&
في حادث سير أليم، توفي الاسبوع الماضي في مدينة حمص الكاتب السوري عبد الله الاحمد، عضو القيادة القطرية السابق في حزب البعث العربي الاشتراكي. "قضايا النهار" التي نشرت للمرحوم الصديق عبد الله الاحمد مقالات عديدة في السنوات الاخيرة حول شؤون سورية وعربية تتقدم من انجاله وعائلته وحزب البعث بأحر التعازي على مصابهم المفجع.
"هل قرأت عبدالله الاحمد اليوم" سؤال طالما تردد على مسمعي، ومسمع غيري، في كل مرة كان يكتب فيها القيادي البعثي البارز مقالة في "السفير" او "النهار" او غيرهما من الصحف اللبنانية او يوجه عبرها رسالة او يثير شأناً من شؤون الامة.
ومصدر الاهتمام بمقالات أبي علي كان ينبع في الدرجة الاولى من كونه لم يعتمد في كتابته لغة خشبية تقوم على "الكليشيهات" الجاهزة المتداولة بل كان يعتمد اسلوباً ينبض بالحيوية والكلام المباشر والاشارات التي تحرك الاذهان الراكدة، وتهز القوالب الجامدة.
ولم يكن السؤال الاول هو الوحيد الذي كنا نسمعه بل كانت تتلوه على الفور اسئلة من نوع "هل يعبر الاحمد في مقالته عن رأي القيادة في سوريا" او "هل يسمح الحزب الحاكم في دمشق لقيادي فيه ان يثير شجوناً غير متفق على اثارتها بعد؟".
والحقيقة ان ميزة فقيدنا الذي رحل باكراً كانت تكمن في انه "مبادر من ضمن الالتزام"، "مختلف او مخالف من ضمن الوحدة"، "صاحب اجتهاد من ضمن النص"، و"صاحب رأي من ضمن الرؤية"، فاستطاع بذلك ان يملأ هامشاً في حرية التعبير اكتشف وجوده قبل غيره، وان يفتح الطريق امام كثيرين لكي يلجوا حلبة الحوار دون ان يخشوا السقوط بالضربة القاضية.
وحين يذكر الناس المغفور له عبدالله الاحمد اليوم لا يذكرونه فقط بنضال حزبي شارك فيه على امتداد عقود، ولا بمواقع حزبية رفيعة تبوأها على مدى سنوات، بقدر ما يذكرونه بنكهة خاصة تميزت بها كتاباته، وبجرأة حاذقة طبعت اسلوبه.
واذا كان العديد من السوريين، ممن اختلف مع أبي علي في الرأي او وافقه، يشهدون له بكفاءة عالية ومقدرة مميزة، فان العديد من اللبنانيين، على تباين آرائهم في ما كتبه، كانوا يرون في مقالاته طيفاً لبنانياً داخل فضاء سوري محكم الانسجام والانضباط، بل كانوا يقرأون فيها شيئاً من طلائع التأثر السوري بالمدرسة اللبنانية، او التأثير اللبناني في السياسة السورية، بعدما ظن كثيرون - واهمين - ان التأثر، او التأثير، يمكن ان يكون سالكاً على خط واحد فقط.(النهار اللبنانية)