&
بيروت -ريما زهار: المئتا الف متظاهر، الذين حوّلوا مدينة جنوى الايطالية بركاناً احتجاجياً قذف حممه فوق رؤوس قادة مجموعة الدول الثماني، طرح للمرة الاولى قضية العولمة على بساط ساخن من البحث لم يسبق له مثيل من قبل. واذا كانت جنوى هي مسقط رأس كريستوف كولومبس الذي اكتشف اميركا قبل اكثر من خمسة قرون، فإن المدينة اصبحت، بعد سقوط اول "شهيد" ضد العولمة التي تتزعمها اميركا هو كارلو جولياني (23 عاماً)، اول معالم الطريق نحو هذه القارة التي تجعل العالم قرية سترتسم لها من الآن فصاعداً صورة تمتزج فيها الدماء بالورود.
يقول مراسل صحيفة "الاوبزرفر" البريطانية وليام كيغان انه غطّى القمة الصناعية الاولى التي دعا اليها الرئيس جيسكار ديستان في رامبويليه بفرنسا عام ،1975 ومعظم القمم التي تلتها، واضاف: "لقد وجدت نفسي اكتب عن الاقتصاد السياسي والعلاقات الاقتصادية الدولية، ولكن لم اكن مراسلاً حربياً". بمعنى آخر ان قمة جنوى كانت تتطلب مراسلاً حربياً لا مراسلاً اقتصادياً او ما شابهه.
من ناحيتها وصفت وزيرة التنمية البريطانية كلير شورت اعضاء منظمات الاحتجاج في جنوى بأنهم "بيض ذوو امتيازات ينتمون الى الطبقة الوسطى". وقالت ان الزعماء الافارقة الذين شاركوا كمدعوين في القمة كانوا متحمسين لاقتراحاتها في مواجهة "الايدز". وتساءلت: "من هو اجدر بالكلام نيابة عن الفقير: الناس البيض من الطبقة الوسطى في الشمال ام الممثلون المنتخبون للافارقة الفقراء انفسهم؟".
وتجادل صحيفة "الغارديان" البريطانية في هذا المجال وتقول "ان العنف الاقتصادي الذي ينبغي على زعماء العالم الغني مواجهته يقبع في قلب العولمة او في الرأسمالية العالمية. انهم في موقع كل النخبة الحاكمة التي يجب ان تشرف على تدفق الثروة من الفقير الى الغني". وخاطبت "الغارديان" الوزيرة شورت بقولها ان الزعماء الافارقة الذين دافعت عنهم "هو في الموقع عينه كنظرائهم في الشمال. انهم يمثلون الطبقات العالمية المالكة التي لها دائماً الكثير مما يجمعها اكثر مما يفرقها".
في كل حال خرج الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن الصمت الذي غرق فيه نظراؤه في قمة جنوى، فاعتبر ان هناك ما يستحق التأمل دفع هذا الحشد الكبير من المتظاهرين للنزول الى الشارع.
فقراء واغنياء
مدير مركز التنمية الدولية في جامعة هارفرد جيمري ساخس، وفي مقال نشرته صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية، اعتبر ان زعماء الدول الصناعية الذين "تعهدوا ان تعمل العولمة لمصلحة الفقر في العالم عليهم ان يأخذوا بجدية الشاهد العلمي على الفقر العالمي والانحطاط البيئي".
اضاف: "ان "المجلة العلمية" نشرت قبل اسابيع قليلة تقديرات تفصيلية تشير الى ان الكفاح ضد مرض "الايدز" في الدول النامية قد يتطلب اكثر من 9 مليارات دولار سنوياً، ومعظم المبلغ من الدول الغنية. في حين ان قمة جنوى تعهدت فقط بـ1.3 مليار دولار سنوياً كتمويل دولي لمكافحة "الايدز" والملاريا والسل، من دون التزام مهلة محددة لتسديد المبلغ.
ويضيف ساخس: "خلال الاعوام التي ظهرت فيها قمة الدول الصناعية الى الوجود ازدادت الشواهد على ما يجب القيام به. وزعماء هذه الدول محقّون بقولهم ان العولمة، كما صممت على وجه العموم، يمكن ان تكون جزءاً من الحل. انهم على حق بان الدول الاكثر فقراً تحتاج الى ان تكون قادرة على زيادة صادراتها الى الاسواق العالمية. لكن زيادة القدرة التنافسية التصديرية تتطلب قوى عاملة، متعلمة وصحية، قادرة على الوصول الى اسواق الدول الغنية. غير ان التعليم والصحة المناسبين هما خارج القدرات المالية للدول الاكثر فقراً
ويخلص ساخس الى القول ان على الولايات المتحدة بصورة خاصة "ان تقدم القسم الاكبر من المعونة لمواجهة الفقر في العالم. المبالغ المطلوبة كبيرة اذا ما نظر اليها مستقلة، لكنها متواضعة مقارنة بمداخيل الدول الغنية. ان زيادة المعونات بمقدار 20 مليار دولار سنوياً نمثل 20 دولاراً عن كل فرد من مليار نسمة في العالم الغني".
وليس بعيداً عن صورة الغنى والفقر، نشرت مجلة "الايكونوميست" البريطانية ملفاً عن هذه القضية في عددها الصادر قبل اسبوعين، فقالت انه "اذا كان الاغنياء يخشون الحسد فان على كل فرد ان يخشى الفقر". ولفتت الى ان هناك اليوم من الاغنياء اكثر من كل وقت مضى، ومن بين هؤلاء 7 ملايين مليونير، واكثر من 400 ملياردير.
في تظاهرة الأول من أيار الماضي في لندن رفع متظاهر فوق دراجته لافتة كتبت عليها: "الرأسمالية يجب ان تستبدل بأخرى ألطف". ويعلق جون كاي في "الفايننشال تايمز" قائلاً: "هذا الشعار يلتقط تماماً جوهر الحركة المعادية للرأسمالية في عالم ما بعد الاشتراكية. لكن من يتعاطف مع هذه الفكرة؟".
ويتابع: "ربما ان حال الدول الفقيرة ستكون أفضل من دون العولمة، والتقنية الحديثة، وشراء البضائع الاستهلاكية الحديثة، وأخذ العلم بالمستويات المادية غير العادية للعيش التي أحرزتها الاقتصاديات الغربية. هذه النظرة تتضمن تفكيراً ضبابياً من قصائد حياة الفلاح ويحملها، في معظم الاحيان، الذين لهم حياة مختلفة".
ويشير كاي الى "ان الدول التي حاولت رفض التأثير الخارجي، كبورما، كمبوديا وافغانستان تعيش في ظل أنظمة هي الاكثر قمعية والتي عليها المحافظة على حماسة ايديولوجية في ظل سياساتها المستحيلة كي تستمر في كبت تطلعات معظم مواطنيها".
وفيما أشار الى ان حكومتي كوريا الجنوبية وتايوان "لم تجعلا مواطنيهما ضحايا العولمة"، طالب "بتشجيع الشركات الغربية على العمل في الدول الفقيرة وفق افضل الشروط المحلية في تلك الدول".
&
&
قصة العولمة
خارج معمعة جنوى: من اين أتت هذه العولمة؟ السؤال طرحه المحلل الفرنسي المعروف في الشؤون الدولية دومينيك مويزي. امام الرد فأتى من وزير الخارجية الفرنسي أوبير فيدرين الذي قال: "اتت من بعيد، وتغذت من روح السيطرة والتقدم التقني. وكانت لمدة طويلة في السابق تدريجية، قبل ان تصبح كما هي اليوم متسارعة".
ويضيف فيدرين في كتاب "فرنسا ومسار العولمة" الذي انتجه حوار اجراه مويزي معه وصدر باللغة العربية: اذا لم نرجع الى الحملات الصليبية فان التوسع الكولونيالي الاوروبي في كل القارات، ابتداء من القرن السادس عشر، هو الذي حدد بدايات العولمة المنتصرة اليوم امام اعيننا. وفي تاريخ اقرب الينا كانت هناك الحروب "العالمية"، وهي في الواقع توسيع النزاعات الاوروبية لتطاول كل العالم، والتي دفعت الولايات المتحدة الى لعب الدور الذي ما زالت تلعبه حتى يومنا هذا".
ويتابع فيدرين قائلا: "ان التقدم التقني في وسائل النقل - من البوصلة الى الصاروخ - وفي الاتصالات - من التلغراف البصري الى الانترنيت - وهي اشكال منصهرة اليوم لم تنفك ايضاً تلعب دور المحرك للعولمة، وربما هي محركها الحقيقي، فلقد زالت الحواجز ابتداء من ظهور الطائرة اذ صار ممكناً انتشار الاخبار في اللحظة اياها في الكرة الارضية جمعاء عن طريق وسائل تعصى عملياً على المراقبة. لقد ازيلت المسافات. ان العولمة اليوم هي ابنة التقدم التقني والمآسي المتلاصقة التي عرفها القرن العشرون".
ويقول رئيس الديبلوماسية الفرنسية ان الاعوام 1989-1991 التي سقط خلالها جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي، شكلت "النهاية الرمزية للعالم المنبثق& من الحرب العالمية الثانية& الي نهاية العالم الاميركي - السوفياتي الثنائي القطب. واذ رفض نظرية "نهاية التاريخ" التي اوردها فرنسيس فوكوياما ابدى فيدرين تأييدا جزئيا لما ورد في نظرية "صراع الحضارات" لصموئيل هنتنغتون عن مخاطر النزاع في مناطق الاحتكاك بين "الحضارات" الثماني الكبرى التي يحصيها "وها نحن اليوم امام حوالى 40 نزاعا، 20 منها في افريقيا"، لكنه أخذ على المفكر الاميركي "افراطه في القدرية".
ويحلل فيدرين ابعاد "العالم الاحادي القطب" فيشير الى ان الولايات المتحدة الاميركية "هي القوة العظمى الوحيدة، تفرض سيطرتها في كل الميادين: الاقتصادية، التكنولوجية، العسكرية، النقدية، اللغوية والثقافية". ويضيف: "هذا وضع لا سابق له: أي امبراطورية تمكنت من الهيمنة على العالم أجمع، بمن فيه أعداؤها؟ أضف اليه ان ذلك جاء ربما نتيجة مشروع مدبر عندما كانت الولايات المتحدة تهاجم الامبراطوريات الاستعمارية من "الطراز القديم"، وهي بالتأكيد ليس نتيجة مؤامرة. ان الاوروبيين هم الذين استدعوا الاميركيين الى القارة القديمة عام ،1917 ومن ثم عام ،1944 وقد استبقوهم فيها بعد 1945 رغم بعض التردد وعوارض انعزالية متكررة". ويشرح فيدرين اكثر فيقول "ان العولمة لم تأت نتيجة "مخطط" اميركي، حتى لو كانت الشركات الاميركية الكبرى دفعت في هذا الاتجاه، وهي تجني منه ارباحا طائلة. الحقيقة ان الولايات المتحدة تتابع سياسة "الباب المفتوح" التجارية التي انتهجتها "بريطانيا العظمى" في القرن التاسع عشر (أبواب الاخرين بالطبع!) وهي تجني منها فوائد كبيرة نظرا الى حجمها الاقتصادي الخاص، ولأسباب عدة أخرى: لأن العولمة تصنع بلغتها، لانها تتمحور حول المبادئ الاقتصادية الليبيرالية الخاصة بها، لانها تفرض معاييرها القانونية والحسابية او التقنية، لانها داعية الفردية، لانها تمتلك ايضا "القدرة الذهنية" التي يتحدث عنها الباحث والفيلسوف رينه جيرار، هذه القدرة على استثارة الاحلام والرغبات عند الاخرين بفضل تحكمها بالصور العالمية في السينما والتلفزيون، لأنه، ولهذه الاسباب عينها، يتوافد اليها الطلاب بأعداد هائلة من البلدان الاخرى لاكمال دراستهم".
لكن الصورة الوردية لا تكتمل على هذا المنوال، اذ يرى فيدرين "ان الولايات المتحدة تعاني المشكلات. وهناك قطاعات عدة، داخل المجتمع الاميركي تجد صعوبة في التأقلم وتبقى معارضة للسرعة المفرطة في تحرير المبادلات، كما تبين ذلك مؤخرا في تظاهرات سياتل ضد منظمة التجارة العالمية وتظاهرات واشنطن ضد صندوق النقد الدولي وفي نيويورك ايضا". غير ان وزير الخارجية الفرنسية يستدرك بالقول ان الولايات المتحدة "تبقى الاكثر افادة من العولمة، وبفارق كبير، مما يغذي نزعة الهيمنة والتقرير من طرف واحد، وهي نزعة كانت لمدة طويلة تلجمها انعزالية الشعب الاميركي، ولكنه توصل الى تخطيها".
وبعد ان يرسم فيدرين رأس الهرم للزعامة العالمية ينطلق الى تصنيف أحوال سائر الدول. فيتناول بداية "الدول الكبرى التي تمتلك بعض عناصر القوة، والعديد من عناصر التأثير على نطاق عالمي: فرنسا، بريطانيا، المانيا، روسيا، الصين، اليابان والهند". وبعد هذه الفئة من الدول يتطرق الى عدد من "القوى" ومنها: اوستراليا، اندونيسيا، البرازيل، المكسيك، افريقيا الجنوبية، نيجيريا، مصر، ايران، تركيا، اسرائيل، ايطاليا، اسبانيا، بولونيا. ولم يفت فيدرين التنويه بـ"بلدان اخرى تستمد مقومات نفوذها من انتمائها الى نادي الدول الثماني، مثل كندا، أو الى الاتحاد الاوروبي".
وماذا عن احوال سائر الدول التي لم ترد في هذا التصنيف؟
يقول فيدرين عنها: "بلدان عادية نوعاً ما، لكنها غالباً ما تكون في حال تبعية لغيرها دول عاجزة عن الممارسة الفعلية لسيادتها الرسمية، تعيش على المساعدات الدولية، وغالباً ما تقع فريسة القوى ما فوق الوطنية، شرعية كانت أم غير شرعية، والتي تعبث بها بعدما سمحت لها العولمة بالتضخم. فهذه الدول الصغيرة أو الميكرو-دول (بضع عشرات) هي ايضاً مشكلة، ولو ان هناك دولاً صغيرة مستقرة ومزدهرة".
يقول مراسل صحيفة "الاوبزرفر" البريطانية وليام كيغان انه غطّى القمة الصناعية الاولى التي دعا اليها الرئيس جيسكار ديستان في رامبويليه بفرنسا عام ،1975 ومعظم القمم التي تلتها، واضاف: "لقد وجدت نفسي اكتب عن الاقتصاد السياسي والعلاقات الاقتصادية الدولية، ولكن لم اكن مراسلاً حربياً". بمعنى آخر ان قمة جنوى كانت تتطلب مراسلاً حربياً لا مراسلاً اقتصادياً او ما شابهه.
من ناحيتها وصفت وزيرة التنمية البريطانية كلير شورت اعضاء منظمات الاحتجاج في جنوى بأنهم "بيض ذوو امتيازات ينتمون الى الطبقة الوسطى". وقالت ان الزعماء الافارقة الذين شاركوا كمدعوين في القمة كانوا متحمسين لاقتراحاتها في مواجهة "الايدز". وتساءلت: "من هو اجدر بالكلام نيابة عن الفقير: الناس البيض من الطبقة الوسطى في الشمال ام الممثلون المنتخبون للافارقة الفقراء انفسهم؟".
وتجادل صحيفة "الغارديان" البريطانية في هذا المجال وتقول "ان العنف الاقتصادي الذي ينبغي على زعماء العالم الغني مواجهته يقبع في قلب العولمة او في الرأسمالية العالمية. انهم في موقع كل النخبة الحاكمة التي يجب ان تشرف على تدفق الثروة من الفقير الى الغني". وخاطبت "الغارديان" الوزيرة شورت بقولها ان الزعماء الافارقة الذين دافعت عنهم "هو في الموقع عينه كنظرائهم في الشمال. انهم يمثلون الطبقات العالمية المالكة التي لها دائماً الكثير مما يجمعها اكثر مما يفرقها".
في كل حال خرج الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن الصمت الذي غرق فيه نظراؤه في قمة جنوى، فاعتبر ان هناك ما يستحق التأمل دفع هذا الحشد الكبير من المتظاهرين للنزول الى الشارع.
فقراء واغنياء
مدير مركز التنمية الدولية في جامعة هارفرد جيمري ساخس، وفي مقال نشرته صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية، اعتبر ان زعماء الدول الصناعية الذين "تعهدوا ان تعمل العولمة لمصلحة الفقر في العالم عليهم ان يأخذوا بجدية الشاهد العلمي على الفقر العالمي والانحطاط البيئي".
اضاف: "ان "المجلة العلمية" نشرت قبل اسابيع قليلة تقديرات تفصيلية تشير الى ان الكفاح ضد مرض "الايدز" في الدول النامية قد يتطلب اكثر من 9 مليارات دولار سنوياً، ومعظم المبلغ من الدول الغنية. في حين ان قمة جنوى تعهدت فقط بـ1.3 مليار دولار سنوياً كتمويل دولي لمكافحة "الايدز" والملاريا والسل، من دون التزام مهلة محددة لتسديد المبلغ.
ويضيف ساخس: "خلال الاعوام التي ظهرت فيها قمة الدول الصناعية الى الوجود ازدادت الشواهد على ما يجب القيام به. وزعماء هذه الدول محقّون بقولهم ان العولمة، كما صممت على وجه العموم، يمكن ان تكون جزءاً من الحل. انهم على حق بان الدول الاكثر فقراً تحتاج الى ان تكون قادرة على زيادة صادراتها الى الاسواق العالمية. لكن زيادة القدرة التنافسية التصديرية تتطلب قوى عاملة، متعلمة وصحية، قادرة على الوصول الى اسواق الدول الغنية. غير ان التعليم والصحة المناسبين هما خارج القدرات المالية للدول الاكثر فقراً
ويخلص ساخس الى القول ان على الولايات المتحدة بصورة خاصة "ان تقدم القسم الاكبر من المعونة لمواجهة الفقر في العالم. المبالغ المطلوبة كبيرة اذا ما نظر اليها مستقلة، لكنها متواضعة مقارنة بمداخيل الدول الغنية. ان زيادة المعونات بمقدار 20 مليار دولار سنوياً نمثل 20 دولاراً عن كل فرد من مليار نسمة في العالم الغني".
وليس بعيداً عن صورة الغنى والفقر، نشرت مجلة "الايكونوميست" البريطانية ملفاً عن هذه القضية في عددها الصادر قبل اسبوعين، فقالت انه "اذا كان الاغنياء يخشون الحسد فان على كل فرد ان يخشى الفقر". ولفتت الى ان هناك اليوم من الاغنياء اكثر من كل وقت مضى، ومن بين هؤلاء 7 ملايين مليونير، واكثر من 400 ملياردير.
في تظاهرة الأول من أيار الماضي في لندن رفع متظاهر فوق دراجته لافتة كتبت عليها: "الرأسمالية يجب ان تستبدل بأخرى ألطف". ويعلق جون كاي في "الفايننشال تايمز" قائلاً: "هذا الشعار يلتقط تماماً جوهر الحركة المعادية للرأسمالية في عالم ما بعد الاشتراكية. لكن من يتعاطف مع هذه الفكرة؟".
ويتابع: "ربما ان حال الدول الفقيرة ستكون أفضل من دون العولمة، والتقنية الحديثة، وشراء البضائع الاستهلاكية الحديثة، وأخذ العلم بالمستويات المادية غير العادية للعيش التي أحرزتها الاقتصاديات الغربية. هذه النظرة تتضمن تفكيراً ضبابياً من قصائد حياة الفلاح ويحملها، في معظم الاحيان، الذين لهم حياة مختلفة".
ويشير كاي الى "ان الدول التي حاولت رفض التأثير الخارجي، كبورما، كمبوديا وافغانستان تعيش في ظل أنظمة هي الاكثر قمعية والتي عليها المحافظة على حماسة ايديولوجية في ظل سياساتها المستحيلة كي تستمر في كبت تطلعات معظم مواطنيها".
وفيما أشار الى ان حكومتي كوريا الجنوبية وتايوان "لم تجعلا مواطنيهما ضحايا العولمة"، طالب "بتشجيع الشركات الغربية على العمل في الدول الفقيرة وفق افضل الشروط المحلية في تلك الدول".
&
&
قصة العولمة
خارج معمعة جنوى: من اين أتت هذه العولمة؟ السؤال طرحه المحلل الفرنسي المعروف في الشؤون الدولية دومينيك مويزي. امام الرد فأتى من وزير الخارجية الفرنسي أوبير فيدرين الذي قال: "اتت من بعيد، وتغذت من روح السيطرة والتقدم التقني. وكانت لمدة طويلة في السابق تدريجية، قبل ان تصبح كما هي اليوم متسارعة".
ويضيف فيدرين في كتاب "فرنسا ومسار العولمة" الذي انتجه حوار اجراه مويزي معه وصدر باللغة العربية: اذا لم نرجع الى الحملات الصليبية فان التوسع الكولونيالي الاوروبي في كل القارات، ابتداء من القرن السادس عشر، هو الذي حدد بدايات العولمة المنتصرة اليوم امام اعيننا. وفي تاريخ اقرب الينا كانت هناك الحروب "العالمية"، وهي في الواقع توسيع النزاعات الاوروبية لتطاول كل العالم، والتي دفعت الولايات المتحدة الى لعب الدور الذي ما زالت تلعبه حتى يومنا هذا".
ويتابع فيدرين قائلا: "ان التقدم التقني في وسائل النقل - من البوصلة الى الصاروخ - وفي الاتصالات - من التلغراف البصري الى الانترنيت - وهي اشكال منصهرة اليوم لم تنفك ايضاً تلعب دور المحرك للعولمة، وربما هي محركها الحقيقي، فلقد زالت الحواجز ابتداء من ظهور الطائرة اذ صار ممكناً انتشار الاخبار في اللحظة اياها في الكرة الارضية جمعاء عن طريق وسائل تعصى عملياً على المراقبة. لقد ازيلت المسافات. ان العولمة اليوم هي ابنة التقدم التقني والمآسي المتلاصقة التي عرفها القرن العشرون".
ويقول رئيس الديبلوماسية الفرنسية ان الاعوام 1989-1991 التي سقط خلالها جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي، شكلت "النهاية الرمزية للعالم المنبثق& من الحرب العالمية الثانية& الي نهاية العالم الاميركي - السوفياتي الثنائي القطب. واذ رفض نظرية "نهاية التاريخ" التي اوردها فرنسيس فوكوياما ابدى فيدرين تأييدا جزئيا لما ورد في نظرية "صراع الحضارات" لصموئيل هنتنغتون عن مخاطر النزاع في مناطق الاحتكاك بين "الحضارات" الثماني الكبرى التي يحصيها "وها نحن اليوم امام حوالى 40 نزاعا، 20 منها في افريقيا"، لكنه أخذ على المفكر الاميركي "افراطه في القدرية".
ويحلل فيدرين ابعاد "العالم الاحادي القطب" فيشير الى ان الولايات المتحدة الاميركية "هي القوة العظمى الوحيدة، تفرض سيطرتها في كل الميادين: الاقتصادية، التكنولوجية، العسكرية، النقدية، اللغوية والثقافية". ويضيف: "هذا وضع لا سابق له: أي امبراطورية تمكنت من الهيمنة على العالم أجمع، بمن فيه أعداؤها؟ أضف اليه ان ذلك جاء ربما نتيجة مشروع مدبر عندما كانت الولايات المتحدة تهاجم الامبراطوريات الاستعمارية من "الطراز القديم"، وهي بالتأكيد ليس نتيجة مؤامرة. ان الاوروبيين هم الذين استدعوا الاميركيين الى القارة القديمة عام ،1917 ومن ثم عام ،1944 وقد استبقوهم فيها بعد 1945 رغم بعض التردد وعوارض انعزالية متكررة". ويشرح فيدرين اكثر فيقول "ان العولمة لم تأت نتيجة "مخطط" اميركي، حتى لو كانت الشركات الاميركية الكبرى دفعت في هذا الاتجاه، وهي تجني منه ارباحا طائلة. الحقيقة ان الولايات المتحدة تتابع سياسة "الباب المفتوح" التجارية التي انتهجتها "بريطانيا العظمى" في القرن التاسع عشر (أبواب الاخرين بالطبع!) وهي تجني منها فوائد كبيرة نظرا الى حجمها الاقتصادي الخاص، ولأسباب عدة أخرى: لأن العولمة تصنع بلغتها، لانها تتمحور حول المبادئ الاقتصادية الليبيرالية الخاصة بها، لانها تفرض معاييرها القانونية والحسابية او التقنية، لانها داعية الفردية، لانها تمتلك ايضا "القدرة الذهنية" التي يتحدث عنها الباحث والفيلسوف رينه جيرار، هذه القدرة على استثارة الاحلام والرغبات عند الاخرين بفضل تحكمها بالصور العالمية في السينما والتلفزيون، لأنه، ولهذه الاسباب عينها، يتوافد اليها الطلاب بأعداد هائلة من البلدان الاخرى لاكمال دراستهم".
لكن الصورة الوردية لا تكتمل على هذا المنوال، اذ يرى فيدرين "ان الولايات المتحدة تعاني المشكلات. وهناك قطاعات عدة، داخل المجتمع الاميركي تجد صعوبة في التأقلم وتبقى معارضة للسرعة المفرطة في تحرير المبادلات، كما تبين ذلك مؤخرا في تظاهرات سياتل ضد منظمة التجارة العالمية وتظاهرات واشنطن ضد صندوق النقد الدولي وفي نيويورك ايضا". غير ان وزير الخارجية الفرنسية يستدرك بالقول ان الولايات المتحدة "تبقى الاكثر افادة من العولمة، وبفارق كبير، مما يغذي نزعة الهيمنة والتقرير من طرف واحد، وهي نزعة كانت لمدة طويلة تلجمها انعزالية الشعب الاميركي، ولكنه توصل الى تخطيها".
وبعد ان يرسم فيدرين رأس الهرم للزعامة العالمية ينطلق الى تصنيف أحوال سائر الدول. فيتناول بداية "الدول الكبرى التي تمتلك بعض عناصر القوة، والعديد من عناصر التأثير على نطاق عالمي: فرنسا، بريطانيا، المانيا، روسيا، الصين، اليابان والهند". وبعد هذه الفئة من الدول يتطرق الى عدد من "القوى" ومنها: اوستراليا، اندونيسيا، البرازيل، المكسيك، افريقيا الجنوبية، نيجيريا، مصر، ايران، تركيا، اسرائيل، ايطاليا، اسبانيا، بولونيا. ولم يفت فيدرين التنويه بـ"بلدان اخرى تستمد مقومات نفوذها من انتمائها الى نادي الدول الثماني، مثل كندا، أو الى الاتحاد الاوروبي".
وماذا عن احوال سائر الدول التي لم ترد في هذا التصنيف؟
يقول فيدرين عنها: "بلدان عادية نوعاً ما، لكنها غالباً ما تكون في حال تبعية لغيرها دول عاجزة عن الممارسة الفعلية لسيادتها الرسمية، تعيش على المساعدات الدولية، وغالباً ما تقع فريسة القوى ما فوق الوطنية، شرعية كانت أم غير شرعية، والتي تعبث بها بعدما سمحت لها العولمة بالتضخم. فهذه الدول الصغيرة أو الميكرو-دول (بضع عشرات) هي ايضاً مشكلة، ولو ان هناك دولاً صغيرة مستقرة ومزدهرة".
&
التعليقات