فهد سعود من الرياض: مضت عدة أيام على حادثة quot;القصرquot; التي حاول فيها تنظيم quot;القاعدةquot; قتل الأمير محمّد بن نايف مساعد وزير الداخليّة للشؤون الأمنيّة في قصره في جدّة، وعلى الرغم من الفترة وما تلاها من أحداث، بقيت التساؤلات تتزايد مثل النار في الهشيم حول كيفيّة إعداد تلك المحاولة ومصدر بدايتها الحقيقي. وكالعادة، وفي مثله هذه الأحداث الحامية، تتغالب الروايات وتتعدّد وجهات النظر وتختلط آراء المتابعين والمحلّلين لمثل هذه المحاور الاجتماعية والسياسيّة، إلاّ أنّ ما يتّفق عليهجميع المتابعين للحدث فور وقوعه هو أنّ ما حصل نقطة إعادة هيكلة ومساحةمقبلة ستغيّر الكثير من الخانات وسترفع مؤشّر الاستنفار الأمني إلى أقصى درجاته، ليس في السعوديّة فقط، بل في جميع دول المنطقة.
وفي بيانها، تؤكّد القاعدة على أنّ العمليّة تمّت وفق معايير عالية تستهدف الشخصيّات السعوديّة والمنشآت النفطيّة كهدف لخليّة مدرّبة على هذا النوع من الأعمال العالية الاستهداف.
ومن رواية quot;القاعدةquot; نستشفّ مدى درجة الرضا داخل التنظيم الإرهابي الأشهر في العالم عن جودة الأداء التي مكّنت الإرهابي من الوصول إلى الأمير محمد على الرّغم من حساسيّة منصبه وأهميّته كراعٍ من رعاة الأمن في السعوديّة وكأحد البارزين في حوار إعادة تأهيل المضلل بهم،الأمر الذيجعله في الأساس هدفًا بعدما أثبت أنه قد أثّر سلبًا على ذلك الفكر الذي تتبنّاه quot;القاعدةquot;.
ووفق ما ظهر في مستجدّات الوضع، وما جاء في رواية quot;إيلافquot; من خلال سياق العمليّة، نجد أنّ الأمير محمد استقبل الإرهابي في مكتبه في قصره وهذه ليست المرّةالأولى التييفعل فيها ذلك، إذ لهعدد من المواقف في استقبال التائبين عن الفكر الضال، كما أنّ الأمير محمد لم يقم أصلاً بتشديد الحراسة عليه، حسب ما أكّدت كلّ الجهات الأمنيّة، ووفق ما صرّح به الأمير نفسه على الشاشة أمام كلّ القنوات العالميّة.
فقد طلب الأمير إدخاله بأسرع ما يمكن،الأمر الذيتسبّب في تسريع الإجراءات الأمنيّة وعدم دقّتها نظرًا إلى أنّ ضيف الأمير متديّن قرّر التوبة عن أخطائه، وهذا ما جعله موضع ثقة باعتبار أنّ الكثير من المطلوبين التائبين تمّ استقبالهم بالطريقة ذاتها ولم تحدث مشكلات تذكر.
وبعد ذلك تتضارب الروايات التي حصلت عليها quot;إيلافquot; من مصادر متفرّقة. الرواية الأولى تقول إنّ الرجل ارتبك قبيل السلام على الأمير محاولاً إدخال يده في جيبه بسرعة لإخراج هاتفه المحمول والضغط على زر التفجير فتسبّب في تفجيرها قبل الأوان، الأمر الذيتسبّب بتفتيت جسده وإصابة الأمير في ساعده الأيسر.
أماّ الرواية الثانية، وهي المرجّحة، فتقول إنّ الرجل تعثّر قبل الوصول إلى الأمير فانفجرت به القنبلة بشكل مفاجئ بالنسبة إلى جميع الموجودين وتناثرت أشلاؤه في المكان.
رواية ثالثة تقول إنّ القنبلة كانت مزروعة في منطقة حسّاسة داخل جسد الإرهابي، وهذا في حدّ ذاته يطرح الكثير من الاستفسارات حول إذا ما كانت الواقعة حقيقيّة أم لا، فكيف استطاع أن يدخل القنبلة في جسده، وأن تبقى فيه من دون أن تتأثّر وتنفجر طوال رحلته من اليمن إلى نجران وحتّى وصوله إلى جدّة، وهذا يطابق ما ورد في بيان quot;القاعدةquot; الذي ذكر بالحرف الواحد أنّ طريقة القنبلة لن يتوصّل إليها أحد مهما حدث، حيث جاء في بيان quot;القاعدةquot; أنّ منفّذ الهجوم تمكّن quot;بفضل الله وقوّته من الدخول إلى قصر الأمير محمد وبين حراسه، وفجّر العبوّة التي لا ولن يعلم كنهها ولا طريقة تفجيرهاquot;.
على الرّغم من هذه التصريحات وتلك التساؤلات، إلاّ أنّ السعوديّة لا تزال تلتزم جانب الصمت في ما يختصّ بتلك الحادثة مع تأكيدها على أنّها ستعرضجميع تفاصيل الحادثة بالصّور قريبًا.
حالة quot;سبتمبريّةquot; تعيشها السعوديّة
وعلى غرار ما واجهته أميركا في سبتمبر/أيلول 2001 من تكثيف جرعات الأمن، تواجه السعوديّة الموقف نفسه وترفع درجة الاستعداد الأمني عندها كما لو كانت في حالة quot;سبتمبريّةquot; مماثلة لتلك التي عصفت بأميركا والعالم وغيّرت مجرى تاريخ الأحداث في وجه العالم.
تابع ملف إيلاف لمحاولة الاغتيال الفاشلة: |
فمحاولة الاغتيال فتحت الباب على مصراعيه، ليكون هناك المزيد من إجراءات الأمن المكثّفة، والتي تستلزم استخدامأحدث التقنيات خصوصا أنّ هذه المحاولة الفاشلة كشفت عن حقيقة أهداف التنظيمات الإرهابيّة، وأنّ الشخصيّات السياسيّة في البلد ومنشآت النفط لا تزال تحت التهديد المباشر.
وقال حراس في بقيق، وهي أكبر منشأة لمعالجة النفط في العالم، وتقع شرق السعودية، في تصريحات لوكالة quot;رويترزquot;: quot;تلقّينا مساء الخميس الماضي تعليمات بتشديد إجراءات الأمن وتفتيش السيارات عند كلّ البواباتquot;. وتعتبر بقيق المنشأة النفطية السعودية الأولى التي يستهدفها المتشدّدون منذ أن بدأ تنظيم quot;القاعدةquot; بهجمات تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد عام 2003.
من جانب آخر، وكما هو متوقّع، فإنّ دول الخليج أصبحت تستعدّ جيّدًا بخطط أمنيّة واسعة النطاق، بعدما صار الخطر الشرقي يزحف بفلوله من الجنوب، وبعدما أصبح اليمن قاعدة للإرهاب تهدّد بقيّة دول الخليج، وخصوصًا السعودية التي تشترك بحدود واسعة معه،الأمر الذييستوجب المزيد من الحيطة والحذر خصوصًا بعد ما يراه العالم من فتن وحروب داخليّة بين القبائل وبين الفصائل المنقلبة على الدّولة في اليمن، وهذه البيئة هي البيئة المفضلة للتنظيمات الإرهابيّة.
وعلى الرّغم من تعرّض الأمير محمّد لمحاولة الاغتيال، إلاّ أنّه لا يزال يترأّس نشاطاتهفي جهاز الشؤون الأمنيّة في الداخليّة، ويستمرّ في عمله المعتاد وكأنّ شيئًا لم يحدث على الرّغم من الموقف العصيب الذي مرّ به.
التعليقات