في وقت استجابت فيه دول العالم استجابة فاعلة للإنذار الصادر عن منظمة الصحة العالمية بضرورة اتخاذ كافة الاحتياطات لتحصين أراضيها من عدوى انفلونزا الطيور القاتل، يبدو أن هناك عدوى أشد خطرا و أكثر واقعية لم تحسب له الكثير من الدول حسابا مستقبليا جادا و هي انفلونزا الفقراء. فبينما لا تزال صورة باريس و هي تحترق بنيران الغضب عالقة في الأذهان فوجئ المجتمع البحريني خصوصا و الخليجي عموما بأحداث الشغب في المنامة (و إن على نطاق ضيق) في تكرارمقلق لنمط العوارض ذاته خلال فترة فاصلة بين الحدثين لم تتجاوز الشهر. فإذا ما حللنا الأحداث ضمن رؤية شاملة للظاهرة الباريسية، وسعنا القول أن الدول الأكثر عرضة لالتقاط العدوى هي ليست الدول الفقيرة، بل الدول المقتدرة التي تضم في نسيجها الإجتماعي فئات تعاني من البطالة، الاضطهاد الإجتماعي و الصراع الذاتي على تحديد الهوية و الانتماء. فإذا ما اجتمعت أوجه تلك المعاناة عند فئة بعينها شكلت حينئذ ثالوثا محوريا لانطلاق شرارة عمليات العنف المحلي و الإخلال بالأمن و الإقتصاد الداخلي مما قد يودي في حال خروجه عن السيطرة الى مواجهات دامية بين أطراف داخلية أقرب ما تكون إلى الحرب الأهلية. فإن كان هذا واقع الأمرو مسبباته، فهل بإمكاننا إدراج الكويت ضمن لائحة الدول المهددة بانتقال ليالي شغب باريس إليها؟ الجواب نعم و الفئة quot;المغبونةquot; في النسخة الكويتية هي فئة البدون.
في البداية لا يمكن لأي شخص أن ينكر أن قضية البدون قضية إنسانية شائكة و معقدة و الدخول في دهاليز معالجتها لا يقل تعقيدا، إلا أن هذا لا ينفي مدى خطورة الإبقاء على الوضع كما هو عليه. حتى إن كان للدولة هواجسها المبررة فيما يتعلق بمخاوف أمنية من توظيف سياسي خارجي محتمل للبدون ( خصوصا بعد تجربة الغزو العراقي للكويت) و مخاوف اجتماعية من اختلال في تركيبة المجتمع الكويتي في حال تجنيسهم، فإن اتباع سياسة الضغط حتى درجة الحرمان من حقوق مواطنية أساسية كالتعليم و الصحة و العمل على مدار خمسة عشر عاما لم تقض على تلك الهواجس. بل عوضا عن ذلك خلقت مشروع أزمة داخلية نتائجها لا تقل خطورة عن نتائج أي عدوان خارجي. فما حصل أن جيلا كاملا من الشباب يعاني الآن من البطالة و انعدام فرص العمل في بلد غني يعيش فيها أبناؤه حياة ظاهرها الترف و الرفاهية. و معرفة هؤلاء الشباب أن ما يعانونه من بطالة هو ليس نتيجة وضع اقتصادي عام يطال الجميع بل نتيجة سياسة داخلية موجهة ضدهم، أيا كانت الأسباب و المبررات، من شأنه أن يولد لديهم إحساسا عميقا بالاضطهاد والقهرو فقدان العدالة الإجتماعية. و مما يعمق هذا الإحساس هو إيمان هؤلاء الشباب أنهم حقيقة أبناء هذا الوطن و بالتالي ينتمون إليه كما ينتمي إليه أقرانهم من quot;الكويتيينquot; سواء اعترف الآخرون بذلك أم لا. و كيف لا يؤمنون بذلك و هم لا يعرفون لأنفسهم وطنا غير الذي ولدوا و عاشوا فيه و لا وطنا بديلا لديهم يعودون إليه إذا ما ساءت الأمور.
بناء على ما سبق يصبح هؤلاء الشباب عرضة لتنفيس غضبهم و يأسهم المتراكم عبر السنين في أي لحظة. قد تأتي هذه اللحظة بشكل عشوائي نتيجة حادث عرضي يطلق شرارة الإنفجار، أو نتيجة تخطيط مسبق في وقت حرج تسعى فيه مجموعات إرهابية متطرفة إلى الإخلال باستقرار الدولة عن طريق تجيير يأس هذه الفئة لصالحها و إثارة نقمتها على المجتمع و الدولة. في كل الأحوال إذا ما جاءت اللحظة فلن يكون بالإمكان التكهن بعواقبها إذ سيتوقف ذلك على طبيعة الظروف المحيطة بها وقتئذ. فإذا ما أرادت الدولة أن تتبع منطقquot; الوقاية خير من العلاجquot; فمن المستحسن أن تبدأ بإعطاء هؤلاء الشباب شيئا يعزز من انتمائهم و ولائهم لمصلحة الوطن و أمنه على الرغم من كل الإشكاليات المتعلقة بقضيتهم ابتداء من فرص جدية للعمل، حق التعليم و التأمين الصحي. إذ لا مواجهة أسوأ من مواجهة من ليس لديه شيئا ليخسره.
فهل تتحصن الكويت ضد عدوى انفلونزا الفقراء؟
من يدري?


إيمان أسعد
[email protected]