الحلقة الثانية


ذكرنا في الحلقة الأولى أن الهجرة ستبقى قائمة مادام الظلم قائم وفيمايلي ملخص أهم ماجاء فيها : إن الحرب على الإرهاب هي بداية إنتشاره وإزدياد وتيرته، بعض القوى السياسية إستثمرت الحرب على الإرهاب لصالحها لأسباب إنتخابية وعنصرية، إن مبدأ المسئولية في الحساب والعقاب نابعة من الإستقلالية لهذا الإنسان وهو مأمور بالهجرة، وأن الإنسان قد يكون ظالماً لنفسه، وأن من يتحمل الظلم، ويرضخ له ويكون سبباً في ظهور فئة مستكبرة ومتجبرة ومتعالية وطاغية وظالمة في المجتمع، وأن الإنسان مأمور بمقاومة الظلم أو يهجر الظلم بالهجرة الى بلاد الله الواسعة، الأحداث الأخيرة في فرنسا أسهمت في دفع المشكلة للظهور، كيف عالج الإسلام هذه المشكلة.

وفي هذه الحلقة سنتابع العودة إلى الحالة اليونانية لنجد أن بعض نواب البرلمان يساندون هذه الحقوق ويعتبرون ذلك خطوة جوهرية في المساندة في الأعمال المؤسساتية والبعض الآخر يشترط الحصول على الجنسية للتقدم الى الإنتخابات البرلمانية.

وبعد الحالة اليونانية ننتقل الى الحالة الفرنسية فقد تظاهر آلاف الفرنسيين تضامناً مع المهاجرين على الرغم أن شرطة مكافحة الشغب تسد الطريق أمام آلاف الأشخاص الذين قاموا بسلسلة من الإحتجاجات مطالبين بإعطاء المهاجرين تصاريح إقامة ومطالبين بتغيير القوانين المتعلقة بالهجرة حيث أن وزارة الداخلية ترفض إعطاء تصاريح الإقامة لكل من يطلبها حيث تتبنى دراسة كل حالة على حدة ومن هنا نشأت نفس الإستراتيجية عند بعض الدول العربية فيما يتعلق بقوانين الإقامة والجنسية متناسين أو متجاهلين الحلول الإسلامية لمثل تلك الحالات.

ولم يجعل الله في النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ضعيفا وقويا، وإنما الانسان هو الذي يأذن للآخرين أن يستدرجوه الى الضعف، ويسلبوه إرادته وقوته وصموده وكفاءاته وإمكاناته، فيكون مستضعفا وليس ضعيفاً وليس في النظام الاجتماعي ضعف وقوة، ولكن في هذا النظام إستضعافاً وإستكباراً، وأحدهما يستدعي الآخر.

ولكي تفرض الفئة المستكبرة في المجتمع نفسها وولايتها على الناس، وتفرض عليهم الطاعة والتبعية لابد لها من إتباع سياسات تستطيع من خلال تطبيقها الى تجريد الناس من الكفاءات والمقاومة والقيم والمعرفة والإبداع التي وهبها الله لهم، وعندها يتحول الناس الى كتلة بشرية لا تصلح الا للطاعة والتبعية المحضة حتى تعطي نسبة 99.99% في الإنتخابات إن وجدت إنتخابات أو لاتتبنى طرح الإنتخابات أصلاً.

هذه الكتلة البشرية تقبل الظلم على نفسها فتكون ظالمة لنفسها رغم أنها مظلومة وتتبع وتنفذ الأوامر من غير نقاش ومراجعة وكأنما ولاة الأمر ليسوا من جنس البشر فلا أخطاء لهم، وهذه الحالة من التقويم الانساني تساعد الفئة المستكبرة على الظهور والبروز، وهكذا نجد أن العلاقة بين الاستكبار والاستضعاف علاقة جدلية quot;تبادليةquot;.

إن الإستكبار سبب كل فساد في النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في حياة الناس، فالناس اذا فقدوا القدرة على المقاومة للظالم، فليس البديل لذلك الرضوخ والاستسلام سوى الهجرة، والابتعاد عن دائرة نفوذ الظالم، وهي حقيقة قرآنية ذات أهمية كبيرة في حياة المؤمنين، وخلافها شذوذ وإستثناء، والاصل أن أرض اللّه واسعة ينبغي أن نهاجر فيها.

ومهما تشددت الحكومات إزاء قوانين الهجرة الجديدة وطالبي اللجوء فإنها لن تستطيع أن تقضي على الهجرة تماماً ورغم أن الكثير منها تبنى قوانين جديدة تحد من فرص قبول طلبات اللجوء إلا أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومقرها جنيف إنتقدت القوانين التي تبنتها بعض هذه الدول.

وهناك صعوبات تعترض طريق هذه القوانين وأن عمليات حصر عدد الأجانب الحاليين وتحديد أماكن إقامتهم وتشديد الحراسة على الحدود وفرض رقابة صارمة على التأشيرات السياحية الممنوحة وإرتفاع الأصوات المعادية للأجانب كل هذه الأشياء لن تمنع الهجرة وسيتوالى المهاجرون رغم وقوع ضحايا بينهم من سوء تعامل الشرطة معهم عندما يتم إلقاء القبض عليهم.

إلا أن مايخفف من هذه المعاناة هي وقوف جمعيات حقوق الإنسان الى جانبهم كما أن القضاء العادل والنزيه يعطي الحق لطالبي اللجوء بإستئناف الحكم الصادر ضدهم لإثبات عدالة قضيتهم، ورغم ذلك تعمل الدول الأوروبية ثم ستتبعها الدول العربية على إنشاء مركز معلومات مشترك بشأن تأشيرات الدخول لمكافحة الهجرة السرية بطريقة أشد فعالية ويسعون لتوحيد قوانين الهجرة واللجوء ومكافحة التزوير عبر المعلومات المتعلقة ببصمات الأصابع أو قزحية العين في الوثائق والبدء في تطبيق سياسة إعادة المتسللين الى بلدانهم.

وتتعارض المصالح بين الدول بشأن طالبي اللجوء واللاجئين فمثلاً يعتبر مخيم سانجيت شمال فرنسا أحد المنغصات لبريطانيا في قضية اللجوء وهناك محادثات بين بريطانيا وفرنسا عن الهجرة بخصوص محاولات طالبي اللجوء الهروب الى بريطانيا وهذه المحادثات أسفرت عن مطالبة بريطانيا بإغلاق هذا المعسكر الذي يقع في سانغيت (قرب مدينة كاليه على الجانب الفرنسي من القنال) وتعتبر بريطانيا إن معسكر سانغيت يمثل شوكة في خاصرتها يستخدمه المهاجرون للتسلل إليها.

وتسبب هذا المعسكر في توتر العلاقات بين البلدين ووزارة الداخلية البريطانية تأمل بإغلاقه وتعتبر أن ماتقوم به الحكومة الفرنسية غير مشجع الأمر الذي دعى وزير الداخلية الفرنسي أن يقول إن بلاده ترغب في إغلاقه، كما قامت فرنسا بإبلاغ اللجنة الأوروبية أنها تحتاج إلى أشهر قبل القيام بخطة الإغلاق إلا أن البريطانيون يشعرون بالغضب إزاء التهاون الفرنسي في السيطرة على هؤلاء المهاجرين وإبقائهم داخل المعسكر.

ورغم كل تلك الإجراءات إلا أن بعض الدول الأوروبية أقرت بفشلها في مواجهة الهجرة غير المشروعة وأول هذه الدول هي فرنسا التي أقرت بالفشل ولم تنجح في زيادة أعداد المبعدين كما وعد بعض وزراءها، وهناك مصاعب تعترض تطبيق القوانين الجديدة ومنها صعوبة الوصول الى عنوانين المطلوبين، وصعوبة تحديد جنسية من يجري إحتجازهم، وعدم وجود أماكن كافية للإحتجاز، ومصاعب تكتنف فكرة الإبعاد، وإستحالة تحديد عدد المهاجرين بصورة غير شرعية بشكل دقيق لأنهم لا يخضعوا للتسجيل من جانب أي جهة إدارية، ورغم القيام بدوريات مشتركة على الحدود.

وتناضل جمعيات حقوق الإنسان من أجل الدفاع عن حقوق هؤلاء المهاجرون كما أن البرلمان الأوروبي يدعو للتمسك أكثر بمعايير حقوق الإنسان من خلال توحيد السياسات إزاء طالبي اللجوء ومنهم من ذهب أبعد من ذلك حيث دعوا الى مقاضاة الحكومات إذا لم تحترم حقوق الإنسان منادين بأن تتماشى القوانين الجديدة مع معايير إتفاقية جنيف بخصوص اللاجئين لعام 1951م.

وتنص بعض تلك المعايير على حماية الأشخاص الذين هربوا من بلدانهم دون أن يتمكنوا من أن يحملوا معهم وثائق سفر أو هوية، وعدم إعادتهم عنوة إلى الدول التي كانوا يعانون فيها من الاضطهاد، وتساعدهم المفوضية على العودة إلى أوطانهم حين تسمح الظروف، وتساعدهم على الاندماج في دول المأوى، وتساعدهم على إعادة التوطين في دولة ثالثة، وتقدم المساعدة للدول لإرساء هياكل اللجوء السياسي، وتعمل كمراقب دولي لقضايا اللجوء.

وقد يتصور المهاجرون أن الهجرة تسلبهم أهلهم وذويهم ومواقعهم الإجتماعية وأعمالهم الاقتصادية وأصدقاءهم ومستقبلهم، حيث يبني الإنسان حياته ومستقبله في وطنه الذي يعيش فيه، فاذا هاجر الى ديار أخرى، ليس له فيها أهل ولا أصدقاء، ولا عمل، ولا معرفة ولا علاقات، إلا أن خالق هذا الإنسان يفتح لهم في الهجرة آفاقا جديدة لم تكن تخطر لهم على بال، ويعوضهم عما فقدوه بأصدقاء، ومواقع إجتماعية جديدة، وأعمال إقتصادية ناجحة، وآفاق جديدة تعوضهم عن حرمان فقدان الأهل لذا ستبقى الهجرة قائمة مابقي الظلم قائم.


مصطفى الغريب

شيكاغو

الحلقة الاولى