الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية؟ ( الحلقة التاسعة)

في "الحلقة الثامنة" من الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية؟ ذكرنا بعض المعلومات، ويمكن تلخيصها في مايلي : الأعمال الإرهابية في سيناء لن تكون الأخيرة، تنظيم شبكة القاعدة في سيناء وخشية مصر من المواجهة، ناشطي القاعدة تمكنوا من إقامة قاعدة لهم في غزة، مصادر مصرية تستبعد أي علاقة لمنفذي تفجيرات سيناء بالقاعدة، إتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل وأثرها على تفجيرات سيناء، العلاقات القسرية مع إسرائيل وإحتمالات وقوع هجمات مماثلة، إستراتيجية تنظيم القاعدة الجديدة، الدروس المستفادة من أحداث تفجيرات سيناء، الجدار الأمني في شرم الشيخ هل سيمنع هجمات جديدة والدروس التاريخية من بناء الجدر، الجدار النفسي العازل بين الحكومة ومواطنيها في سيناء.

وفي "الحلقة التاسعة" سنبحر في أفكار وخيال وأحلام إسرائيلية وعربية وأحلام قادة الجماعات المتطرفة حول سيناء التي تعتبر حجر زاوية مهم في مستقبل المنطقة العربية عموماً ومستقبل أبناءها ومستقبل اليهود أيضاً وماسوف يفيد القاريء الباحث عن الحقيقة وهو يدرس كل مايتعلق بهذا الجزء المهم من العالم.

فأحلام وزير الإسكان الإسرائيلي الذي يأمل ويتمنى أن تقوم مصر بتأجير جزء من شبه جزيرة سيناء للفلسطينيين‏،‏ حتى يقيموا دولة متصلة جغرافيا تبدأ في غزة وتنتهي في سيناء‏!.‏

ولن ننتهي بالقول أن ذلك ضرب من الخيال قبل أن نضعه محل بحث ونقاش وتأمل لأن دروس التاريخ مع إسرائيل تعلمنا أن كل شيء تحقق لإسرائيل من خلال حلم قادتها وزعماءها فالحلم يتحول الى هدف والهدف يتحول الى حقيقة بالتخطيط والعمل الدؤوب ولو على مراحل فيتحقق جزء ومن يتابع المسيرة ينجز الباقي، فإسرائيل نفسها كانت حلم هرتزل اليهودي النمساوي وأصبحت حقيقة لاينكرها إلا جاهل بل قوة مؤثرة في المنطقة وفي العالم بل وستكون هي بداية نهاية الكون.

‏والأمثلة على ذلك كثيرة ففي بداية الستينات كانت عشوائية القادة العرب تقول عن اليهود في البحر سوف نرميهم واليوم هناك من يعيش هذه العقلية في إيران الذي صرح مؤخراً لمحو إسرائيل من الخارطة ومازالت الوجبة العراقية ساخنة لم تبرد كعقاب لصدام عندما قال سنضربهم بالمزدوج.

ولنبدأ بدائرة إسرائيل الأوسع وما يحيط بها من دول جوار حاربت وتصالحت‏،‏ تخاصمت وتعاهدت‏،‏ قدمت التضحيات في صراع طويل ثم قدمت يدها لتصافح إسرائيل وتوقع على إتفاقيات سلام ‏.‏

وعندما يحلم وزير الإسكان الإسرائيلي فإنه يريد أن يتخلص من عقدة المقاومة الفلسطينية وعقدة تفجيرات طابا وشرم الشيخ التي أعادت إسرائيل الى المربع الأول وهي القضية الأمنية ولحماية الأراضي العربية المحتلة والحيلولة دون إعادتها الى أصحابها وإن إكتسبتها إسرائيل بتشريع دولي عام 1948م من خلال قرار التقسيم ولكن التشريع الأهم جاء بعد إنتصارات خمس حروب بدأت بحرب عام 1948م وحرب عام 1956م وحرب عام 1967م وحرب عام 1973م وإنتهت بحرب لبنان عام 1982م ناهيك عن المواجهات الكثيرة وعبر الحدود وبمختلف الأسلحة التي لم تتوقف مصانع إنتاجها وبيعها لتأجيج الصراعات بين الدول والجماعات.

إن عقدة الموقف بدايته‏ فهذه بداية العوامل التي تحكم علاقات إسرائيل بدول الجوار ويمكن تلخيصها في ثلاثة عوامل جوهرية وهي أطماع إسرائيل في الأرض‏ وكيفية الإحتفاظ بها،‏ قضية السكان‏ وكيفية إستقطابها وزيادتها،‏ قضية الموارد وكيفية توزيعها وإستثمارها لتحقيق الرخاء لشعبها، وهذه العوامل مبنية على إستراتيجية توازن القوة والسيطرة الإسرائيلية المدعومة أمريكياً وغربياً وعربياً وعالمياً ‏.‏

وإسرائيل مرتبطة بسيناء قديماً وحديثاً إبتداء بقصة الخروج والتيه التي ذهبت مع التاريخ ولكنها مازالت ماثلة أمام من يدرس التاريخ ويريد أن يحقق لإسرائيل أطماعها التوسعية إبتداء من قصة البحث عن دولة وكانت سيناء مرشحة لذلك في المشروعات الصهيونية ثم زحف الحلم شرقاً إلى فلسطين حيث التراث اليهودي وقصة البحث عن الهيكل المزعوم.

ورمال سيناء تشهد على الحروب الثلاث بين إسرائيل والعرب في العصر الحديث وإن كانت قد تواجدت في سيناء لمدة ست سنوات إستغلت فيها ثروات الأرض البترولية وغيرها، وأقامت مستوطنة ‏(‏ياميت‏)‏ وحاولت الاحتفاظ بها لكنها اضطرت ووفقاً للمعاهدة المصرية - الإسرائيلية إلى أن تزيلها وتنسفها قبل أن تنسحب ‏،‏ ثم حاولت أن تحتفظ بطابا وفشلت في ذلك عندما صدر ضدها قرار التحكيم الدولي ولكنها استطاعت - وعبر المعاهدة أن تضع ترتيبات أمنية لسيناء بحيث لا تكون مجالاً لحرب جديدة تهددها‏ إلا أن وعد الله بالنصر للمؤمنين سيقوض تلك الترتيبات الأمنية.‏

ما الذي تريده "إسرائيل" إذن من سيناء والذي تعبر عنه تصريحات وزير الإسكان وغيره؟‏ وماهي قصة إجتماعات وزير الدفاع الإسرائيلي والقيادات المصرية؟ وماهي قصة المبادرة المصرية حول المعابر؟ وماهي قصة حرس الحدود المصريين وعلاقاتهم في حماية حدود إسرائيل؟ وماهي حقيقة الزيارات المكوكية التي يقوم بها الوزير عمر سليمان؟ وماهي حقيقة أهداف إسرائيل تجاه سيناء؟ وهل إعادة إحتلالها هدف مطلوب يمكن تحقيقه في المدى المنظور أم هناك مخططات على المدى البعيد؟ وماهي أولويات إسرائيل في هذه المرحلة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي؟ ‏

أسئلة يصعب الإجابة عليها في عجالة دون الربط بين الكثير من العناصر المختلفة فالأولوية في "إسرائيل" أن تستقر أحوال الداخل ويتوقف الصراع مع الفلسطينيين‏،‏ لا أن تفتح جبهة جديدة‏،‏ ومع أكبر دولة عربية‏.‏

وقضية التوسع في الأرض محفوفة بالمخاطر ولا تشكل عنصر ضغط والزيادة السكانية والديموغرافية غير متحققة‏،‏ و"إسرائيل" تبحث عن سكان وليس عن أراض جديدة تحتلها والدول العربية لاتبحث عن سكان لتطوير أراضيها وإعمارها بل تعمل على تهجير الفلسطينيين المقيمين على أراضيها بحجة عدم ذوبان الهوية الفلسطينية التي سيصبح أهلها من فئة "البدون" إلا من هاجر الى الغرب وأصبح غربياً أو بقي في إسرائيل وأصبح إسرائيلياً ولكن لن يعود عربياً لأنه محروم من الجنسية العربية طبقاً لقوانين الجنسية المتشددة. ‏

في نفس الوقت فإن ما قد يحرك "إسرائيل" -وكما قلت هي قضية السكان وقضية الموارد وبالتالي ينصب الإهتمام على الموارد أولاً لتشجيع السكان للهجرة الى إسرائيل أرض الميعاد والتي نسميها أرض المحشر والمنشر ولانعمل على ذلك أما إسرائيل فتعمل جاهدة لتحقيق حلم أرض الميعاد وعليه يخطر على بالنا السؤال التالي هل تصلح سيناء لإشباع ما تحتاجه "إسرائيل" من نفط أو مياه أو ثروات أخرى؟ وماذا يريد الوزير الإسرائيلي‏،‏ أو غيره ممن يرددون الحديث عن سيناء إذن؟

عند هذه الجزئية ينبغي أن نتوقف قليلاً لننظر ماذا يعمل شارون وماهي السياسة التي يتبعها؟ ولاسيما أنه ينوي إقامة حزب جديد إسمه حزب كاديما، إنه يريد إستكمال سياسة الإبادة لكل ماهو كائن حي ليقتل البشر ويقطع الشجر ويدمر الحجر وينسف البيوت، لعل وعسى أن يكون ذلك كافياً - من وجهة نظره- للحصول على جائزة نوبل للسلام بعد أن يكون قد تمكن من تهجير الفلسطينيين طوعاً أو كرهاً من بلادهم للخارج‏.

بعد ذلك تأتي قصة دول الجوار‏،‏ فهل يذهبون الى لبنان أم الى الأردن أم الى التيه في سيناء كما تاه اليهود فيها من قبل وكثيراً مانسمع عن رفض أي مخططات من هذا النوع‏ قولاً وليس عملاً، أم يذهبون الى مصر، أم يذهبون الى العراق حيث يجري التخطيط للتوطين الواسع لهم - كما تدعو الدراسات - في الهضبة الوسطى العراقية التي تعاني ندرة سكانية نسبية أو إلى الشمال العراقي حيث هاجر اليهود قديماً؟‏.‏

الآن‏،‏ تقف "إسرائيل" على الحدود عاجزة حتى أن ترسل سياحها الى سيناء الذين ارتادوها كثيراً‏،‏ وعاجزة عن تشغيل المنفذ المؤدي الى مصر في سيناء بعد إنسحابها تحت مسمى إعادة إنتشار أوعبر ميناء إيلات حيث لعب العامل الأمني وكراهية العرب للإسرائيليين الدور البارز في طرد السياح الإسرائيليين من شبه جزيرة سيناء ‏.‏

لهذا جاء بيان قيادة وحدة مكافحة الارهاب التابعة لمكتب رئيس الوزراء أرييل شارون بمطالبة السياح الاسرائيليين بمغادرة سيناء لأنهم مهددين من ثلاثة منظمات: خلايا القاعدة، وخلايا مرتبطة بمنظمات فلسطينية، وخلايا محلية تابعة لاسلاميين مصريين يجندون عناصرهم بين بدو سيناء حسب البيان الإسرائيلي.

الأمر الذي يجعلنا بحاجة الى المزيد من القراءة والتحليل لندرك الإجابة على سؤال : هو مازال ماثل أمامنا : الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية؟

مصطفى الغريب

شيكاغو