القاهرة - أحمد أبو المعاطي: قفز مصطلح "الصحافة الصفراء" الى صدارة المشهد الصحافي والثقافي فى مصر مطلع التسعينات من القرن الفائت، وتحديدا مع ظهور نوعية جديدة من الصحف والدوريات الاسبوعية الصادرة بتراخيص أجنبية، والتي استخدمت الجنس والفبركة والنميمة وسيلة لرفع توزيعها في الاسواق في ظل منافسة ساخنة مع الصحف الحكومية اليومية والاسبوعيات المعارضة. وأطلق المصطلح على تلك الصحف، لأن أحدا فى البداية لم يشعر بها فقد كانت أوراقها تعاني الاصفرار جراء بقائها لأيام لدي باعة الصحف تحت الشمس الحارقة، غير أن المصطلح "النكتة" سرعان ما تحول الى واحدة من أكثر القضايا التي يعانى منها المشهد الاجتماعي والسياسي المصري في السنوات الاخيرة، إذ سرعان ما بدأت تلك الصحف في تفجير الأزمة تلو الاخرى، وربما كان أكثر تلك الأزمات حدة ما فجرته صحيفة "النبأ" قبل عام عندما فوجئ الرأي العام فى البلاد بها ذات صباح، وقد تصدرت صفحتها الأولى أربع صور فاضحة لراهب تبين فيما بعد أنه معزول من الكنيسة وهو يمارس الجنس مع إحدى السيدات.
كانت الصور التي نشرتها الصحيفة صادمة الى حد بعيد، ولا تختلف كثيرا عن تلك الصور التى تنشرها مجلات "البلاي بوي" الاميركية، ما أدى الى انفجار موجة من السخط الشديد فى الشارع المصري، سرعان ما تحول الى تظاهرات غاضبة داخل مقر الكاتدرائية الكبيرة بضاحية العباسية، وكاد الأمر يتطور الى حد انفجار فتنة طائفية، حال دون اشتعالها تحركات واعية لمسئولين عن العمل الصحافي فى البلاد، وعدم تجاوز الغضب حدود أسوار الكنائس المصرية.
وينطبق اصطلاح "الصحافة الصفراء" فى مصر على صحف بعينها، تتعمد أساليب بعيدة عن الممارسات الصحافية المسئولة، كأن تتوسع في نشر الجرائم ذات الطابع الجنسي بمزيد من التفاصيل التى لا تخلو من خيال خصب، أو تنشر صورا غير لائقة ومنافية للآداب والذوق العام، ولا يخلو الامر بالطبع من استخدام العناوين المثيرة التى غالبا لايكون لها علاقة بالمتن، فضلا عن ترويج للخرافة، ولا ينسى قراء الصحيفة فى مصر حتى الآن، تلك الصحيفة التى خرجت ذات يوم وقد تصدّر صفحتها الاولى مانشيت عريض يحكى عن امرأة انجبت طفلا برأس ثعبان فى احدى قرى الصعيد، فخافت أن ترضعه كي لا يعضها، لكنها وبعد اسابيع عثر عليها زوجها ميتة في فراشها والى جوارها طفلها الثعبان، وفمه يقطر دما، ويومها قالت الصحيفة فى تعليقها على "خبطتها الصحافية" إن خبراء الطب الشرعي اثبتوا أن الأم "ماتت مسمومة" بعد أن لدغها وليدها!
ويقول باحثون متخصصون وصحافيون بارزون إن التحول الذي حدث في بنية النظام الصحافي المصري أخيراً، وأدى الى ظهور ما يعرف حاليا بـ "الصحف القبرصية"، أو الصحف ذات التراخيص الاجنبية، كان له دور كبير في خروج تلك الظاهرة الى النور، في ظل إمكانات مؤسسية محدودة، وغياب للخبرات المهنية المؤهلة للإدراة في تلك الصحف.
وقبل أيام أصدر المجلس الأعلى للصحافة في مصر تقريرا عن الظاهرة عرض للبدايات الأولى لظهور "الصحافة الصفراء"، في الثلث الأول من القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة الأميركية، وما واجهته هذه الصحف من أزمات في التوزيع، ما دفعها الى التعاطي بكثير من الاثارة مع الكثير من القضايا المحلية، ولكن سرعان ما انتقل هذا النموذج من أميركا إلى إنجلترا ومنها الى بلدان غرب أوروبا، مع نشأة التجمعات العمالية، في المراكز الصناعية الوليدة، التى كانت في حاجة الى ملء وقت الفراغ بقليل من الاثارة الصحافية، ما مهد الأرض أمام ظهور نوع جديد من الصحافة التي تعتمد على الفضائح، وتعيش على نشر الصور غير اللائقة، والقصص الملفقة، من أجل زيادة التوزيع، دافعاً للحصول على عوائد إعلانية ضخمة، وأسس هذا النوع من الصحافة ناشرون مثل "بوليتزر" الذي قدم تجربة صحيفة "نيويورك وورلد" في العام ،1833 ثم تبعه "هيرست" الذي قدم صحيفة "نيويورك مورننج" في العام ،1895 ثم توالت هذه الصحف، حتى تعرضت لأزمة عاصفة أدت الى انحسارها مع نهاية العام ،1910 بالتوازي مع استقرار المجتمع بنهاية الحرب الإسبانية - الأميركية.
ويحدد تقرير المجلس الأعلى للصحافة في مصر، مجموعة من المؤشرات لتوصيف "الصحافة الصفراء" أهمها، نشر أخبار ومواد صحافية مجهِّلة، تتضمن الإشارة إلى شخصية محورية تتشابه في صفاتها مع الكثير من الشخصيات العامة، الأمر الذي ينمّي مناخ الشائعات، ويشير التقرير الى ما تركز عليه هذه الصحف من مضامين ذات طابع جنسي شاذ للجرائم، مع المبالغة في نشر التفاصيل الخاصة لشبكات الدعارة وزنا المحارم، باستخدام عناوين لا تتطابق مع المضمون، ويستعرض التقرير الإطار التشريعي المنظم للصحافة المصرية، وكيف أنها بصدور قانون تنظيم الصحافة رقم 156 للعام 1960 شهدت تحولات ضمنت احتكار التنظيم السياسي الوحيد - الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي فيما بعد - لعملية إصدار الصحف، ومبرر ذلك إنهاء سيطرة رأس المال على الصحافة.
وفي عهد الرئيس السادات صدر قانون الأحزاب السياسية، الذي نص في إحدى مواده على حق كل حزب في إصدار صحيفة أو أكثر، وقد أثرت الصحافة الحزبية بإيجابية من خلال ما طرحته من وجهات نظر متنوعة، ومتباينة مع وجهة النظر الرسمية، التي عبرت عنها الصحف القومية، كما قدمت معالجات ناقدة وحادة، واستطاعت إعادة تسييس الحياة المصرية من دون التورط في معالجات مبتذلة أو إثارة رخيصة، وكان العام قد 1975 شهد صدور قرار إنشاء المجلس الأعلى للصحافة ليتولى إصدار الصحف والترخيص بالعمل في الصحافة للصحافيين، ومن بعده في العام 1979 أنشئ مجلس الشورى الذي يمارس حق الملكية على الصحف القومية، ويقول التقرير ان هذه التحولات في بنية العمل الصحافي ترتب عليها منح "الأشخاص الاعتباريين" حق إصدار الصحف، ما أدى الى ظهور صحف جديدة ، لجأت إلى الإثارة لاجتذاب القراء، بممارسات صحافية سلبية دعت البعض إلى المطالبة بتشديد العقوبات على الصحافيين، وقد تجلى ذلك فيما عرف بـ "أزمة القانون 93 لسنة 1995" الذي مثل تحديا قويا للصحافة المصرية، اذ كان القانون الجديد يتيح لجهات التحقيق حبس الصحافي احتياطيا على ذمة التحقيق في قضايا النشر، فضلا عن تغليظ العقوبات السالبة للحريات في قضايا النشر.
وتتصدر صحيفة "النبأ" بحسب تقرير المجلس الاعلى للصحافة في مصر قائمة الصحف الصفراء، فيما حظيت صحيفة "حديث المدينة" بما يزيد على ثلث ملاحظات مجموعة الصحف الحزبية، وجاءت صحيفة "الخميس" الصادرة بترخيص من الخارج، في الترتيب الثالث، ومن بعدها صحيفتي "الميدان" و"المواجهة"، والأخيرتين صدرتا بموجب قانون الشركات. (عن "الوسط" البحرينية)
كانت الصور التي نشرتها الصحيفة صادمة الى حد بعيد، ولا تختلف كثيرا عن تلك الصور التى تنشرها مجلات "البلاي بوي" الاميركية، ما أدى الى انفجار موجة من السخط الشديد فى الشارع المصري، سرعان ما تحول الى تظاهرات غاضبة داخل مقر الكاتدرائية الكبيرة بضاحية العباسية، وكاد الأمر يتطور الى حد انفجار فتنة طائفية، حال دون اشتعالها تحركات واعية لمسئولين عن العمل الصحافي فى البلاد، وعدم تجاوز الغضب حدود أسوار الكنائس المصرية.
وينطبق اصطلاح "الصحافة الصفراء" فى مصر على صحف بعينها، تتعمد أساليب بعيدة عن الممارسات الصحافية المسئولة، كأن تتوسع في نشر الجرائم ذات الطابع الجنسي بمزيد من التفاصيل التى لا تخلو من خيال خصب، أو تنشر صورا غير لائقة ومنافية للآداب والذوق العام، ولا يخلو الامر بالطبع من استخدام العناوين المثيرة التى غالبا لايكون لها علاقة بالمتن، فضلا عن ترويج للخرافة، ولا ينسى قراء الصحيفة فى مصر حتى الآن، تلك الصحيفة التى خرجت ذات يوم وقد تصدّر صفحتها الاولى مانشيت عريض يحكى عن امرأة انجبت طفلا برأس ثعبان فى احدى قرى الصعيد، فخافت أن ترضعه كي لا يعضها، لكنها وبعد اسابيع عثر عليها زوجها ميتة في فراشها والى جوارها طفلها الثعبان، وفمه يقطر دما، ويومها قالت الصحيفة فى تعليقها على "خبطتها الصحافية" إن خبراء الطب الشرعي اثبتوا أن الأم "ماتت مسمومة" بعد أن لدغها وليدها!
ويقول باحثون متخصصون وصحافيون بارزون إن التحول الذي حدث في بنية النظام الصحافي المصري أخيراً، وأدى الى ظهور ما يعرف حاليا بـ "الصحف القبرصية"، أو الصحف ذات التراخيص الاجنبية، كان له دور كبير في خروج تلك الظاهرة الى النور، في ظل إمكانات مؤسسية محدودة، وغياب للخبرات المهنية المؤهلة للإدراة في تلك الصحف.
وقبل أيام أصدر المجلس الأعلى للصحافة في مصر تقريرا عن الظاهرة عرض للبدايات الأولى لظهور "الصحافة الصفراء"، في الثلث الأول من القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة الأميركية، وما واجهته هذه الصحف من أزمات في التوزيع، ما دفعها الى التعاطي بكثير من الاثارة مع الكثير من القضايا المحلية، ولكن سرعان ما انتقل هذا النموذج من أميركا إلى إنجلترا ومنها الى بلدان غرب أوروبا، مع نشأة التجمعات العمالية، في المراكز الصناعية الوليدة، التى كانت في حاجة الى ملء وقت الفراغ بقليل من الاثارة الصحافية، ما مهد الأرض أمام ظهور نوع جديد من الصحافة التي تعتمد على الفضائح، وتعيش على نشر الصور غير اللائقة، والقصص الملفقة، من أجل زيادة التوزيع، دافعاً للحصول على عوائد إعلانية ضخمة، وأسس هذا النوع من الصحافة ناشرون مثل "بوليتزر" الذي قدم تجربة صحيفة "نيويورك وورلد" في العام ،1833 ثم تبعه "هيرست" الذي قدم صحيفة "نيويورك مورننج" في العام ،1895 ثم توالت هذه الصحف، حتى تعرضت لأزمة عاصفة أدت الى انحسارها مع نهاية العام ،1910 بالتوازي مع استقرار المجتمع بنهاية الحرب الإسبانية - الأميركية.
ويحدد تقرير المجلس الأعلى للصحافة في مصر، مجموعة من المؤشرات لتوصيف "الصحافة الصفراء" أهمها، نشر أخبار ومواد صحافية مجهِّلة، تتضمن الإشارة إلى شخصية محورية تتشابه في صفاتها مع الكثير من الشخصيات العامة، الأمر الذي ينمّي مناخ الشائعات، ويشير التقرير الى ما تركز عليه هذه الصحف من مضامين ذات طابع جنسي شاذ للجرائم، مع المبالغة في نشر التفاصيل الخاصة لشبكات الدعارة وزنا المحارم، باستخدام عناوين لا تتطابق مع المضمون، ويستعرض التقرير الإطار التشريعي المنظم للصحافة المصرية، وكيف أنها بصدور قانون تنظيم الصحافة رقم 156 للعام 1960 شهدت تحولات ضمنت احتكار التنظيم السياسي الوحيد - الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي فيما بعد - لعملية إصدار الصحف، ومبرر ذلك إنهاء سيطرة رأس المال على الصحافة.
وفي عهد الرئيس السادات صدر قانون الأحزاب السياسية، الذي نص في إحدى مواده على حق كل حزب في إصدار صحيفة أو أكثر، وقد أثرت الصحافة الحزبية بإيجابية من خلال ما طرحته من وجهات نظر متنوعة، ومتباينة مع وجهة النظر الرسمية، التي عبرت عنها الصحف القومية، كما قدمت معالجات ناقدة وحادة، واستطاعت إعادة تسييس الحياة المصرية من دون التورط في معالجات مبتذلة أو إثارة رخيصة، وكان العام قد 1975 شهد صدور قرار إنشاء المجلس الأعلى للصحافة ليتولى إصدار الصحف والترخيص بالعمل في الصحافة للصحافيين، ومن بعده في العام 1979 أنشئ مجلس الشورى الذي يمارس حق الملكية على الصحف القومية، ويقول التقرير ان هذه التحولات في بنية العمل الصحافي ترتب عليها منح "الأشخاص الاعتباريين" حق إصدار الصحف، ما أدى الى ظهور صحف جديدة ، لجأت إلى الإثارة لاجتذاب القراء، بممارسات صحافية سلبية دعت البعض إلى المطالبة بتشديد العقوبات على الصحافيين، وقد تجلى ذلك فيما عرف بـ "أزمة القانون 93 لسنة 1995" الذي مثل تحديا قويا للصحافة المصرية، اذ كان القانون الجديد يتيح لجهات التحقيق حبس الصحافي احتياطيا على ذمة التحقيق في قضايا النشر، فضلا عن تغليظ العقوبات السالبة للحريات في قضايا النشر.
وتتصدر صحيفة "النبأ" بحسب تقرير المجلس الاعلى للصحافة في مصر قائمة الصحف الصفراء، فيما حظيت صحيفة "حديث المدينة" بما يزيد على ثلث ملاحظات مجموعة الصحف الحزبية، وجاءت صحيفة "الخميس" الصادرة بترخيص من الخارج، في الترتيب الثالث، ومن بعدها صحيفتي "الميدان" و"المواجهة"، والأخيرتين صدرتا بموجب قانون الشركات. (عن "الوسط" البحرينية)














التعليقات