العراق يعيش مخاطاً عسيراً و يزدحم مشهده اليومي بالأحداث الهامة. هذا هو حال بلد ماتزال الأمور فيه غير واضحة. ربما كان الخطاً من البداية. و البداية هنا كانت دوماً محل خلاف في النقاش حول مستقبل العراق: أي هل كان الخطاً في غزو العراق و إسقاط نظام حكمه ؟ أم أن الخطاً تمثل في التخطيط لمرحلة ما بعد صدام؟. نقاش سوف يكلف كتاب التاريخ في المستقبل إستهلاك الحبر و الورق ماطاب لهم.
كانت قضايا الأمن و الإستقرار، دائماًً، مدعاة للخوف و التوجس من المستقبل عندما تأخذ الأولوية القصوى و تزيح القضايا الأخرى الى غرفة الإنتظار. يعيش العراق، اليوم، حال كهذا حيث لم تشفع العملية السياسية بمحطاتها الأساسية للشعب العراق حياة أفضل. لا الأمن تحقق و لم تلقى كذلك معيشة المواطن العراقي أي إهتمام و بقي السؤال ماثلاً : الى أين يسير العراق؟
العراق بشكله و تكوينه الجديدين يتجه الى، ما يخشاه الجميع، الى الحرب الاهلية. هذه هي النتيجة المحتملة و التفاصيل تكمن في البداية، عندما قررت أدارة الرئيس بوش خوض حربه في العراق. جيوش الحلفاء إستطاعت إسقاط نظام صدام في لمحة بصر، حيث سارت الأمور بشكل طبيعي في البداية بإستثناء عمليات النهب و السلب التي تعرضت لها دوائر و مؤسسات الدولة العراقية و التي لم تحرك القوات الأمريكية حيالها ساكناً و بدأت فيما بعد مسلسل و فصول الأخطاء لم تكن أقلها حل الجيش و الشرطة العراقيين، الأمر الذي أدى فيما بعد الى تحرك الأحزاب و القوى السياسية العراقية صاحبة المليشيات و الأذرع العسكرية الى شغل الفراغ الناتج عن حل الجيش عوضاً عن التفرغ للسياسة و إدارة الدولة و بدا مع هذا الوضع أن الفوضى هي التي ترسم مستقبل هذا البلد.
لا شك أن العملية السياسية الجارية في العراق سوف تفضي الى نتيجة ما، سواءاً أكانت من خلال سيطرة طيف ما في المجتمع العراقي على الحياة السياسية و الإجتماعية في البلاد أو من خلال الوصول الى توافقات و توازنات هشة معرضة في أية لحظة للإنفراط لسبب ما، و ماهي أكثرها في العراق، وكلا الإحتمالين يشير بشكل أو بأخر الى إشكالية المشهد العراقي التي تتمثل في أن كل طيف ومكون في المجتمع يريد تحقيق ذاته بشكل تصادمي مع الطرف الأخر أو الأطراف الأخرى مجتمعة. فتاريخياً لم يكن من السهل دائماً الحفاظ على دولة متعددة القوميات و الأطياف الدينية و المذهبية، صنعتها ظروف و أحوال مرحلة من التاريخ، و العراق في هذا السياق لم يكن إستثناءاً نظراً لفصول العنف التي توالت عليه منذ نشوءه في عشرينات القرن الماضي.
و في ظل النتائج الأولية للإنتخابات العراقية يظهرالإصطفاف المذهبي بوضوح على أشده. فالارقام الفلكية التي أعلنتها مفوضية الإنتخابات لصالح laquo;الإئتلاف العراقي الموحد raquo; و خاصة في العاصمة في بغداد تزيد من المخاوف و الهواجس في الشارع العراقي من تأثير هذه الإنتخابات أو النتائج التي ستتمخض عنها على مستقبل البلاد و خاصة في قضايا الأمن و الإستقرار سيما و أن العديد من الكيانات و القوى السياسية العراقية شككت في صدقية النتائج الأولية و وصلت الى حد وصفها ب laquo; لعبة النار raquo; و الأنكى من كل هذا و ذاك أن تؤدي نتائج الإنتخابات العراقية الى إستنكاف العديد من الكيانات الرئيسية في العراق عن المشاركة في الحكومة المقبلة الأمر الذي سوف تزيد الأمور تعقيداً و خطورة و ربما يدخل البلاد في فراغ سياسي يؤثر على إستقرار البلد.
و ما يزيد الطين بلة أن هذه الإنتخابات من المفترض أن تؤدي الى تشكيل حكومة عراقية دائمة و بالتالي كان يؤمل من مشاركة السنة فيها أن تؤدي الى إعادة التوازن الى الخارضة السياسية في البلاد من حيث مشاركة جميع أطياف و مكونات الشعب العراقي في البرلمان و بالتالي هي فرصة لدمج المعارضين في العملية السياسية و تأمين مشاركتهم في مستقبل العراق السياسي و الإستراتيجي.
أما و أن يستمر الوضع على ما عليه و يسفر عن هيمنة الإتجاه الشيعي و خاصة تلك المرتبطة بالمرجعيات الدينية و الحوزات الحسينية على البرلمان فإن ذلك من شأنه أن يزيد من تصلب المعارضين و موقفهم المشكوك في العملية السياسية خاصة و أن البرلمان الجديد سيكون قائماُ لأربع سنوات و هي المدة التي تحتاجها على أقل تقدير أية حكومة عراقية للإنتهاء من بناء القوات المسلحة و قوى الأمن و الشرطة التي تقع عاتقهم شغل مهام تأمين الحماية للدولة الجديدة و المواطنين العراقيين و العملية الديمقراطية برمتها.
لهذا ليس من قبيل التشائم القول أن العراق يعيش مرحلة صعبة و خطرة للغاية و تسير الأمور فيه عكس ما تشتهيه طموحات الشعب العراقي و قد تفضي الى تزايد الشروخات و الإنشقاقات في المجتمع العراقي و يضع العراق على فوهة بركان خامد قد تنفجر في أية لحظة إذا حدثت أية إرتجاجات من الأسفل تفضي الى تدافع وخروج الحمم الكارثية على الجميع.

زيور العمر