بعد نشاط ديبلوماسي سوري مكثف، شهدته الفترة القصيرة الماضية، خطب الرئيس بشار الأسد على مدرج جامعة دمشق، ليقول بما معناه، أن الغرب متأمر على سورية، وأن الحل هو في الصمود وعدم الأنحناء أمام المؤامرة.

هل هي المواجهة الأخيرة، ومع الأمم المتحدة والعالم كله؟ أم أنه الحل الوحيد الذي يمكن أن يقدمه الرئيس بشار، بسبب طبيعة الحكم الحالي وموازين القوى الداخلية، كنتيجة لرفض قاطع بإرسال المسؤولين الستة إلى لبنان ليتم التحقيق معهم من قبل لجنة ميليس؟

إذا كانت سورية بريئة من إغتيال الحريري، فلماذا، لم يتم التعاون مع اللجنة بشكل واضح وصريح في المرة الأولى، ولماذا، اصّرت الإدارة السورية على التعامل بشكل حذر مع اللجنة، لماذا لم يتم التحقيق بالأصل مع السوريين الستة بشكل عادي وطبيعي؟

هذا الحذر والرفض، ادى إلى اصدار قرار الأمم المتحدة، الذي يطالب سورية بالتعاون مع اللجنة. واليوم، تتباطأ ايضاً سورية في التعاون، لا بل يبدو أنها سترفض، مما دعا الرئيس إلى القاء خطابه، ووضع سورية في دائرة مشابهة لما كانت عليه العراق قبل الحرب؟

إن الرفض السوري الذي اعلنه الرئيس الأسد، يعني تفاقم الأزمة بين سورية والعالم، ويعني من منظور الأصدقاء "روسيا" و "الصين"، وبعض الدول العربية، عدم تعاون النظام السوري مع لجنة ميليس، مما سيساعد على أحكام الطوق واصدار الأمم المتحدة لقوانين جديدة قد تكون اصعب واقسى، وقد تبرر الحرب على سورية مستقبلاً.

هذا الوضع الحرج، لا يهدد النظام السوري بكيانه الحالي فقط، بل قد يهدد سورية كلها وما يتبع ذلك من تداعيات، لا احد يحب أن يتصورها قادمة، خاصة أن الصورة السوداء مازالت ماثلة كل يوم امام العالم في عراق مابعد الحرب.

ويطرح السؤال، هل يكفي خطاب من الرئيس بشار الأسد، للقيام بالمواجهة، وشد اللحمة مع الشعب السوري وقواه السياسية المغيبة. هذا الشعب المرهق بالأصل، من طبيعة النظام السوري، وألته الأمنية المحاصرة لكل نشاط سياسي خارج دائرتها. هل يكفي خطاب، لإصلاح ما كان ومازال يطالب به، كل ناشط، وكل مقيد وكل عاقل يحب سورية. أم أنه كان من المفروض أن يتم إجراء تغييرات جذرية، وليست صورية، للتحالف مع كافة هذه القوى السياسية والإجتماعية النشطة الممثلة للشعب السوري.

إن الوضع حزين وقلق، لأن ما قد يحدث في المستقبل، قد يكون خطيراً جداً على الداخل السوري، ولإنه في النتيجة لن يدفع فاتورة المواقف والأزمات الحالية والقادمة إلا الشعب السوري البطل. هذا الشعب الذي دفع ومازال يدفع نتائج ظروف قاسية جدّاً من طبيعة حكم غير قادر على رؤية ماحوله، في أن العالم قد تغير فعلاً، ولم يعد يصلح وبأي شكل أن يتم الحكم بنفس طرق المرحلة التاريخية السابقة لعصر الإتحاد السوفييتي.

ماهو الحل؟ وماهي الطرق الممكنة لإخراج سورية من مأزق لم تتعرض له أو تواجهه منذ عهد الأستقلال؟

هل يمكن لقوى الشعب السوري ان تفعل شيئاً وهي المقيدة والممنوعة من الحركة، إلا للخروج وتأييد المواقف "الوطنية" الرنانة وإطلاق الشعارات الخلابة. هل يمكن للسلطة السياسية أن تسمع لمن يخالفها الرأي من الداخل.

لماذا تم استقبال كمال اللبواني في زنزانة، هل لأنه قابل مسؤلين امريكيين؟ ألم تقابل السيدة شعبان، وتترجى وغيرها من المسؤلين السياسيين السوريين، أن يتم فتح الحوار مع امريكا، ألم تقول السيدة شعبان، أن الإدارة الأمريكية لا تعرف من تخاطب من السوريين؟ وتخاطب غير المهمين؟

ماهو معنى المواطنة السورية معنى الحرية والديموقراطية التي يدعيها النظام؟ وكم من مرّة ذكرت اطياف المعارضة السورية أنها لا ترغب بتحول سياسي قسري في سورية، بل ترغب بتغيير من قبل النظام نفسه، وقيام مصالحة وطنية لحماية سورية وشعبها، من الداخل والخارج.

لقد حذرنا في أكثر من مقال، وحذّر الكثير من السوريين بالسيناريو الأمريكي الجديد، المختلف ببصماته عن سيناريو العراق، لكن العقل الأمني لم يكن قادراً على التنبؤ بما كان سيحدث. وكان الإصرار على سلوك ومنهجية ذات وتيرة واحدة في الحكم، وفي التباطئ بالإصلاحات السياسية، وفي عدم القدرة على مقاومة الفساد، وفي صراع كان مستمراً حول مصالح الأجهزة الأمنية والعسكرية، وسيطرتها على النظام، مما أوصل سورية إلى ماهي عليه اليوم.

لقد سارعت القوى الوطنية السورية إلى القيام بمبادرات متعددة، باعلان دمشق للتغيير الديموقراطي، ومبادرة رياض الترك، وغيرها من المحاولات المطالبة بالتغيير الديموقراطي السلس. لكن النظام الحالي لم يكن قادراً على القيام بأية مبادرة باتجاه القوى السورية الأخرى. لإنه مازال مصراً على أنه قادر على حل الأزمة لوحده، وبنفس الأساليب والطرق التي كان يستخدمها بالسابق، أي المواجهة مع العالم، في عالم لم يعد كما كان عليه في السابق.

إن الوطن السوري في خطر، وبسبب تاريخ وسلوك سياسي معين، وبسبب عدم القدرة على التغيير بما يتطلب ومتغيرات العصر، وبسبب المشروع الأمريكي للشرق الأوسط.

سورية محاصرة اليوم وغداً، بسبب الرفض، على الأقل إلى اليوم، بإرسال المسؤلين الأمنين الستة للتحقيق معهم من قبل لجنة ميليس.

هل يمكن أن نقارن بمصلحة هؤلاء الستة، مقابل سورية وشعبها كله؟

هل هؤلاء الستة متورطين فعلاً بمقتل الرئيس الحريري، وعلى النظام السوري الدفاع عنهم لإنهم على رأس اجهزته الأمنية وبعض العسكرية؟

إذ كان النظام السوري برئ من مقتل الحريري، هل يمكن وأمام العالم كله تلفيق قصة مقتله وتلفيق كافة الوثائق والشهادات، على أن القتل حدث عن طريق جهاز لبناني وسوري؟

إذا كان خطاب الرئيس بشار الأسد، يعبر عن سياسة ثابتة اليوم، ويعبر عن عدم إرسال من سيتم استجوابهم إلى لجنة ميليس، فأن سورية، لا بد قد بدأت تواجه إمتحاناً صعباً حظوظها في النجاح مشكوك بها.

عندها ستكون سورية قد دخلت نفقاً مظلماً، أو حضرت نفسها للدخول به؟

كل مايمكن قوله في المهجر ومن موقع آخر، حماك الله ياسورية، حما شعبك المظلوم والمقهور، وابعد عنه أياماً سوداء تلوح في الأفق كالإعصارات الأمريكية المدمّرة.

د. فاضل فضة