طفحت الصحف والإذاعات والقنوات الفضائية الكويتية والخليجية والعربية و الغربية، بعد اعتقال صدام من قبل البشمركة الكردية وتسليمه الى القوات الاميركية، طفحت بالحديث عن محاكمة صدام شكلها ومكانها ومن سيحاكمه و.. و.. والإدارة الاميركية تستمع وتشاهد وتقرأ أي تتابع كل ذلك وكأن لسان حالها ومقالها يقولان للجميع: أخرجوا ما عندكم. وكأنها بذلك تريد أن تفرغ ماعند الجميع من إلحاحات ومطالبات لتمتص غضب الجميع ثم تخرج بالنتائج التي تريد، ولو ان الخطة المرسومة معروفة .. وهي الأقرب الى الواقع، باعتبار ان هذا الرجل رجل أميركا، ولن يحاكم بالطريقة التي يطالب بها المطالبون من عراقيين وغيرهم، حيث سيطول ليل أميركا في هذه القضية حتى يسكت الحديث عن صدام أو يقل او يصبح نسياً منسيا أي بالعامية «حتى تبرد السالفة» وهناك سيكون الحديث للإدارة الاميركية، ولن يكون إلا قبل الانتخابات الاميركية في نوفمبر المقبل 2004 بأيام أو بعدها، هذه كلها احتمالات ولكن يبقى صدام ـ كماتقول بعض التصريحات ـ هو ابن اميركا واسرائيل وقد أعطى أو قل أهدى البلدين ما لو خططوا له سنينا طويلة وأخرى معها لتطبيقها ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم من أحلام وآمال، كانوا يخططون لها، حققها لهم صدام بل عجّلها وسهلها وفرش طريقها بالورود والرياحين.
صدام حسين آخر الأبناء البارين للحكومتين، ستوضع عراقيل وسدود كثيرة في حال طلب التعجيل بمحاكمته من قبل أي جهة. ستأتينا أيام نرأف على صدام ووضعه كحاكم كان مهابا وعزيزا شغل العالم كله بموضوعه، سيكون حاله مثل مجرمي اميركا الذين قتلوا واغتصبوا الصغار والكبار أو قتلوا زوجاتهم ومع عرض القضية يوميا في أجهزة الإعلام المتنوعة وظهورهم المستمر بصورة بريئة ومحزنة ودفاع المحامين عنهم هكذا، اقل أحوال العامة، عندما يشاهدون المجرم وقد تحول إلى حمل وديع صامت هزيل حزين، انهم قد يتعاطفون معه كما كان التعاطف مع أولئك المجرمين الذين قتلوا ضحاياهم بصورة بشعة اقشعرت لها الأبدان.
حس العامة عقل جماعي يستطيع الإعلام أن يحوله كيفما يريد لأن العقل الجماعي لا يفكر ويستخدم عقله وإنما يستخدم عواطفه وقلبه الرحيم الذي ينسيه ما ارتكبه المجرم بالأمس، كلما طالت أيام صدام دون محاكمة باستخدامه ـ ربما حسب تقديرهم ـ كورقة رابحة تراها الإدارة الاميركية.. يعلن عنها في وقتها.
ستضعف مطالبة المعنيين بمحاكمة صدام بل مطالبة شعوب العالم بعدما يسيطر عليهم السيناريو الهوليوودي.. وسيرجع الساسة الى المبادرات والتصريحات التي كانوا يقولونها قبل سقوط بغداد في تخييره بين الحرب أو تنازله عن الحكم على اعتبار أن صدام لم يضرب الجيوش الاميركية والبريطانية ولم يدخل معهم في حرب، إذاً لماذا محاكمته؟ فليكن العرض السابق قائما، ولتعرض عليه السكنى في أي بلد يريده كما كان ذلك معروضا عليه في الماضي لأن قتله أو سجنه ماذا ستستفيد منه الجماهير المرتقبة؟ فكم من طغاة مروا على البلدان والشعوب أُطلق سراحهم لمرضهم أو كبر سنهم، إذ إن موتهم وبقاؤهم سيان بل بقاؤهم من دون سلطة ولا حكم أشد عليهم من كل أولئك.. والله المستعان.
التعليقات