"وزراء يراجعون توصياتهم" كان عنواناً لمقال سابق كنا قد وعدنا فيه أن نذكر برأي المنظمات الدولية والتي ستستنكر هذه التوصيات بالطبع لأنها تتعارض مع ببعض مبادئها وتوصياتها بهذا الشأن ونود أن نلخص أهم ماجاء في مقالنا السابق بما يلي : لايوجد في دول مجلس التعاون أنظمة تأمين ضد البطالة رغم أنها من الدول البترولية الغنية، وتعرضنا الى أهم أسباب عدم قبول المواطنين للعمل في القطاع الخاص، وذكرنا أيضاً أنه ينبغي عند إصدار القرارات المحلية في دولة ما أن تضع بعين الإعتبار القرارات المثيلة بالدول الأخرى، ومدى قوتها في مواجهة التوجه العام للإقتصاد العالمي.

ذكرنا أيضاً أن هذه التوصيات التي صدرت عن وزراء العمل قد تجلب العداء لدول المنطقة من قبل أطراف عديدة ومنها المنظمات الدولية والمنظمات التي تعني بحقوق الإنسان، وتعرضنا الى موقف رجال الأعمال المعارض من تلك التوصيات والأضرار التي قد يتعرضوا لها من جراء تطبيق هذه التوصيات لأنها ستقضي على الخبرات الذاتية التي تسهم بنسبة كبيرة في نجاح أعمالهم وكتبنا لمحة عن مشاعر الضيق والقلق الناجمة عن قرارت لم تمنح الدراية والدراسة الكافية، وأنها ستؤدي الى نتائج عكسية على توظيف العمالة الوطنية، كما لم ننسَ أسباب إنخفاض توظيف العمالة الوطنية.

ورغم أن العمالة الوافدة لها آثار سلبية بجانب إيجابياتها الكثيرة وهذا الكلام من وجهة نظر وزراء العمل حيث يتم تركيزهم دائماً على مشاكل إقتصادية بسبب التحويلات الخارجية وبعض تقاريرهم تقول أن إجمالي التحويلات الأجنبية تصل الى أكثر من 25 مليار دولار سنويا، كما أن لها تأثير على بطالة المواطنين، والمشاكل الإجتماعية التي تؤثر على الهوية العربية والإسلامية والمشاكل الأمنية وعلى الرغم أنه لاتوجد نقابات أو منظمات مهنية تدافع عن حقوق هذه العمالة الوافدة إلا أن منظمة العمل الدولية ومنظمات حقوق الإنسان تنادي بمباديء المساواة بين البشر وتمنحهم الحق في تلقي أية رعاية طبية تكون مطلوبة بصورة عاجلة لحفظ حياتهم أو لتلافي ضرر لا يمكن علاجه قد يلحق بصحتهم وهذا غير متوفر في بعض دول مجلس التعاون.

وكثيراً ما يصعب على العمال المهاجرين أن يستقدموا أسرهم رغم أن هناك إتفاقيات تنص على أن تقوم الدول الأطراف بتيسير جمع شمل العمال المهاجرين الحائزين للوثائق اللازمة بأزواجهم أو بالأشخاص الذين تربطهم بالعمال المهاجرين علاقات قربى كما وتقرر الاتفاقيات أن لكل طفل من أطفال العامل المهاجر الحق الأساسي في الحصول على التعليم على أساس المساواة في المعاملة مع رعايا الدول المعنية.

وتتضمن الاتفاقيات أيضاً عدداً من الأحكام المحددة فيما يتعلق بالمعاملة المتساوية للمهاجرين الذين هم في وضع نظامي أو الحائزين للوثائق اللازمة للعمل والإقامة وإمكانية حصول ذويهم على التعليم والتدريب المهني وخدمات الصحة والإسكان والحقوق الثقافية، وحقوق الضمان والتأمين الإجتماعي الذي تنكره أو تستنكره بعض دول مجلس التعاون بعد ماكان مقرراً قبل حرب الخليج الثانية وإستفادت مؤسسات التأمينات الإجتماعية كثيراً من أموالهم وبقاءها ومشاريعها شاهد على أقوالهم.

الأوضاع المعيشية كثيراً ما تكون بالنسبة للعمال المهاجرين غير مرضية، فهم يواجهون مشاكل خطيرة فيما يتعلق بالسكن وعلى الرغم من إسهامهم في الضمان الاجتماعي فإنهم وأفراد أسرهم لا يتمتعون دائماً بنفس المزايا وإمكانيات الاستفادة من الخدمات الاجتماعية التي يتمتع بها مواطنو الدولة المضيفة رغم النصوص العديدة في الإتفاقيات على وجوب أن يتمتع العمال المهاجرون وأفراد أسرهم في دولة العيش والمعيشة (العمل)، فيما يتعلق بالضمان الاجتماعي، بنفس المعاملة التي يُعامَل بها رعايا تلك الدولة بقدر استيفائهم للشروط التي ينص عليها القانون أو النظام في هذه الدولة أو تلك.

أما حقوق حرية " ممارسة الشعائر الدينية " فحدث ولاحرج ناهيك عن حقوق إسترداد أموالهم المغتصبة أو حرية التعبير عن الرأي في الصحف المحلية وهنا ينبغي أن نذكر بأنه لابد من الإستفادة من التجربة الفرنسية الأخيرة التي أسفرت عن أعمال عنف غير مسبوقة بسبب التمييز وعدم المساواة كما يتعرّض العمال المهاجرون بصورة خاصة للعنصرية وكره الأجانب والتمييز ويظهر ذلك جلياً على أرض الواقع من خلال التعاملات اليومية ورفض دخولهم بعض الدوائر الحكومية لمراجعة معاملاتهم إلا من خلال معقب يحمل هوية البلد كما لايخفى ذلك على من يتابع الصحف اليومية ووسائل الإعلام المحلية.
وكثيراً ما يكونون هدفا للارتياب أو العداء في المجتمعات التي يعيشون ويعملون فيها، فربط الهجرة والمهاجرين ربطاً متعمَّداً بالإجرام هو اتّجاه خطير بوجه خاص يشجِّع ضمناً على العداء والعنف المدفوعين بمطرقة الكره الموجهه على الأجانب والحذر من التعامل معهم، إذ يجري تجريم المهاجرين أنفسهم، وهو ما يحدث بأكثر الأشكال مأساوية عن طريق توصيف المهاجرين الذين ليسوا في وضع نظامي - لأسباب تعود على ثغرات في النظام - بأنهم "غير قانونيين"، مما يضعهم ضمناً خارج نطاق القانون وخارج نطاق الحماية التي تتيحها سلطة القانون وقد حدثت أعمال عنف ضد تجمعاتهم التي كانت بداية شرارة الإرهاب في بعض دول مجلس التعاون.

ومن المعروف أيضاً أن عمالاً مهاجرين قد استُبعِدوا من نطاق الأنظمة التي تغطي شروط العمل وأنهم قد حُرِموا من الحق في الاشتراك في الأنشطة النقابية في العديد من الدول رغم أن هذه الدول قد وقعت على إتفاقيات تلزمهم بذلك، ولكن الإلتزام بالتطبيق ضعيف جداً، كما تنص الإتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم على أن يتمتع العمال المهاجرون بمعاملة لا تقل مراعاة عن المعاملة التي تنطبق على رعايا دولة العمل من حيث الأجر ومن حيث أوضاع العمل الأخرى وشروط الاستخدام.

كما يكفل عدد من الأحكام المحددة تلك الواردة في الاتفاقية للمهاجرين الذين هم في وضع نظامي أو الحائزين على الوثائق اللازمة الحق في حرية التنقل الذي لم يسمح به إلا قبل فترة قريبة جداً في بعض الدول كما أن أحكام الإتفاقية تعطي الحق للعمالة المهاجرة في تشكيل الجمعيات والنقابات والاشتراك في الشؤون العامة التي يحرم منها في معظم دول مجلس التعاون.

هذا ناهيك عن مواد أخرى في الإتفاقية التي تطلب من الدول الأطراف أن تضمن احترام الهوية الثقافية للعمال المهاجرين وأفراد أسرهم ولا تمنعهم من الاحتفاظ بوشائجهم الثقافية مع دول منشئهم وبعد كل ماتقدم ألا نستطيع القول بالجزم أن هذه الفئة حقوقها مازالت مبتورة.

مصطفى الغريب

شيكاغو