&
انطلقت مبادرة جنيف التي وقعتها أطراف اسرائيلية وفلسطينية غير رسمية للتعامل مع قضايا الحل النهائي بما فيها القدس والدولة الفلسطينية واللاجئون والمستوطنات لعل وعسى تحل الجمود الذي اعترى المسار الفلسطيني الاسرائيلي منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية أي منذ أكثر من ثلاث سنوات، مما اتفق عليه الفلسطينيون والاسرائيليون. وهو ليس ملزما لأي من الطرفين، لانه خارج التناول الرسمي من قبل أطراف الصراع الاساسية ومن قبل الاطراف الاقليمية والدولية المؤثرة في حركة المسار الفلسطيني الاسرائيلي وبالخصوص الولايات المتحدة الامريكية، بالإضافة الى ان المواقف الرسمية مازالت على حالها لم تتغير لكل الاطراف.
رسميا اسرائيل ترفض أي كلام عن حل سياسي قبل الانتهاء من الملف الامني وان قبلت على مضض خريطة الطريق الامريكية التي تدعو الى قيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف ثم ان الموقف الرسمي الاسرائيلي ضد أي اقتراب من قضية القدس باعتبارها عاصمة موحدة أبدية للدولة العبرية غير قابلة للتقسيم، وكذلك قضية المستوطنات في الضفة الغربية التي يعتبرونها جزءا من أرض اسرائيل (يهودا والسامرة) بالإضافة الى عدم الاستعداد لتحمل أي عبء سياسي أو أخلاقي لدولة اسرائيل تجاه محنة اللاجئين.. دعك من إمكانية التسامح مع مطلبهم العودة سواء الى اسرائيل (داخل حدود 1948) أو الدولة الفلسطينية الناشئة على أجزاء متقطعة ومتباعدة من الضفة الغربية وقطاع غزة اللذين احتلا بعد حرب الايام الستة سنة .1967 الموقف الفلسطيني الرسمي قد يكون أكثر مرونة تجاه قضايا الحل النهائي، الا انه لا يقوى بعد على تحديد موقفه الرسمي منها بصورة علنية وواضحة خوفا من فقدانه مصادر شرعيته السياسية عند الفلسطينيين، عموما الموقف الرسمي الفلسطيني مازال عند مواقفه الرسمية من قضية القدس (الشرقية القديمة) عدم التنازل عنها كعاصمة للدولة الفلسطينية ضمن حدود ما قبل الخامس من يونيو 1967 وضرورة إزالة المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعدم التفريط في حق العودة لأكثر من أربعة ملايين فلسطيني يعيشون في الشتات بسبب قيام دولة اسرائيل على أرضهم في فلسطين. رسميا الولايات المتحدة ملتزمة بخريطة الطريق، التي تتحدث عن دولة فلسطينية متصلة قابلة للحياة والاستمرار بحلول 2005م ومازالت ملتزمة بقرارات مجلس الامن والجمعية العامة للأمم المتحدة التي صدرت عنهما وصدقت بموافقتها عليها، وان كان لها تفسيرها الخاص لكل ذلك بأن كل شيء يخضع للمفاوضات وليس القول بتلك القرارات وكأنها مبادىء وقرارات ملزمة لا يمكن أخذ ما طرأ على الارض من واقع في عين الاعتبار. بالإضافة الى الالتزام الاستراتيجي الامريكي بأمن اسرائيل وضمان بقائها حتى لو كان على حساب أمن جيرانها ومصالحهم، بل مصالح واشنطون نفسها في المنطقة. هذه هي أهم مواقف الاطراف الاساسية في المسار الفلسطيني الاسرائيلي التي تتكون منها معادلة أي حل نهائي لقضايا المسار الفلسطيني الاسرائيلي وهناك أطراف اقليمية ودولية مثل الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة الا ان دور هؤلاء ليس بالاهمية مثل دور هذه الاطراف الرئيسية الثلاثة، وخاصة الطرفين الاسرائيلي والامريكي. هناك اختلاف بين مبادرة جنيف الحالية واتفاقية أوسلو الاولى ــ سبتمبر 1993، والثانية سبتمبر 1995 ــ اللتين قادتا الى انشاء السلطة الفلسطينية في الاراضي المحتلة، وبدء مرحلة الحل السياسي للمشكلة على الاقل من وجهة نظر منظمة التحرير الفلسطينية مبادرة جنيف تقريبا في مجملها كانت غير رسمية وان كانت بداياتها غير رسمية. الا انه كان وراءها شخصيات رسمية اسرائيلية وفلسطينية بينما اتفاقيتا أوسلو وخاصة الاولى منهما كانت سرية ولم يعرف العالم عنها إلا بعد اعلانها وكانت مبادرة أوسلو مفاجأة للجميع حتى واشنطون على الاقل كان ذلك الموقف الرسمي الامريكي عند إعلان اتفاقية أوسلو الاولى، الفرق المهم هنا ان اتفاقيتي أوسلو هما موقف رسمي اسرائيلي وفلسطيني بينما مبادرة جنيف الجديدة غير رسمية في مجملها وان كان الجانب الفلسطيني الرسمي يقترب منها على استحياء، بينما ترفضها جملة وتفصيلا الحكومة الاسرائيلية. في النهاية لن يكون هناك حل الا اذا جاء من واشنطون وبمباركة من تل أبيب وعلينا ان نتصور مثل هذا الحل الذي يفصل في واشنطون بمقاسات تأتي من تل أبيب حتى إن مثل هذا الحل ليس هناك من يستعجله لا في تل أبيب ولا في واشنطون.