&
تعد الالغام المضادة للافراد والمزروعة على نطاق واسع في مختلف انحاء اليمن مشكلة انسانية مؤرقة، بالنظر لتزايد عدد ضحاياها باطراد، كما تعتبر عقبة امام جهود التنمية بمختلف جوانبها، خاصة انها تحتل مساحات شاسعة من الاراضي. وتشكل الكلفة العالية للعمل في برنامج نزع الالغام وتطهير اليمن منها، عبئا اقتصاديا ثقيلا في ظل الاوضاع الاقتصادية الراهنة، رغم الدعم الذي تقدمه عدد من الدول والمنظمات الانسانية في هذا المجال. عادل محمود من صنعاء يقدم نبذة من هذه الصورة المأساوية.
منذ اطلاق البرنامج الوطني لنزع الالغام عام 1988 والدعم الذي تلقاه على مدى السنوات الماضية من هيئات ومنظمات انسانية ودول عربية واجنبية، تحققت العديد من الانجازات في مجال نزع الالغام والحد من اضرارها النفسية والاجتماعية والانسانية، لكن الحاجة ما زالت ملحة لجهد مضاعف، لتطهير البلاد من الالغام بشكل نهائي.
ولعل مطالعة الارقام والاحصائيات تكشف عن ملامح الوجه المأساوي للالغام التي زرعت في مختلف انحاء البلاد، خلال العقود الاربعة الماضية خاصة عقدي الستينات والسبعينات ابان الحروب والنزاعات بين شطري البلاد قبل توحيدها، وخلال الحرب الاهلية في صيف عام 1994، وبعد اربع سنوات من قيام الوحدة.
وقال مدير اللجنة الوطنية للتعامل مع الالغام، منصور محمد العزي لـ "الشرق الأوسط" انه رغم الجهود المكثفة التي تبذل في اطار تطهير البلاد من الالغام الا ان عدد ضحاياها في تزايد مستمر، مشيرا الى ان ما بين 5 الى 8 اشخاص يقعون ضحايا الالغام كل شهر اي بمعدل 7 اشخاص شهريا، وان اجمالي عدد ضحاياها المسجلين لدى البرنامج الوطني لنزع الالغام هو 5059 شخصا.
واوضح مدير اللجنة ان كافة المحافظات اليمنية باستثناء واحدة، تعد ملوثة بالالغام.
ورغم انه لا تتوفر احصائيات دقيقة باجمالي عدد الالغام المزروعة في اليمن، الا ان مصادر غير رسمية تقدرها بأكثر من 300 الف لغم، وهو رقم يعد متواضعا بالنظر لما تم نزعه وتدميره من هذه الالغام خلال السنوات الماضية، وخاصة اذا علمنا ان عدد الالغام التي زرعت خلال الحرب الاهلية عام 1994 وحدها بلغ 150 الف لغم، تم نزع وتدمير 38 الف لغم منها، وسهلت عملية توفر الخرائط الخاصة بحقول هذه الالغام مهمة الفرق الميدانية العاملة، في حين لا تتوفر خرائط بالالغام التي زرعت خلال عقدي الستينات والسبعينات.
وحسب منصور العزي فان اجمالي عدد الالغام التي جرى نزعها وتدميرها منذ بدء عمل البرنامج الوطني لنزع الالغام عام 1988 يبلغ 69 الفا و495 لغما وقذيفة.
* دعم عالمي
* ويتلقى البرنامج الوطني لنزع الالغام مساعدات فنية ومالية، لا تتجاوز 500 الف دولار سنويا، تقدمها كل من اليابان وهولندا والولايات المتحدة الاميركية والمانيا، وهو دعم يعد ضئيلا بالنظر لحجم المشكلة وانعكاساتها، فعمل البرنامج لا يقتصر على نزع الالغام وتدميرها، لكنه يشمل ايضا تقديم الرعاية الصحية والطبية للناجين من ضحايا لالغام، والعمل على اعادة تأهيلهم ودمجهم في مختلف سياقات الحياة، لكن اعلان المملكة العربية السعودية العام الماضي، عن دعم برنامج نزع الالغام بمبلغ مليون دولار سنويا، وعلى مدى ثلاث سنوات، وكأول دولة عربية تقدم دعما بهذا الحجم، يعطي للقائمين على البرنامج حافزا جديدا للعمل، ويعزز فرص تطهير البلاد من الالغام والحد من اخطارها.
وتقوم اللجنة الوطنية للتعامل مع الالغام بجهد استثنائي، في اطار حصر المتأثرين والناجين من الالغام ميدانيا من خلال زيارة المناطق الملوثة، وتحديد احتياجاتهم من العمليات الجراحية والتجميلية، وتزويدهم بالاطراف الصناعية والكراسي المتحركة والوسائل السمعية والبصرية، وغير ذلك من المساعدات التي تمكنهم من مزاولة حياتهم بشكل طبيعي.
* ضحايا من النساء والأطفال
* وتشكل النساء والاطفال العدد الاكبر من ضحايا الالغام عادة لان المرأة الريفية تضطلع بدور اساسي في عمليات التحطيب والزراعة، الامر الذي يجعلها اكثر عرضة لخطر الالغام، كذلك الامر بالنسبة لاطفال الريف الذين توكل اليهم مهمة رعي الاغنام والمواشي في الجبال والوديان، او حتى اثناء ممارستهم اللعب.
وفي هذا الاطار تقوم لجنة التوعية بالبرنامج الوطني لنزع الالغام بحملات اعلامية وزيارات ميدانية مكثفة للمناطق المتضررة من الالغام، تشمل زيارة المدارس وتجمعات الرعاة والمزارعين، والاماكن العامة، بهدف اشاعة الوعي بخطورة الالغام وكيفية تجنبها، والاجراءات المطلوبة في حال اكتشافها او الوقوع ضحية لها.
* كلاب مدربة لكشف الألغام
* ويواجه العمل في البرنامج الوطني لنزع الالغام، صعوبات عديدة، معظمها فني، فعدم توفر خرائط او معلومات حول الالغام التي زرعت في الستينات والسبعينات، يعرقل مهمة الفرق الميدانية، التي تضطر للبحث بشكل عشوائي عن حقول الالغام، يضاف الى ذلك ان ارتفاع مستويات التربة بسبب زحف الرمال والتصحر، يجعل مدى الالغام المزروعة اعمق داخل الارض ويحول دون كشفها بالاجهزة الفنية الحالية.
ولضمان فعالية العمل والتغلب على هذه المشكلات الفنية، ادخلت ادارة البرنامج العام الماضي استخدام الكلاب البوليسية المدربة، لتحديد مواقع الالغام، وشكلت اضافة الكلاب كجزء من المساعدات الفنية الالمانية للوحدة الفنية العاملة في هذا المجال، نقلة هامة في عمل نزع الالغام، وتفعيل عمل الفرق الميدانية في مختلف الحقول وتسريع وتيرة الاداء على نحو مكن من تطهير مساحات واسعة واعلان بعض المناطق خالية من الالغام.
ومع ان اليمن احتفل اخيرا بتدمير اخر مخزون له من الالغام المضادة للافراد، وفاء بالتزامات دولية، وقامت اللجنة الوطنية للتعامل مع الالغام بتدشين برنامج لرعاية الناجين من ضحايا الالغام، شمل اجراء عمليات جراحية وتجميلة لنحو 54 منهم، فضلا عن تزويدهم بالاطراف الصناعية والكراسي المتحركة والوسائل السمعية والبصرية وغير ذلك من المساعدات التي تعيد دمجهم في سياقات الحياة المختلفة، الا ان المؤشرات تؤكد ان المعركة مع الالغام ما زالت في بدايتها، وان الحاجة تظل ماسة لمزيد من الجهد المحلي والدولي للحد من اضرارها بالنظر لضخامة حجمها وتراكماتها.(الشرق الأوسط اللندنية)