مشيرًا الى ان شعبيتها في الشارع المصري زادت، وشكلت صداعًا جديدًا للرئيس مبارك الذي يواجه بالفعل إرثًا صعبًا من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الصعيد المحلي.
ويرى quot;جيسى ووكرquot; المحلل السياسي بمجلة quot;ريزون quot; الأميركية ان الفرصة الوحيدة أمام مصر لاصلاح صورتها امام الرأى العام الداخلي، هى نجاح المبادرة التي أطلقتها لوقف إطلاق النار quot; مضيفًا ان quot;أي تحسن على صعيد حياة المدنيين الفلسطينيين من شأنه ان يحسن من موقف النظام المصري لدى الرأي العام، ويثبت على الجانب الأخر صحة موقف النظام في التمسك بالحل الدبلوماسي quot;. لكن الخبير الأميركي quot; انتوني كوردسمان quot; بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن يعتقد quot;ان الاحتمالات الآن ليست جيدةquot;.
وفشل المبادرة المصرية يعتبره محللون نجاحًا لفيلق الممانعة، إيران وسوريا وحزب الله اللبناني. هذا الفيلق الذي يرى فى استمرار الحرب مكسبا سياسيا وتحقيق لمصالحهما وأهدافهما الخاصة على حساب القضية الفلسطينية. وتحاول سوريا بالتنسيق مع إيران الضغط على حماس لعدم قبول المبادرة المصرية بدعوى أنها تضعف حماس وتعترف بالرئيس محمود عباس ابو مازن رئيسًا للسلطة على الرغم من انتهاء ولايته رسميًا الجمعة الفائتة، وتطالب سوريا بفتح معبر رفح، في الوقت الذي تبدو فيه القيادة المصرية غير مستعدة لفعل ذلك إلا بحضور مراقبين الاتحاد الاوروبي ومسؤولي السلطة وكاميرات إسرائيل.
|
ويتوقع محللون ان يتراجع ملف سوريا في الفترة المقبلة من حيث الأهمية، وأيضًا من حيث الثقل السياسي الذي يبدو ان دمشق ستخسر جزءًا كبيرًا منه، خصوصًا في حال quot;كسرquot;حركة حماس وتحييدها من اللعبة السياسية، كما حدث مع حزب الله بعد حرب 2006، وهو ما بات واضحًا انه قرار يحظى بشبه إجماع من كثير من القوى الكبرى.
اما الفائدة السياسية القصوى التي ربما حققتها أنظمة الحكم العربية، او بعضها، وعلى رأسهم مصر، فهي التي قدمها حسن نصر الله أمين عام حزب الله لهذه الأنظمة التي لم تكن تجد مبررًا لانتقاد حزب الله باعتباره مثلا يحتذي به فى الشارعين المصري والعربي. وكان السيد نصر الله يتصور انه قادر استنادا الى شعبيته على التأثير في استقرار الحكم في مصر، حين دعا الشعب المصري وقيادات الجيش في مصر، لفتح معبر رفح بصدورهم، وهو ما يعني ان نصر الله تعرض لخديعة كبرى صورت له ان حب الشارع المصري له كجهة مقاومة يتيح له التأثير في الوضع الداخلي، فقدم بيديه ولسانه مبررا للنظام المصري لكي يضع تحت حزب الله وكل ما يرتبط به خطا احمر، ووضع أمامه في نظر المصريين العاديين علامة استفهام كبرى لن يستطيع حلها بسهولة.
وقد استجاب نصر الله لمطالب إيران التي لا هم لها سوى تخفيف الضغط الدولي على ملفها النووي، وتحقيق أفضل وضع سياسي ممكن في اللعبة السياسية الإقليمية مع الإدارة الأميركية الجديدة، وهو ما يرشحها لان تكون أكثر المستفيدين من دماء أهل غزة، ولو كان ذلك على حساب اقرب حلفائها مثل حزب الله.
|
ويعتبر محللون استمرار وجود حركة فتح على الساحة مرهون بنجاح المبادرة المصرية، وان كانت الحركة قد خسرت كثيرا على صعيد المستوى الشعبي الفلسطيني والعربي برأي quot;جيفرلى جولدبرج quot; بصحيفة quot;اتلانتكquot; الأميركية مع بدء العدوان عندما نشطت فى فض التظاهرات فى الضفة الغربية ويضيف جولدبرج quot;ان حركة فتح بدت تدعم إسرائيل وتمدها بمعلومات واتصالات عن حماسquot;.
اما محمود عباس الرئيس الفلسطيني الذي راهن على مستقبله السياسي بإقامة السلام مع إسرائيل، والتى كافأته ببناء الجدار الوحشي فى الضفة الغربية، وبمصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية على حساب الاراضي الفلسطينية، يواجه مستقبلا غامضا. حيث اضرت المواجهة بموقفه تمامًا، واذا نجحت حماس فى تحقيق أهدافها وأصبحت هى كل فلسطين فإن انتصارها سيكون مكسبًا أيضا لسوريا وإيران وحزب الله في لبنان. وقد استفاد الرئيس الإيراني quot;محمود احمدي نجاد من المواجهة وهو ما سينعكس عليه ايجابًا حسب توقعات المحللين في الانتخابات الرئاسية في يونيو، مؤكدين انهquot; يحظى بشعبية كبيرة بسبب موقفه من الحرب quot;.
والمفارقة في حماس التي تصب كل النتائج في كفتها، فالهجمة العسكرية رفعت من مكانة الحركة لدى الرأي العام العربي، حتى لو نجحت إسرائيل في إضعافها عسكريًا. ومع قتل كل فلسطيني ترتفع شعبية حماس حيث ينظر إليها على أنها المدافع عن حقوق العرب والمسلمين ضد العدو الاسرائيلىquot;.
ويتزامن توقيت الضربة مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية المقررة في شباط/فبراير المقبل، ويخوض الصراع بشعبية كبيرة حزب العمل برئاسة وزير الدفاع الحالي ايهود باراك، وحزب كاد يما الذي ترأسه وزيرة الخارجية تسيبي ليفنى، ويتوقع للحزبين الحصول على المزيد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية.
|
اما السلام هو الخاسر الأكبر من هذه المعركة. فبدلا من الاحتفال بإقامة الدولة الفلسطينية التى وعد بها الرئيس بوش بجانب إسرائيل قبيل انتهاء فترة رئاسته، فإننا نشهد الآن دفن عملية السلام برمتها. ويصبح شعب إسرائيل الخاسر في النهاية لأن السلام الذي يتوق معظمهم إليه الآن أصبح حلمًا بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى. ولا يمكن استبعاد أيضًا المدنيين في كلا الجانبين من قائمة الخاسرين. فكلما استمرت الحرب، يتساقط المزيد والمزيد من الضحايا.
وتمتد قائمة الخاسرون لتشمل ايضًا الأمم المتحدة بوصفها هيئة صنع السلام ومجلس الأمن. وبالرغم من قرار وقف إطلاق النار إلا ان إسرائيل ضربت به عرض الحائط وأعلنت الاستمرار فى عملياتها العسكرية. ورفضت إسرائيل السماح للصحافيين بدخول غزة وهو ما يعد ضربه أيضًا لحرية الصحافة في جميع أنحاء العالم لحساب إسرائيل التى تحاول بقدر الإمكان إخفاء عالم الفظائع التي ترتكبه في قطاع غزة.
وتمتد الخسائر إلى خارج منطقة الشرق الأوسط أيضًا، إذا أخذنا بتحذير quot;جورج جالاويquot; عضو البرلمان البريطاني خلال برنامجه الإذاعي من تشجيع الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية غزة التطرف بين بعض المسلمين. وقد حذر القادة المسلمين ببريطانيا رئيس الوزراء quot;غوردون براونquot; في رسالة موجهه اليه من حالة الغضب بين المسلمين بسبب الحملة الاسرائيلية في غزة، مشيرين الى انها وصلت الى quot;مستويات حادةquot; وتقوى من موقف المتطرفين.
ووفقا لمقتطفات من الرسالة نشرتها صحيفة quot;الغاريانquot;، طلب ممثلو المنظمات الإسلامية الناشطة في مقاومة التطرف منquot; براونquot; ان يضغط على الولايات المتحدة لإدانة العمليات العسكرية الإسرائيلية، وقال الموقعون quot; إفراط الإسرائيليين فى استخدام القوة غير المتكافئة.. أحيا الجماعات المتطرفة من جديد، وعزز من رسالتهم العنيفة المتشددة، والخوف ان يفقد المسلمون في بريطانيا والخارج الثقة في العملية السياسيةquot;.
التعليقات