كان من المفترض ان يكون السيد عبد الحليم خدام عراب نظام بشار الاسد، وذلك لخبراته وخصوصا في السياسة الخارجية التي ادارها لسنوات طويلة، كما ان مرافقته للرئيس الاسد الراحل وعضويته في قيادة الحزب الحاكم كانت تؤهله لتربع موقع المرشد الروحي للنظام، وحقا انني شخصيا كنت اتوقع السيد خدام من الحرس القديم ممن يسحبون السيد الرئيس بشار الاسد نحو السياسيات القديمة والتي ولى زمانها، الا ان تفجير القنابل المتتالية التي اقدم عليها السيد خدام تعني انه قد وصل الى مرحلة غسل اليدين من النظام او تبرئة نفسه من ممارساته لانه بات يدرك ان النظام يسير الى حتفه بخط مستقيم لا يحيد عنه ويطبق الاسلوب العراقي ايام نظام صدام المقبور بشكل الي وكأنه منقاد الى المصير المحتوم.
فالزلازل العراقية المتتالية منذ 9 نيسان المبارك لم تجعل النظام يشعر انه بحاجة لاعادة النظر في طروحاته وممارساته ومواقفه الجامدة، كما ان الزلزال اللبناني لم يجعل هذه النظام يعي ان هناك نفس جديدة قادمة وهناك خروج عن طوع الشعارات العتيقة والتوجه للقبول بالكثير من المطالب الامريكية والتي هي بالحقيقة مطالب النخب المثقفة والطبقة المتعلمة ورأس المال الوطني.
اذا السيد خدام قصف وبكل الاتجاهات وكان قصفه متناسقا مع الرصد الامريكي بكل ما قاله كان اثبات الاتهامات التي اطلقتها حركة 14 اذار 2005 وتثبيت ان النظام السوري يد في اغتيالالسيد رفيق الحريري وان السيد غزالة تصرف في لبنان وكأنه مزرعة تابعة له مستمدا قوته من الرئيس بشار الاسد الذي تغاضى عن كل ممارساته مع (الاشقاء) اللبنانيين كما وجه اتهاماته صوب الرئيس المشكوك بأمره السيد اميل لحود متهما اياه بأنه احد المحرضيين الفعليين لاغتيال رئيس وزراء اللبناني السيد الحريري، وبذا سيكون ملف الاغتيال في طور التكامل فمن حكى ليس موظفا صغيرا في المخابرات السورية يمكن جلبه الى سورية مخطوفا او برغبته ولكن من حكى هو شخص له المام تام بخلفيات الامور، لا بل شخص حاول تقديم النصائح مرارا وتكرارا ولم يتم الاخذ بها.
اذا حبات عنقود النظام بدأت بالتساقط، وكل سيقول ويلي على رأسي واريد خلاصي، ولكن المشكلة الحقيقية في مثل هذه الانظمة انها تترك البلد خاليا ممن يمكنه ان يدير البلد، تتركه ولم تسلم مقاليد الادارة بشكل سلسل لمن يدير الامور، بل تترك البلد في فوضى، لانها لم تترك من تتوسم فيه القدرة على العمل والتفاني الا وقد صار في السجن او في القبر ومن كان له حضا فهو في المنافي. اي اعادة التجربة العراقية بكل تفاصيلها.
نعم خرجت اصوات في سوريا الان وهي تتهم السيد خدام بشتى التهم ولكن المعيار هو ماذا ستتمكن من ايصاله، فالكل بات يدرك ان الكل يكذب، فعندما اتهم الرئيس بشار الاسد وفي البرلمان السوري انصار المعارضة اللبنانية بتضخيم عددهم بصورة متعمدة من خلال تصوير حشد قرب المنصة، قامت القنواة الفضائية بتكذيبه وعلى الفور بتوجيه كاميراتها باتجاهات شتى مما اكذ ضخامة المظاهرات المنددة بتواجد الاشقاء السوريين، فاذا كان رأس النظام لا يقول الحقيقة فهل سيقولها من هم ادنى منه مرتبة؟ وهكذا فالنظام سيكون متهما من قبل مواطني البلد انفسهم، والاصوات ستتصاعد وستظهر قوية، فالرجل اعني السيد عبدالحليم خدام له تاريخ طويل في خدمة النظام وبالتأكيد سيجد البعض ان لم نقل الغالبية السند الذي يمكن ان يستندوا اليه في طريقهم للتغيير النهائي، اي البديل لاستلام دفة الحكم بعملية جراحية لا تكلفهم ما كلفت العراقيين ومن ثم يتم تسليم الحكم الى حكومة منتخبة من الشعب، وبذا سيتلافي السوريين الالام التي عانى منها العراقيين بسبب مساندة النظام العربي لصدام وزمرته.
ان السيد عبد الحليم خدام وان كنا قد شبهناه بحبة تسقط من العنقود، الا انها قد تكون الحبة التي تولد منها الكرمة، ويستند عليها البلد حين زوال النظام المتهم والمحاصر دوليا. ان افضل حل للنظام الحالي التعاون التام ليس مع التحقيق الدولي، بل طلب التعاون مع المجتمع الدولي للمساعدة في الانتقال السليم والسلس الى نظام ديمقراطي تعددي. وبذا سيكون عضد العراق والعراقيين في اقامة منطقة امنة ومستقرة وتتمتع بانظمة حكم ديمقراطية تمثل حقيقة تطلعات الشعوب فيها، من المحق القول انه ان الاوان لازالة كل الانظمة الشعاراتية والتي لم تشبع الشعوب الا شعارات وسجون وقتلى ومفقودين وهاربين.
صار من المؤكد انه لا يمكن اقامة عراق ديمقراطي ولا لبنان ديمقراطي الا بسورية ديمقراطية، اذا سيكون الثلاثة حجر الزاوية لمنطقة الشرق الاوسط الذي سيجد الولادة الفعلية حينذاك. وشكرا سيد عبد الحليم خدام لمدافعك ذات الاتجاه الصحيح.


تيري بطرس