بأزاء المواقف العدوانية الغارقة في ديماغوجيتها وأنحطاطها الفكري والأخلاقي التي يواجه بها أغلب المثقفون العرب مثقفي العراق ونخبه الفكريةhellip; تبرز بين حين واخر أصوات عراقيه تدعوا هؤلاء بحسن نية للنظر بعين الرحمة والشفقة لأحزان العراقيين ومحنهم وكوارثهم المديدة، ومن غير شك أنا أعني هنا المثقفين العراقيين الذين لم تتعطل بوصلة أنتمائهم يوما وظلت عيونهم ترنوا إلى جراح الوطن فلم تتلوث أياديهم يوما بعطايا القائد الضرورة أو بقايا فضلاته المنتشرة كدود الأرض هذه الأيام.
معذرة أولا لأن الحديث عن أرامل وأيتام صدام حسين بات مكررا، لا يبعث في النفس غير القرف والغثيان. غير أنني كلما قرأت حرفا يخطه كتبة السلاطين الموتورين هؤلاء بأستفزاز مقزز لمشاعر شعب عربي لم يتوان يوما عن نصرة قضايا أمته العربية، وقارنت بينه وبين الخطاب الانهزامي لأقلامنا العراقيه، يرتسم في ناظري من جديد غضب هذا العراق الذي ساهم أخوة يوسف باستماتة في ذبحه من أقصى الروح الى أقصاها...
والسوأل هنا: هل اللوم والعتاب والأخوانيات لا يزال لها من جدوى للوقوف بوجة نخب سلطوية تدعي الثقافة وهي ليست ألا مداميك فاعلة لأنظمة قاتلة استباحت دماء شعوبها ولا تزال؟ وألا أي مثقف هذا الذي يتواطئ مع ألديكتاتورية والاستبداد ويلوي شعاره السياسي في هذا الظرف أو ذاك ليساهم في تكريس خرابه وإعادة إنتاجه من جديد؟ أليس الرجم بالحجارة أولى من سلال الورد وعناقيد الدموع التي نثرناها بين أيدي هؤلاء المسوخ دون طائل طوال الثلاث عقود الماضية؟
أدرك ولاشك أن طرحي لا يتسق مع حرية الرأي، ولسنا نصادر حق أحد في التعبير، فقد كان هذا الحق هو خلافنا الأول مع طاغية العصر الذليل.. أنما ما بالهم لا يمنحونا الحق ذاته والفرصة عينها، بل يكيلون لنا شتائم التخوين والكفر والألحاد بربهم ألأعلى: صدام الفرد الواحد الأحد... لأننا لم نرض هذه المرة ndash; كما في كل مرة -- أن نذبح حتى أخر رضيع، فقط لتظل ديارهم عامرة بالأفراح والليالي الملاح hellip;لماذا يضعون شعبا كاملا تحت مقصلة أنوياتهم المريضة، ونزعاتهم التي هي دونما شك نزعات أنظمة توتاليتارية أصابها الرعب لمرأى بطل المقابر الجماعية، العاري حتى من ورقة التوت، والذي كشف عن حفاري قبورها الجماعية... لم يخيروننا فقط مابين الاحتلال الامريكي و مقاومتهم quot;الشريفةquot;... ويضعون أنفسهم مرجعية أولى وأخيرة للعراقيين، كأنما قد عدمنا مرجعياتنا الفكريه والسياسية والدينية؟!
ليس لنا من بد الا تسمية الأشياء بأسمائها، لن ينفع بعد اليوم هذة السكينة المتوارية خلف شعارات مستهلكة دفع وطننا وشعبنا الغالي والنفيس جرائها hellip; ليس من بد سوى تسميتهم بأسمائهم وإلصاق الصفة التي يستحقون: بضعة نكرات تعيش كما العلق على الدم العراقي... ليس من جدوى سوى الصراخ بوجوههم القميئة: أخرسوا: أن أصواتكم تفتح جرحنا على مداه hellip;
وألا بربكم هل ثمة عاقل بعد الان يمكن أن يعزوا مواقف هؤلاء الى العمى السياسي وحده، بعد كل هذه الفجائعية التي صارت هوية ثانية للعراق، وبعد هذه الهولوكست التي اجترتها أنامل فرسان ألعوجه؟
أليسوا هؤلاء سواء من قايضوا موتنا وتشردنا بالعملة الصعبة، فلم يروا في صدام بنهجة العدواني ومسلكه المريض سوى مفتاح أحلام ورهان مستقبل، وضياعنا وقهرنا وموتنا المجاني سوى بازار كبير.. أو الذين اتخذوا من بطلهم الهلامي حصنا وملاذا سايكوباتيا، ماهمهم أن كان هروبهم إليه هو نوع من النكوص الفكري والبله السياسي.... أذ بهرهم لسنين طويلة بيده الباطشة القوية التي كانت تشير لهم نحو أبواب القدس، فيما لم تشر لنا يوما في الحقيقة سوى الى أبواب جهنم hellip; أليس هؤلاء مع سعارهم المستديم الذي زايد على الخطاب الصدامي ذاته، هم أنفسهم من أغلقوا سماواتهم واذانهم وحتى مسامات جلودهم عن سماع آهات العراقيين الحرى في أربع جهات الدنيا وظلوا يوقدون المباخر ويهللون لصورعدي وقصي وصدام وسطام و quot; سخام quot; وبقية الأجلاف النشامى الذين ما كانوا يوما نشامى ألا في قتلنا؟!
نرتكب أيما خطأ، حين نراهن على أن هؤلاء الأجراء الذين لا يتقنون من أسلحة القتال سوى حبالهم الصوتية ولا يعتدون الا باللغة العربية وبلاغتها وجزالتها، سيتبرعون بنزع أنيابهم التي انغرزت طويلا في لحمنا... ثم قد فات الأوان، فذاكرتنا لم تعد عذراء، لان دموعنا صارت أحد من كل سكاكين الأرض.. وتاليا أي حق يملكه أحدنا لمنح صكوك الغفران، حين نمسح بجرة قلم دماء مئات الاف العراقيين، ضحايا الإرهاب ألصدامي ومن بعدة ألبعثي ndash; التكفيري؟ وحده العراق آلاتي قادر على الغفران أن أراد.
أدرك أننا منذ خلقنا أسرى لخيارات صعبة معقدة hellip; وأن أخر ما نحتاج اليه هو فتح جبهات جديدة تلهينا عن معركتنا الحقيقية: معركة تحرير الوطن والنهوض به hellip; أنما الموقف الثابت والقوي الآن هو بمثابة ولادة جديدة.
حيدر الواسطي
كاتب من العراق
[email protected]




التعليقات