يتناول الناس في أحاديثهم عبارات كثيراً ما تأخذ طابع الأمثال وكثيراً ماتكون صادقة ومن هذه الأقوال "إذا أرادت الحكومة أن تحرق كرت وزير فما عليها إلا أن توليه حقيبة وزارة العمل " فوزراء العمل عمرهم في هذه الوزارة قصير ويتضح ذلك من خلال المشاهدات في تاريخ أي وزارة عمل حول العالم، وكما أن من يتابع حركة تداول الأسهم ومؤشراتها يستطيع التنبوء بحالة النمو والكساد في الإقتصاد فمن يتابع حركة النقل والإقالة والإستقالة بين وزراء العمل يستطيع التنبؤ بما سيؤول عليه حال هؤلاء الوزراء فكان الله في عونهم.
ندخل في صلب الموضوع الذي نحن بصدده وهو التوصيات التي رفعها وزراء العمل بدول مجلس التعاون الخليجي وبالتحديد ماينص على الحد الأعلى لبقاء الأجنبي في دول المجلس والمقترحه أن تكون ست سنوات على أن يستثنى من القرار أصحاب التخصصات التي لايمكن الإستغناء عنها ولاتتوفر مواصفاتها في مواطنين يمكن أن يشغلوها ولكن ماهو الهدف من كل هذه الإجراءات ؟.
قد يكون من السذاجة الإعتقاد بأن الهدف من هذه التوصيات هي في إيجاد فرص عمل لمواطنين عاطلين عن العمل ولكن هناك أهداف كثيرة ومنها مايتعلق بالديموغرافيا ومنها مايرمي الى أبعد من ذلك بكثير وهي أهداف سياسية طويلة المدى قد لاتفيد الإقتصاد القومي على نفس المدى الطويل.
يتخوف الوزراء من تحول ديموغرافي كبير في حالة إستمرار العمالة الأجنبية للعمل في الدولة وتكاثرها طبقاً للسنن الكونية ولهذا يرغب الوزراء في التخلص من هذا التحول الديموغرافي وكأن من أهداف وزراء العمل ليس تحسين وضع وزاراتهم ولكن يخرج عن نطاق مسؤولياتهم المحصورة في العمل والعمال لما هو أبعد من ذلك ومن هنا ينبع مكمن الخطر في عدم نجاح أي وزير عمل أن يبقى مدة طويلة في موقعه لأن المسؤولية الملقاة على عاتقه أكبر من السلطة الممنوحة له والتي يتمتع بها كوزير.
يتخوف الوزراء من إتفاقيات قد تفرض عليهم لتوطين العمالة الأجنبية في بلادهم ولاسيما أن هناك توصيات الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمة العمل الدولية ومكتب العمل الدولي وغيرها.
ويتثمل دور المنظمات الدولية في تحقيق مباديء عامة تسعى لتحقيق العولمة في مجال الموارد البشرية وتوطين العمالة المهاجرة وهي أهداف متعارضة في أغلبها مع سياسات الدول وكأن الدول تجبر على التوقيع على الإتفاقيات الدولية لأن كثير من بنودها يتعارض مع أهداف الدولة المعنية ولهذا نرى جولات المفاوضات التي تستمر لسنوات قد تصل الى عشر سنوات أو أكثر ومن هنا تحدث المشكلة فالدول توقع على الإتفاقيات ولاتلتزم بها وتبدأ الخلافات والإتهامات بين المنظمات الدولية وبين الدولة المعنية وأحياناً تغض الطرف وأحياناً تصعد الموقف ومن أمثلة ذلك ماتتهم به دول مجلس التعاون بأنها تحرم العمالة الأجنبية من الحقوق والمزايا التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية.
ومن أمثلة تلك الإتفاقيات، الاتفاقية رقم 2 لمنظمة العمل الدولية والمسماة إتفاقية البطالة والتي إعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في دورته الأولي، بتاريخ 29 تشرين الأول/أكتوبر 1919 - تاريخ بدء النفاذ: 14 تموز/يوليه 1921 وهذا هو نص المادة 3 " تتخذ الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية التي تصدق علي هذه الاتفاقية وأقامت نظما للتأمين ضد البطالة -علي أساس شروط تتفق عليها الدول الأعضاء المعنية- ترتيبات تكفل للعمال الذين ينتمون لاحدي الدول الأعضاء ويعملون في أراضي دولة عضو أخرى، الحصول علي مزايا تأمينات تعادل المزايا التي يحصل عليها عمال هذه الدولة الأخرى".
إن منظمة العمل الدولية تحاول إيجاد علاج عن طريق مشاريع لمكافحة التمييز ضد المهاجرين وتحسين سياسات الهجرة ومساعدة البلدان الموفِدة لليد العاملة على الحد مما يقع من إساءات في عملية إيجاد الوظائف للساعين إليها من أبنائها، وإن التساوي في الأجر من الحقوق الأساسية التي تروّج لها منظمة العمل الدولية، ومبدأ الأجر المتساوي عن العمل ذي القيمة المتساوية إنما يعني أن فئات وأنواع الأجر يجب ألا تُبنى علي نوع الجنس بل على تقييم موضوعي للعمل الذي يؤدّى.
وهناك كثير من المباديء التي تنادي بها منظمة العمل الدولية،وهي أن تحترم المبادئ المتعلقة بالحقوق الاساسية التي تشكل موضوع هذه الاتفاقيات وأن تعززها وتحققها بنيه حسنه ووفقاً لما ينص عليه الدستور وهى : أ-الحرية النقابية والاقرار الفعلى بحق المفاوضة الجماعية ب-القضاء على جميع أشكال العمل الجبرى او الالزامى ج- القضاء الفعلى على عمل الاطفال د- القضاء على التمييز فى الاستخدام والمهنة.
وعود على ذي بدء نجد أن وزراء العمل يبذلون قصارى جهودهم ويحاربون على عدة جبهات لتحقيق الرفاهية للقوى العاملة ولكن في الوقت نفسه يواجهون أخطار ومشاكل كبرى تحتاج الى تضافر جميع الجهود في الدولة لحلها وكذلك تعاون رجال الأعمال وتعاون القوى العاملة والعاطلة عن العمل لتحقيق هذه الطموحات.
ومن هنا يبدأ تشعب المشكلة لتطال المسؤولية الجميع إبتداء من المؤسسات التعليمية التي ينبغي أن تتبنى إستراتيجية واضحة لإعادة تأهيل الموارد البشرية وإيجاد مخرجات التعليم التي تساهم بدور إيجابي لتلبية متطلبات سوق العمل وأن تتخلى عن ممارسة السياسات القديمة في القبول والتسجيل وأن تتمتع بحرية في طلب تخصيص الموارد الكافية لتوفير مقاعد كافية لجميع الخريجين والمواصلين تعليمهم.
هنا نستطيع القول أنه لابد من إعادة النظر في القوانين والأنظمة التعليمية التي مازالت تمارس الضغوط ضد المؤسسات التعليمية الخاصة بل وفي بعض الأحيان تمنع قيامها وهنا تبدأ تظهر على السطح مشكلة أكبر وهي عندما يهاجر بعض الطلبة الى الخارج لإستكمال دراستهم تبدأ مرحلة هجرة العقول الوطنية للخارج وكثير من الطلبة المبتعثين أبدوا رغبتهم في عدم العودة.
إذاً نحن نصدر العقول المبدعة للخارج ونستورد العمالة الرخيصة للداخل ونقتل مفهوم البحث العلمي وأهدافه وكأن الباحثين يرضعون من ضرع جاف لاتتوفر لهم الإمكانيات المادية ولاتوجد لهم إستراتيجيات واضحة والصناعات الوطنية ضعيفة كما أن ليس لها أي دور يذكر في تنمية وتطوير البحث العلمي وشباب المجتمع لايرغب في العمل ولايهتم بالبحث العلمي ولايوجد لهم مقاعد دراسية كافية ولهذا البحث العلمي ضحية من ضحايا المجتمع والدولة، والبحث العلمي ضحية حماية الصناعات الوطنية كما أنه ضحية السياسات التي تمارس التفرقة بين المواطنين والمقيمين ولهذا كثير من الدول تهجر العقول المستنيرة وتستورد الأيدي العاملة الفقيرة ودول هذه شأنها تقدم وزراءها كبش فداء لمحرقة الوزراء.


مصطفى الغريب

– شيكاغو