&
خرجوا بعد ان ارتكبوا بعض الانحرافات بحق انفسهم وحق الآخرين ونالوا على ذلك الجزاء العادل.خرجوا وهم يطلبون من الله العفو والمغفرة ومن الآخرين النظر اليهم بعين الرحمة والرأفة من أجل مساعدتهم على تجاوز محنتهم والبدء بحياة كريمة..فهل يقبل المجتمع هؤلاء ام انه سوف يوجه اليهم بطاقة دعوة للعودة إلى ارتكاب الجرائم وذلك من خلال عدم مساعدتهم واعطائهم الفرصة؟!..وقدمت الدولة الكثير من الخدمات لهؤلاء اثناء تطبيق عقوبتهم ولم تقتصر تلك الخدمات داخل السجون بل امتدت تلك الرعاية لتشملهم بعد انتهاء فترة العقوبة وذلك من خلال القرار الوزاري القاضي بانشاء لجنة وطنية لرعاية السجناء ونزلاء الاصلاحيات والمفرج عنهم وأسرهم برئاسة وزير العمل والشؤون الاجتماعية.. حول هذا الموضوع كان لنا وقفة مع هؤلاء الذين نسوا ماضيهم وبدأوا حياة جديدة.* في البداية تتحدث (نورة محمد) قائلة: "لقد مررت بتجربة قاسية جداً ومهما اقول فإن ذلك لن يبرر تلك الاعمال التي قمت بها والتي ارجو من الله ان يغفرها لي ويقبل مني توبتي ويرضى عني سبحانه فلقد توفي والداي في حادث سيارة وانتقلت للعيش مع عمي وابنه ولقد احسن عمي تربيتنا رغم ان زوجته متوفية ومرت الايام وكبرنا حيث قرر عمي ان يزوجني من ابنه وبالفعل تم ذلك وبعد سنتين توفي عمي وبقيت مع ابن العم الذي صارحني ذات يوم بانه لا يريدني وانما قبل بي من أجل والده!! وتم الطلاق وعدت إلى منزل والدي محطمة وحيدة أنظر بعين خائفة للمستقبل وبدأت الحياة الصعبة حاولت كثيراً ان اجد عملاً ولكن دون جدوى لانني لا احمل شهادة وعندما سدت في وجهي الابواب لم اجد إلا ان أمد يدي لاشحذ قوت يومي وبالتالي لجأت إلى التسول هذه المهنة التي عرضتني إلى تحرشات الرجال المتواصلة والمدعمة بالاغراء المادي المريح إذا ما وافقتهم على ما يريدون.. في البداية كنت أرفض ولكن امام الحاح الحاجة والفقر وافقت .. وهكذا بدأت رحلتي مع الشيطان في ارتكاب المحرمات حيث تم القبض عليّ وسجني وجلدي وهناك في السجن عرفت معنى التوبة وتاقت نفسي إلى العيش الكريم وبعد خروجي من السجن قيض الله لي احدى السيدات الفاضلات التي عرفتني على السيدة التي اعمل الآن لديها حيث أخبرتها بقصتي كاملة حتى لا تسمعها من غيري".ثم صمتت قليلاً لتواصل قائلة: "كنت اتوقع ان تقوم بطردي ولكنها نظرت نحوي قائلة إذا كان الله يقبل توبة العبد فكيف لا اقبلها أنا فجزاها الله عني كل خير".سخط مستمر* "لست الوحيد الذي يقوم بذلك فأغلب الشباب والفتيات يفعل ذلك ولكن سوء الحظ كان رفيقي"..بهذه الكلمات الغاضبة استهل (فيصل عبدالله) الخارج حديثاً من السجن حديثه معنا.. وحول قضيته يقول فيصل: "تعرفت على فتاة عن طريق الهاتف وبعد فترة وافقت ان تخرج معي وكنت اتعمد ان تشعر بالأمان وهي معي حتى أكسب ثقتها كما كان الشيطان يرسم لي وذات يوم طلبت منها ان تخرج معي لترى الشقة التي سوف نتزوج بها وبالفعل وافقت بعد تمنع لأكتشف في الشقة بأنها فتاة ذات سوابق وأكثر من هذا انها كانت تحت المراقبة".ويتوقف ليتابع كلامه قائلاً: "في تلك الشقة ارتكبنا كل المحرمات قبل ان نفيق على رجال الحسبة وهم يقبضون علينا بالجرم المشهود حيث بقيت في السجن سنتين مع الجلد، وأنا الآن موظف في احدى الدوائر الحكومية ومتزوج ولدي طفلان اما الفتاة فلا اعلم عنها أي شيء ارجو من الله العفو والستر".عقاب متواصل* ناصر عبدالعزيز.. خيم الصمت خمس دقائق قبل ان يبدأ حديثه معي ليقول بمرارة شديدة: "لقد كنت لعبة في يد من هم أقل مني مستوى في التعليم والمركز المادي والاجتماعي فقد كنت موظفاً محترماً اتقاضى مرتباً شهرياً خمسة آلاف ريال وذات يوم قادني حظي العاثر إلى احد المقاهي على اطراف المدينة وهناك تعرفت على مجموعة من الشباب المرح والذين كان كل همهم اللعب والضحك.. أعجبني (الجو) الذي كانوا يعيشون فيه، ورغبت أن أصبح منهم لم أكن أعلم انهم أصدقاء سوء وانهم كانوا يضعون لي المخدرات في ابريق الشاي وبعد فترة صارحني احدهم انني مدمن فكأنما اصابتني صاعقة لم اصدق هذا الامر لكن عندما بدأت اتشوق إلى ابريق الشاي واتلهف على شربه عرفت انني مدمن حقاً وهكذا اصبحت اشتري منهم (الهيروين) حتى تدهورت حالتي وتم طردي من العمل كان كل همي ايجاد النقود حتى اشتري الجرعة ولكنهم رفضوا النقود وطلبوا مني ان اجلب لهم المزيد من الزبائن وبالتالي اصبحت مروجاً ولكن أجهزة الأمن كانت لنا بالمرصاد فقبضوا علينا وتم تطبيق العقوبة بكل واحداً منا.وبعد ان أنهيت فترة عقوبتي في السجن خرجت لاجد عقاباً آخر بانتظاري إذ تحول الموظف ذو الراتب الكبير إلى مجرد مستخدم في مدرسة براتب 1500ريال شهرياً تملؤه الحسرة ويقضي مضجعه الندم.لذة التوبة* بدأ (سعود مطلق) حديثه قائلاً: "باختصار شديد وبدون مقدمات عملت قبل سبع سنوات في التزوير حيث كنت ازور الاوراق الرسمية الخاصة ببعض المؤسسات وكذلك بعض العملات وكانت الأرباح المادية ممتازة ولكن الحرام لا يدوم حيث تم سجني وتطبيق الغرامة والتشهير بحقي أما اليوم فانا لدي محل للخضار وعلى الرغم من الربح القليل الا انني اشعر براحة لا مثيل لها".كانت هذه فقط هي كلمات سعود لكن رغم انه تعمد الاختصار إلا انه بدا حقاً راضياً بحياته الجديدة في ظل التوبة التي من الله بها عليه.أب شجاع* إذا كنا قد تعرضنا إلى قصص اخوة لنا انحرفوا ثم عادوا بعد ان قبضت عليهم السلطات الأمنية فإن قصة بدر قد تكون مختلفة قليلاً لان وراء توبته والده الذي كان شجاعاً بما فيه الكفاية لكي يحافظ على ما بقي في ابنه من آدمية ولو بأقسى الطرق وسنترك (بدر علي) يحكي قصته ليقول: "حدثت قضيتي قبل خمس سنوات حيث تم ادانتي مع اثنين بسرقة عشر سيارات لقد كنا نقوم بسرقة السيارة وبعد شهر نقوم بتفكيكها إلى قطع صغيرة وبيعها في (التشليح).يتوقف فترة ويواصل قائلاً: "قد لا تصدقين بأن الذي أبلغ السلطات عني هو والدي يحفظه الله بعد ان لاحظ تأخري وكثرة الاموال معي كانت تجربة مريرة ولكني استفدت منها والآن أنا أعمل معقب في الجوازات".انهيارات* عندما سمعت بخبر انهيار تلك البناية التي ساهمت في اصدار ترخيص بناء عرفت وقتها انني ايضاً سأنهار قريباً بهذه الكلمات تحدث الينا (بندر سلطان) وقال: "كنت موظفاً اعمل في البلدية تم طردي بعد ان سهلت مرور احدى المعاملات وهي عبارة عن رخصة بناء ثلاث طوابق بينما البناية لا تتحمل أكثر من طابقين كان ذلك مقابل خمسين ألف ريال، لم يتم كشف الامر الا بعد سقوط البناية حيث تم سجني اما الآن فلدي مكتب خدمات عامة واحاول ان ابدأ حياة جديدة نظيفة بعيدة عن الحرام".البيئة هي الأهم* ويشاركنا الرأي الدكتور عبدالله محمد الفوزان استاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود قائلاً: "الإنسان كائن جبل على الخطيئة كما جبل على الخير حيث يقول المولى عز وجل {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها} وتلعب البيئة التي يعيش في كنفها الفرد الدور الأكبر في استقامته أو انحرافه قال عليه الصلاة والسلام: "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"، وفي هذا دلالة نبوية على أهمية البيئة في تشكيل شخصية الفرد وما يصدر عنه من سلوك ففي البيئة الخيرة تسيطر على الفرد النفس المطمئنة وتصونه من اقتراف الذنب أو المعصية في حين تسيطر النفس الامارة بالسوء على الفرد حين يعيش في بيئة فاسدة ليندفع نحو ممارسة الفجور.. اذن السلوك الاجرامي وليد ظروف بيئية منحرفة تشجع على الجريمة، اما مسألة قبول التائب فهي مسألة جوهرية وبالذات في مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي تستقي من القرآن والسنة أروع معاني المغفرة لكنها للاسف نادراً ما تعمل بها على أرض الواقع حيث تجد البيئة تحفظ للفرد خطيئته اكثر مما تذكر له حسناته، إذاً الاحباط وخيبة الأمل لن يفارق حياة مثل هذا الإنسان الذي لم تشفع له توبته في العودة إلى وظيفته أو زوجته ان كان متزوجاً أو قبوله في حال خطوبته".وقال الفوزان: اعتقد اننا بحاجة ماسة إلى اعادة صياغة عقليتنا الثأرية وغير المتسامحة في التربية بحيث نربي ابناءنا وبناتنا على مفردات الصفح والعفو.(الرياض)
&
التعليقات