المقدمة
أهمية اللامركزية
ضرورات اللامركزية للعراق الجديد
1.الأنظمة المركزية:
مفهوم المركزية
المركزية نظام غير ملائم للادارة الحديثة
مساويء المركزية
2.مفهوم اللامركزية:
المفهوم الضيق (الجزئي)
المفهوم الواسع (المتكامل)
3.بعض التجارب العالمية في اللامركزية:
الفيدرالية واللامركزية
واقع الانظمة الفيدرالية واللامركزية في العالم:
اللامركزية في البلدان الصناعية المتقدمة.
اللامركزية في البلدان النامية (العالم الثالث).
4.مزايا وعوائق النظام اللامركزي في التطبيق:
المزايا في التطبيق:
دعم الديمقراطية وحقوق سكان الوحدات الادارية الصغيرة.
التوازن والتوافق بين المصلحة العامة ومصلحة المجموعات العرقية والدينية.
التوازن بين مصلحة الدولة ومصلحة الوحدات الادارية الدنيا.
الاستغلال الامثل للموارد المحلية (البشرية والطبيعية والمالية) لصالح عملية التنمية المتوازنة بين المناطق المختلفة.
زيادة القدرة والسرعة والمرونة في اتخاذ القرارات ومتابعة نتائجها.
تخفيض حدة النزاعات والتوتر بين المناطق والاقاليم المختلفة.
العوائق:
عدم تأهيل الكوادر الادارية في الاقاليم والمناطق للاضطلاع بمهامها ضمن النظام اللامركزي.
التداخل والتعارض بين الصلاحيات والاجراءات.
مشاكل وعوائق مالية.
مركزية الاقاليم والمحافظات.
5.شروط تطبيق اللامركزية:
اعادة النظر في الهيكل التنظيمي والاداري للدولة والاقاليم والمناطق.
اعادة النظر في الاسس القانونية لبناء الدولة.
اعادة تفويض وتخويل الصلاحيات من الاعلى الى الادنى، وتقوية الهيئات الدنيا.
اعداد الكوادر والمهارات الادارية.
توفير قاعدة واسعة للبيانات والمعلومات وعلى مستويات مختلفة.
6.مبررات اللامركزية:
حل المعضلات والمشاكل.
تلبية الحاجات للاقاليم والمقاطعات والوحدات الادارية الصغيرة.
استمرارية وديمومة التنمية والتطور.
تنشيط الاقاليم المهمشة واستثمار مواردها.
زيادة مشاركة سكان المناطق والاقاليم في وضع السياسات واتخاذ القرارات.
التوافق والانسجام مع الوضع الدولي الجديد (العولمة).
7.المستويات الادارية التي تطبق فيها اللامركزية :
المستوى المركزي.
مستوى الاقليم والمحافظات.
مستوى الادارات المحلية الصغيرة.
8.اللامركزية والانظمة البديلة:
الانظمة الدكتاتورية.
الانظمة الفاشية.
الانظمة الشمولية:
9.ضمانات اللامركزية:
الضمانات القانونية:
الضمانات المالية:
الضمانات الديمقراطية:
فصل السلطات.
حقوق الانسان.
دور الاعلام الحر.
ضمانات الشرعية الدولية.

الخاتمة

المقدمة

أهمية موضوع اللامركزية

تبرز أهمية دراسة موضوع اللامركزية، بالنسبة لاعضاء مجالس المحافظات المنتخبين من قبل سكان مناطقهم في العراق الجديد، ليس فقط لكون هذا النظام الاداري مقترن مع النهج الديمقراطي، وضامنة لتحقيق خطوات ملموسة على طريق التنمية والتطور، يمكن ملاحظتها من قبل الناخبين بصورة خاصة والسكان بصورة عامة، بل ان هذا النظام كفيل بتوفير الفرصة لسكان الادارات المحلية الصغيرة والبلديات في الاطلاع على مجريات سير عمل الادارات والتاثير فيه.

ضرورات اللامركزية للعراق الجديد

يتسم موضوع اللامركزية بالنسبة لوضع العراق ومستقبله باهمية بالغة، لكون البلد عاش سنين طويلة في ظل نظام مركزي مفرط، لم يسبب فقط في إحداث مشاكل جمة للبلد وسكانه وتأزيم العلاقة بين السلطة المركزية والسكان في توزيعاتهم الجغرافية والاثنية والعرقية فقط، بل أيضا خلال هذه السنين من الحكم المركزي قد خرج من ثقافة الناس وجود أنظمة ادارية أنظمة بديلة للحكم المركزي كاللامركزية، الديمقراطية، والمساهمة والاهتمام بالادارة من قبل السكان بدءا من سكان المناطق الصغيرة وصولا الى سكان البلد ككل، واعتبار ذلك من خطوط الحمر والمحرمات التي لا يمكن لأي كائن التحدث فيها، واعتبار المطاليب بهذا الخصوص بأنها معاداة للنظام.
ومن هنا تأتي أهمية برنامج هذه الدورة لدعم المتدربين من أعضاء المجالس المنتخبة لممارسة ادوارهم بكل كفاءة لتنفيذ المهام الموكلة لهم بموجب القوانين والانظمة اللامركزية ولتلبية حاجات ورغبات السكان في مناطقهم، وتوطيد العلاقة العضوية معهم لزيادة دعمهم لنشاطات هذه المجالس وضمان نجاحها.

1.الانظمة المركزية:
اذا كانت لا تزال هنالك بعض الانظمة المركزية باقية في العالم، الا انها حتما انظمة شبه معزولة، تلاقي صعوبات كبيرة على صعيد العلاقات الدولية، وعدم قدرتها في ممارسة دورها المطلوب ضمن مؤسسات المجتمع الدولي، لا وبالعكس فانها تتعرض لضغوطات دولية لغرض اجبارها على الالتزام بالقانون الدولي وعدم خلق اي تهديد لشعبه في جوانب حقوق الانسان او تهديد المجتمع الدولي باستعمال القوة الغاشمة، وفسح المجال أمام شعبه في ممارسة حقوقه كاملة حسب هو منصوص عليها في لائحة حقوق الانسان والمواثيق الدولية لمنظمة الامم المتحدة.
مفهوم المركزية:
المقصود بالمركزية، حصر الصلاحيات الاساسية في الجوانب الادارية والمالية والقانونية بيد سلطات مركزية، وجعل الهيكا التنظيمي للادراة في البلد تكرس وتساعد على تطبيق هذا النظام بجعل قاعدة الادارة في المستويات الادنى عند اضيق الحدود وللحد الذي يساعد على تنفيذ اوامر واجراءات السلطة المركزية، وبالمقابل توسيع قمة الهرم الاداري لكي تستطيع ان تشمل مجالات اتخاذ القرار بصدد كل التفاصيل المتعلقة بالادارة في الدولة. وتنفرز عن ذلك مساويء وسلبيات كبيرة جدا تنعكس سلبا على الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتلك الدولة.
المركزية اسلوب قديم للادارة:
ان اسلوب الادارة المركزية من اقدم الاساليب التي عرفتها البشرية في تاريخها القديم ضمن اسلوب ادارة الحكم (باستثناء بعض الحالات المحدودة جدا)، كما أن كل الدول الديمقراطية في الوقت الراهن قد مر بمراحل الادارة المركزية عبر تاريخه القديم والحديث. وان التجربة الانسانية في هذا المجال كان محدودا، وأن التطورات باتجاه اللامركزية كانت بطيئة، ولكن في الوقت الراهن الحالة تغيرت تماما لوجود تجربة غنية لدول استفادت من تجربة اللامركزية وان تبني بلدانا متطورا ومستقرة، واصبحت نماذج تصبو دول اخرى للحاق بها.
مساويء المركزية:
تسبب الانظمة المركزية مساويء كبيرة ومتعددة لبلدانها وشعوبها، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
وجود فجوة كبيرة بين السكان بشكل عام وسكان الادارات المحلية والبلديات من جهة والادارات المركزية من جهة اخرى، و شعور المواطن بحالة الاغتراب.
الانظمة المركزية تسبب هدرا للموارد البشرية والمالية وعدم استثمارها بصورة مثلى لعدم قدرتها على معرفة مشاكل السكان وحاجاتهم في مناطقهم.
تفاقم أزمة الصراع بين السلطة المركزية والمجاميع العرقية والاثنية من السكان وعدم استقرار الوضع الامني.
اتخاذ القرارات لا تتسم بالعقلانية والواقعية، ولا تأخذ مصلحة البلد وسكانها بنظر الاعتبار.
خلق مشاكل في العلاقات الدولية والدخول في صراعات وحروب لا مصلحة للبلد فيها، وهدر الاموال في هذه الصراعات وفي سباق التسلح.
زيادة الفجوة التنموية، ليس بين البلد الذي يتبع النظام المركزي وغيرها من الانظمة المتقدمة، بل وايضا خلق حالة التفاوت في التطور والنمو بين اقليم او منطقة ادارية صغيرة مقارنة بغيرها مما يؤدي الى التفاوت بين هذه الوحدات في التنمية والتطور، وما تسببها ذلك في زيادة التوتر السياسي والاجتماعي، وهجرة السكان لمناطقهم المتخلفة.

2.مفهوم اللامركزية:
اللامركزية هي صيغة من صيغ الإدارة في الدولة تعتمد على أمرين هامين، أولاهما إعادة تركيب الهيكل الاداري والتسلسل الهرمي في الدولة على أساس زيادة إبراز التركيب الاداري للأقاليم وللمقاطعات والمناطق والبلديات، ثانيهما زيادة تفويض الصلاحيات من الهيئات المركزية الى الهيئات والمستويات الادنى كالمحافظات والاقضية والنواحي.
المفهوم الضيق (الجزئي) لللامركزية:
المقصود باتباع اللامركزية ضمن هذا الفهوم هي حالة خاصة أو جزئية تتبع إما على صعيد ادارة معينة قد تقتضي طبيعتها باتباع نوع من اللامركزية في ادراتها من خلال تخويل بعض الصلاحيات من هيئات مركزية الى هيئات دنيا، كأن تكون ذلك على صعيد وزارة معينة أو محافظة معينة فيها شيء من الخصوصية، أو وجود مبررات تفرض اتباع مثل هذا المفهوم. أن تطبيق مثل هذا المفهوم الجزئي لا يكون فعالا ولا يتجاوز اجراءات شكلية محددة خالية من محتوى مادي ملموس ودون أن تكون قاعدة عامة ادارية مدروسة لدى الدولة ومحددة بتحقيق أهداف أجتماعية وسياسية واقتصادية لصالح سكان تلك المناطق المشمولة بذلك الاجراء. وعلى سبيل المثال، ما سمته النظام السابق في العراق بمنطقة الحكم الذاتي.
المفهوم الواسع (الكلي) لللامركزية:
أسلوب اللامركزية حسب هذا المفهوم، هو اسلوب شامل تتبعه الدولة بناءا على مبررات وحاجات فعلية لتحقيق أهداف استراتيجية تصب في نهاية المطاف في مصلحة الدولة على صعيد المركز والأقاليم والهيئات الإدارية الدنيا، وبالتالي فانها قائمة على منح صلاحيات أوسع للإدارات المحلية والتي تتضمن صلاحيات تتعلق بمجال التخطيط والتنفيذ وإدخال السكان ومشاركتهم في تحديد الاولويات واتخاذ القرارات. كما تشمل الصلاحيات المالية والتي تحتوي على تخصيص نسبة ملائمة من ايرادات الخزينة المركزية لهذه الادارات المحلية، و صلاحية هذه الادارات في استحصال بعض الموارد المالية المحلية المحددة لها بموجب قانون اللامركزية أو القوانين الفيدرالية، وامكانيتها في استغلال هذه الموارد ضمن ميزانية الادارة المحلية للمنطقة وصرفها على الاوجه المحددة بموجب أبواب وفصول الميزانية. وزيادة دور سكان هذه المناطق في التأثير والتفاعل الايجابي باتجاه اشباع حاجات السكان المحليين وزيادة مساهماتهم في استغلال مواردهم ورفع قدراتهم في انتاج السلع والخدمات بما يحقق لهم تنمية متوازنة مع بقية المناطق داحل إطار الدولة. اللامركزية حسب هذا المفهوم، هو النموذج المتبع في العديد من الدول المتقدمة ذات الانظمة الفيدرالية والديمقراطية ومن خلالها تم حل مشاكل السكان بغض النظرعن اختلافاتها العرقية والدينية والاقتصادية، وخلق حالة من الاستقرار والتعاون والتكامل بين الادارات في المستويات المختلفة.

3.بعض التجارب العالمية في اللامركزية:
يلاحظ الان في العالم ان اتباع اسلوب اللامركزية من قبل دول العالم ليست محصورة على بقعة او قارة او نمط معين من البلدان، بل يلاحظ ان هذا الاسلوب في الادارة قائمة على تفويض السلطة من الهيئات المركزية العليا الى الهيئات المركزية الدنيا، وبالتالي زيادة دور الاقاليم والحكومات المحلية والبلديات في الاضطلاع بادارة مناطقهم من مختلف الجوانب والقرارات الادارية والمالية، وزيادة اشراك سكان مناطقهم في هذه العمليات، وبالتالي توجيه الادراة بالاتجاه التي تقدم الخدمات بمختلف انواعها الملبية لحاجات اولئك الناس مراعيا في ذلك تفضيلاتهم ورغباتهم.
الفيدرالية واللامركزية:
الفيدرالية عبارة عن نظام سياسي وقانوني واداري قائم على اعادة توزيع البلد من حيث التقسيم الاداري الى المركز والاقاليم والوحدات الادارية الصغيرة والبلديات، وبشكل مواز لذلك، تقسيم السلطة بين هذه المستويات المختلفة لتضمن لكل حلقة من هذه الحلقات القدرة على ممارسة هذه السلطة في المحيط المسؤول عنه لغرض ضمان فاعلية وكفاءة اكبر في تقديم الخدمات والاداء الاحسن واشراك افراد المجتمع المعني في تحديد الاهداف ضمن اولويتها وتنفيذها. وهذه الصيغة في ممارسة السلطة تسمى باللامركزية، كما هو واضح ان الفيدرالية واللامركزية هي وجهان لعملة واحدة، اذ لا يمكن تصور الفيدرالية كنظام ناجح وفعال دون اتباع اسلوب الادارة اللامركزية. كما ان الفيدرالية ليست هيكل جامد لا يتطور في المراحل الزمنية المختلفة وكذلك اللامركزية ليست ثابتة دون التاثر بمجريات التطور في المجتمع بجوانبها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بل ان النظام الفيدرالي اسلوب ديناميكي متحضر يخضع لاعادة النظر واعادة الصياغة بموجب المتطلبات ومصلحة السلطة الفيدرالية وسكان الاقاليم والمناطق والوحدات الادارية الصغيرة، ودرجة قدرتهم في ممارسة اللامركزية بصورة كفوءة.
واقع الانظمة الفيدرالية واللامركزية في العالم:
يشكل الان سكان الانظمة الفيدرالية و التي تتبع اللامركزية الادارية حوالي نصف سكان العالم، وان عدد الدول التي تتبع النظام الفيدرالي كان في الثلاثينيات من القرن الماضي حوالي خمسة دول فقط، بينما الان ازداد العدد وتربو على عشرين دولة في العالم، كما ان العدد في التزايد مستقبلا لأن هذا النظام اثبت جدارته وجدواه في تلبية حاجات تلك الدول وشعوبها وحل مشاكلها، ووتهيئة مستلزمات تقدمها وتطورها، سواء في البلدان المتقدمة والنامية. كما ان طبيعة النظام الفيدرالي قائمة على اللامركزية ومنح السلطات الى الهيئات الدنيا وصولا الى الادارات المحلية والبلديات.
اللامركزية في البلدان الصناعية المتقدمة:
ان جميع البلدان الصناعية المتقدمة مرت بجانب تطورها الصناعي والاجتماعي بتطور مواز في الادارة العامة، وتحولت منذ ولوجها باب التطور الصناعي من بلدان ذات الادارة المركزية تدريجا الى الادارة اللامركزية، حيث الان يسود هذا النمط جميع هذه البلدان، بل ان العديد منه قد بنت انظمتها في اقصى درجة من اللامركزية ضمن اطار تطبيق الفيدرالية كنظام سياسي واداري واقتصادي واجتماعي قائم على الدستور الفيدرالي لتلك البلدان. مثال ذلك الولايات المتحدة الامريكية، المانيا، سويسرا، السويد، هولندا...الخ. ودول اخرى متقدمة تتبع اللامركزية الادراية دون الفيدرالية مثل ايطاليا وفرنسا.
اللامركزية في البلدان النامية (العالم الثالث):
السمة الاساسية لاغلب البلدان النامية هي بلدان متخلفة وتتسم بتنوعها العراقي والاثني وتصاحب كل ذلك العديد من المشاكل ليس الاقتصادية فقط بل مشاكل اجتماعية وصراعات داخلية تجعل تلك البلدان تفتقد الى الاستقرار، وتهدر مواردها وتشل طاقات ومساهمات شعبها. لكن الى جانب هذه الدول سعت بعض الدول في تجاوز هذه الحالة من خلال ايجاد نمط او اسلوب فعال للادارة العامة قائمة على الفيدرالية واللامركزية بغية التقرب من سكانها في مناطقهم المختلفة والاطلاع على حاجاتهم واولوياتهم ومحاولة اشراكهم في صياغة الاهداف والخطط وتحقيقها، مثال على ذلك الهند واندونيسيا، كما ان المغرب طبق اللامركزية دون ان يكون لديها نظام فيدرالي. وبالنسبة لاندونيسيا حيث نجحت رغم قصر فترة اتباعها لمبدء الفيدرالية بعد سنوات طويلة من النظام المركزي المتشدد والدكتاتوري في تحقيق انجازات كبيرة على طريق تحقيق بناء الفيدرالية واللامركزية الادارية وتفويض السلطات الى الاقاليم والادارات المحلية وحل العديد من المشاكل الناجمة من الاختلاف العرقي والمذهبي.

4.مزايا وعوائق النظام اللامركزي في التطبيق:
ان تجربة البلدان التي طبقت النظام اللامركزي وجدت فيها جدوى ومزايا كبيرة نتجت عن ذلك جملة من الانجازات التي سوف نذكرها ادناه ولكن ان كل هذه المزايا لم تخلو من بعض الصعوبات والعوائق.
المزايا في التطبيق:
من مزايا النظام اللامركزي في التطبيق هي:
دعم الديمقراطية وحقوق سكان الوحدات الادارية الصغيرة:
وزيادة دورهم في المساهمة في ادارة مناطقهم وايصال صوتهم ورغباتهم وحاجاتهم الى الحكومات المحلية والتي تحولها بموجب النظام الديمقراطي المتبع الى سياسات واجراءات عملية بموجب خطة مناسبة بغية تنفيذها.
التوازن والتوافق بين المصلحة العامة والمجموعات العرقية والدينية: بما ان نظام اللامركزية تطبق في الانظمة الديمقراطية فانها تهيء الفرصة لسكان في مختلف الوحدات الادارية الكبيرة والصغيرة في التعبير عن رغباتها في اختيار ممثلي الذين يتم اختيارهم ضمن عملية انتخابات ديمقراطية، ولا بد للفائزين في الانتخابات من العمل على تلبية الحاجات الاساسية للسكان وتقديم افضل الخدمات لهم، وبالتالي دعم السكان لهم ولاداراتهم وتعزيزها. ومن خلال الهيكل الهرمي الاداري للدولة فان ذلك يؤدي الى زيادة الامن والاستقرار وتعزيز وحدة الدولة.
التوازن بين مصلحة الدولة ومصلحة الوحدات الادارية الدنيا:
بما ان اسلوب الادارة اللامركزية قائمة أساس دستوري و قانوني، فانها تنظم العلاقات بين المستويات الادارية المختلفة وتقسيم الحقوق والواجبات فيما بينها وكذلك الصلاحيات ونمط العلاقة بين الاعلى والادنى وبالعكس. وضمن الاطار اللامركزي يحدث نوع من التنسيق والتكامل والتعاون بين المستويات الادارية المختلفة بصورة طوعية دون اكراه او فرض او تشدد على عكس الانظمة المركزية.
الاستغلال الامثل للموارد المحلية (البشرية والطبيعية والمالية) لصالح عملية التنمية المتوازنة بين المناطق المختلفة:
ان النظام اللامركزي يخلق فرصة الاستغلال الامثل للموارد البشرية والطبيعية والمالية لغرض تلبية حاجات السكان المحليين، وخلق تنمية حقيقية تزيد من زيادة اهمية الاقليم او الوحدة الادارية ومساهماتها في الدخل المحلي وتحقيق مستوى معاشي جيد للسكان تكون موازية للمستوى العام في البلد، واعادة التوازن في تنمية المنطقة.
زيادة القدرة والسرعة والمرونة في اتخاذ القرارات ومتابعة نتائجها:
النظام اللامركزي بما انه قائم على منح السلطة والصلاحيات الى الادارات والهيئات الادنى فان ذلك تساعدها على زيادة قدرتها ومرونتها في اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب لتحقيق أهداف واجراءات تخدم زيادة وتحسين نوع الخدمات المقدمة الى سكان تلك المناطق دون تأخير، او الانتظار للموافقات من الجهات المركزية، واستغلال ما لديها من صلاحيات قانونية وادراية ومالية لتحقيق ذلك.
تخفيض حدة النزاعات والتوتر بين المناطق والاقاليم المختلفة لاسباب:
قد تنشب في كثير من الاحيان داخل الادارة الاقليمية او المحلية الواحدة نزاعات او توترات او صراعات بين سكانها تتعلق بمشاكل تخص استغلال وملكية الاراضي، او على الموارد الطبيعية الاخرى، أو قد تحدث تلك المشاكل والصراعات بين المناطق المحلية المتجاورة لنفس الاسباب او لاسباب عرقية أو اثنية. ان السلطة ضمن اسلوب الادراة اللامركزية تكون عادة اكثر فعالية في حل تلك النزاعات والمشاكل والقضاء على اسبابها بوقت قياسي اكثر مما هو الحال في دول الانظمة المركزية بسبب ابتعاد مراكز القرار عن الادارات الصغيرة والمحلية وتعقد اجراءاتها الروتينية، وصعوبة تفهمها والمامها بتلك المشاكل، وانشغالها بامور اكبر تخص الدولة.
العوائق:
عدم تأهيل الكوادر الادارية في الاقاليم والمناطق للاضطلاع بمهامها ضمن النظام اللامركزي:
لان تطبيق هذا النظام يتطلب كوادر متخصصة ومؤهلة قد لا تتوفر احيانا في الادارات المحلية الصغيرة والبلديات، مما يتطلب وضع خطة مدروسة لتوفيرها.
التداخل والتعارض بين الصلاحيات والاجراءات:
تطبيق اللامركزية قد تصادف مشاكل متعلقة بعدم وضوح حدود الصلاحيات والواجبات للادارات في المستويات المختلفة ضمن الاقليم، وبالتالي حدوث نوع من التضارب والتعارض في الاجراءات. لكن مشاركة السكان والشفافية قد تكون ضمانات لتجاوز هذه العوائق.
مشاكل وعوائق مالية:
قد تصادف الاقاليم والادارات المحلية مشاكل مالية، لا تتناسب مع حاجاتها بسبب عدم كفاية التمويل المحدد لها من الحكومة المركزية.
مركزية الأقاليم المحافظات:
قد يتبع النظام اللامركزي على صعيد الدولة بمنح الأقاليم والمحافظات صلاحيات واسعة، إلا ان هذه الاقاليم والمحافظات أو بعض منها قد يتبع أسلوب مركزية مفرطة في علاقتها مع الادارات المحلية الصغيرة والبلديات، وذلك بعدم تفويضهم السلطات والصلاحيات الضرورية لهم لزيادة كفاءتهم في اتخاذ القرارات الضرورية لخدمة سكان مناطقهم او تفعيل دور سكان تلك المناطق في المساهمة في الادارة واتخاذ القرارات.

5.شروط تطبيق اللامركزية:
ان نجاح تطبيق اللامركزية مقترنة بشروط موضوعية لابد من توفرها لضمان نجاح وانسيابية تطبيق النظام اللامركزي في ادارة الاقاليم ووحداتها الادراية الصغرى، ومن هذه الشروط:
اعادة النظر في الهيكل التنظيمي والاداري للدولة والاقاليم والمناطق:
بما يتلائم مع خصوصياتها الديموغرافية والطبيعية وحاجاتها، وحل مشاكلها البشرية والاقتصادية بما يسهل تطبيق اللامركزية.
اعادة النظر في الاسس القانونية لبناء الدولة:
وبهذا الصدد لا يمكن اتباع النظام اللامركزي كاسلوب استراتيجي ومستمر في الادارة دون الاستناد على اسس قانونية متينة، وفي مقدمتها الدستور والقوانين المتعلقة الاخرى المستندة عليها والمشرعة من قبل برلمانات منتخبة بصورة ديمقراطية، وكذلك اصدار تعليمات ولوائح من قبل الادارات المحلية المنتخبة ايضا من قبل سكان تلك المناطق وبما يضمن تحقيق مصالح تلك المناطق وسكانها المشروعة في اطار دستور وقانون ذلك البلد.
اعادة تفويض وتخويل الصلاحيات من الاعلى الى الادنى، وتقوية الهيئات الدنيا:
ان النظام اللامركزي قائم اساسا على مبدء تفويض الصلاحيات من الهيئات العليا الى الهيئات الدنيا ودعمها وتوفير كافة مستلزمات نجاحها في اداء واجباتها المطلوبة، وتختلف درجة تفويض الصلاحيات والجوانب التي تشملها حسب طبيعة الادارة المحلية وطبيعة المنطقة والسكان والمهام الملقاة على عاتقها، والتي تشمل صلاحيات مالية وادراية وتخطيطية وامنية.
اعداد الكوادر والمهارات الادارية:
ان اعداد الكوادر ذوي المهارات التي تؤهلها لفهم الادارة الللامركزية وتلبية الاحتياجات من الكوادر ضمن الحلقات المختلفة، ليس فقط للهيكل الوظيفي ضمن الادارة المحلية فقط، بل وضمن المحافظة والاقليم والمركز لانه مهما كان النظام الاداري كفوءا لا بد ان يعتمد اسلوب التطوير المستمر للكوادر العاملة في الحلقات المختلفة التي تستوعب وتفهم نظام اللامركزية و لديها القدرة على تطبيقها بكفاءة عالية وتحقيق الاهداف المرجوة باعلى فاعلية وباقل الخسائر الجانبية. النظام اللامركزي يعتمد على كثافة اكبر للكوادر الادارية المؤهلة (Skill Labor Intensive) من النظام المركزي، لان الحاجة الى هذه الكوادر تبدء من البلديات والادارات المحلية صعودا الى الادارات الاعلى ضمن الهيكل التنظيمي للادارة اللمركزية. يتطلب من هذه الكوادر قدرات ذاتية وكفاءات تتعلق بكيفية خلق العلاقة العضوية مع السكان والاطلاع على اهتماماتهم وحاجاتهم وهواجسهم، اضافة الى الالمام بالقضايا الاجرائية والفنية المتعلقة بالتخطيط والمتابعة والمحاسبة والامور المالية والرقابية...الخ لضمان قدرة هذه الكوادر على المساعدة في اتخاذ القرارات ونجاح تطبيق النظام اللامركزي.
توفير قاعدة واسعة للبيانات والمعلومات وعلى مستويات مختلفة:
توفير قاعدة واسعة للبيانات والمعلومات لغرض المام المسؤولين الاداريين في الاقاليم والادارات المحلية والبلديات بواقع مناطقهم في مختلف المجالات وكذلك الموارد المتاحة والكامنة التي يمكن استغلالها لزيادة حجم الخدمات المقدمة الى السكان وتحسين نوعيتها وزيادة كفاءة الادارات وتلبية حاجاتها من المستلزمات الحديثة.

6.مبررات اللامركزية:
ان تطبيق اللامركزية على هذا النحو الواسع، لم تأتي الا على اساس مبررات ضرورية وموضوعية تستدعيها واقع الدول والشعوب، والتي هي:
حل المعضلات والمشاكل:
النظام اللامركزي هو اكثر الانظمة فاعلية في حل المعضلات والمشاكل الداخلية التي تواجه البلدان او بعض اقاليمها او مناطقها بدءا من المشاكل الاثنية او العراقية او الاجتماعية او الاقتصادية، فان اللامركزية تعطي القدرة والفعالية للادارات المحلية في مواجهة تلك المشاكل واتخاذ الخطط والاجراءات واشراك السكان واخذ ارائهم كسبل ضامنة لحل تلك المشاكل اضافة على المامها الجيد ومعايشتها الميدانية للواقع، وبالتالي أهليتها على ايجاد الحلول والوسائل دون تاخير او تعقيد.
تلبية الحاجات للاقاليم والمقاطعات والوحدات الادارية الصغيرة:
لا شك ان كل منطقة مهما كانت صغيرة او نائية لديها حاجات وافضليات تتطلب توفيرها وتقديمها لسكان تلك المناطق وان الادارة النابعة من المنطقة باسلوب الانتخابات الديمقراطية والمتمتعة بالصلاحيات والسلطة المختلفة ضمن اسلوب الادراة اللامركزية للدولة انجع طريقة لتلبية حاجات الاقاليم والمقاطعات والوحدات الادارية الصغيرة مقارنة بغيرها من الادارات.
استمرارية وديمومة التنمية والتطور:
ان عملية تنمية الاقاليم والمناطق هي عملية مستمرة ومستديمة ضمن البعدين الزماني والمكاني وبموجب استراتيجيات مدروسة قائمة على وضع اهداف واولويات تحددها سكان المنطقة انفسهم والمتاح من الموارد والامكانيات لتحقيق ذلك واعداد الكوادر والكفاءات والطاقات المحلية لانجاز هذه المهمام وضمان توفير سبل تنفيذها. ان اللامركزية تخلق افضل الضمانات لتحقيق التنمية والتطور المستدام في الادارات المحلية والمناطق.
تنشيط الاقاليم المهمشة واستثمار مواردها:
تعاني العديد من الدول من مشكلة تفاوت درجة التطور والتنمية من اقليم او مقاطعة الى اخرى في اطار البلد الواحد وما تسببه ذلك من مشاكل اقتصادية وسياسية واجتماعية وحتى امنية احيانا، مما تتطلب الحاجة الفعلية في تنشيط اقتصاديات هذه الاقاليم ورفع كفاءة سكانها في الاداء الاقتصادي وتحسين المستوى المعاشي للحاق بوضع السكان في الاقاليم الاكثر تطورا وخلق العدالة والمحافظة على حقوق الانسان في هذه المناطق. ولا يمكن تحقيق ذلك الا من خلال ادارة ذاتية تساهم سكان الاقليم في اختيارهم ووضع الموارد المتاحة تحت سيطرتهم والتعاون القصوى معهم لتحقيق التنمية والتطور في مناطقهم.
زيادة مشاركة سكان المناطق والاقاليم في وضع السياسات واتخاذ القرارات:
تؤسس اللامركزية كنظام اساسا في تعزيز دور الادارات الفرعية للمناطق الصغيرة صعودا الى الاعلى ومن ثم زيادة المام الناس في مناطقهم في امور الادارة والسلطة والسياسات والاستراتيجيات، واتاحة الفرصة لهم للاطلاع وابداء الرأي، والمشاركة في الانشطة الخاصة بتحديد الاهداف النابعة من ضرورات الحاجة لتلك المناطق، ولعب الدور الاستشاري للهيئات القائمة بالتخطيط والتنفيذ للانشطة المختلفة. والقيام بمتابعة مجريات التنفيذ والنتائج المتحققة ورفد الادارات في مناطقهم المحلية او في المستويات الاعلى بمعلومات عكسية تساهم في المتابعة وتحديد الانحرافات او الايجابيات للاستفادة منها في الادارة وخططها المستقبلية. اضافة الى كل هذا، فان اللامركزية الادارية تخلق الثقة لدى السكان وتضعهم امام الشعور بالمسؤولية واداء الواجب والالتزام.
التوافق والانسجام مع الوضع الدولي الجديد (العولمة):
بما ان اللامركزية هي النظام النابع من الانظمة الديمقراطية التي تخضع لحكم المؤسسات الدستورية والقانونية، وعدم حصر السلطة والصلاحيات في جهة مركزية واحدة وانما توزيعها ضمن الهيكل الاداري الفيدرالي او غيرها من الادارات اللامركزية وزيادة دور السكان في الاقاليم والمناطق، وعلى صعيد البلد، ليس فقط في تحديد الاستراتيجيات والاهداف، وانما لعب دور المساهم والمراقب على سياسات الدولة واجراءاتها بما في ذلك علاقاتها الدولية وضمان ايجاد موقع طبيعي ضمن المجتمع الدولي واغتنام الفرصة للاستفادة من فوائد التعاون الدولي والانفتاح على الغير وتحقيق المنافع المتبادلة في التجارة والاقتصاد والسياسية الدولية، والابتعاد عن التعصب والتقوقع والتطرف ونكران الاخرين وحقوقهم ومصالحهم.

7.المستويات الادارية التي تطبق فيها اللامركزية:
ان تطبيق اللامركزية ضمن تجارب الانظمة في الوقت الراهن هي ليس على نمط واحد، رغم اتفاق كافة الانظمة على اهمية هذا النظام ومحاولة ادعاء الجميع، بانها تطبق هذا النظام، ولكن في حقيقة الامر وضمن بعض النماذج، ان التطبيق لا يتجاوز بعض الاجراءات الجزئية والشكلية بهذا الاتجاه. الى جانب ذلك هنالك تجارب ناجحة استطاعت ان تطبق النظام بشمولية وكمبدأ ثابت وتحقيق نتائج وانجازات باهرة.
المستوى المركزي:
قد لا تخلو الانظمة المركزية وضمن حاجة البقاء وديمومة النظام المركزي وحصر السلطات وصلاحية اتخاذ القرارات في المركز الى تطبيق بعض الاساليب الجزئية في اللامركزية كتخويل الصلاحيات الى الوزارات القطاعية لاداء المهام المتعلقة بالوزراة ووضع خططتها واساليب تنفيذها بموجب توجهات المركز، وقد تكون احيانا لهذه الوزارات دوائر فرعية في الاقاليم والمحافظات، لكن مرتبطة بها مباشرة وتعمل بموجب القرارات والتوجهات الصادرة من الوزارة ومنفذة للخطط الموضوعة من الاعلى دون ان تكون لها في هذا الجانب اية صلاحية، وارتباطها بالسكان هي فقط من خلال تقديم الخدمات المطلوبة منها دون اعطاء دور للسكان في التاثير وابداء الرأي في تحديد ما هو مطلوب من الخدمات او نوعيتها.
مستوى الاقليم والمحافظات :
في هذا النموذج يكون مستوى الادارة اللامركزية اوسع من النموذج السابق، اذ تصل الى مستوى الاقاليم والمحافظات من خلال وجود مجالس خاصة للادارة تشترك فيها شرائح اجتماعية مختلفة، وتقوم ببعض الادوار في مجال المساهمة في تحديد احتياجات المنطقة ونوعية الخدمات المختلفة وكذلك رفد السلطات الادراية بالاستشارات والمعلومات.
ان درجة فعالية هذا النموذج وارتباطاتها الامامية والخلفية بهيئات اخرى لامركزية، من العوامل الاساسية لنجاح مهام اللامركزية على هذا المستوى، ويقصد بذلك وجود هيئات عليا تتبنى اسلوب اللامركزية في الادارة مستندة على نظام البلد الدستوري والقانوني والقائمة على تفويض الصلاحيات للجهات الادنى وتقوية سلطة تلك الادارات. كذلك ارتبطات خلفية للاقليم او المحافظة بهيئات ادارية ادنى منها كوجود الحكومات المحلية والبلديات والتي تخولها في ذات الوقت الصلاحيات اللازمة لاداء اعمالها وتطوير مهامها.
مستوى الادارات المحلية الصغيرة:
ان حجر الزاوية في فعالية وسلامة نظام الادارة اللامركزية هي درجة الاهتمام بالادارات المحلية وتقويتها وزيادة كفاءاتها للقيام بالدور الاساسي المطلوب ضمن النموذج اللامركزي، لانه بالنتيجة، فان هذه الادارات هي التي لها اتصال مباشر مع السكان، سواء في جانب تقديم الخدمات المختلفة لهم ونوعية هذه الخدمات ومدى ملائمتها لتسديد حاجات السكان. ان هذه الحلقة من الادارات هي اكثر قدرة في وضع الاستراتيجيات والخطط المتعلقة بتنمية المنطقة واستطلاع اراء الناس ورغباتهم وتطويرها على شكل اهداف للخطة، ومساهمة السكان في وضع هذه الاهداف ودعم الادارات على تنفيذها. ان هذا المستوى من الادارة المحلية هي الاكثر قدرة على الاستمرار في اعداد خطة التنمية المستدامة واوسع مشاركة للسكان في تلك الخطط.

8.اللامركزية والانظمة البديلة:
التوجه العام في العالم هو التوسع في تبني النظام اللامركزي من قبل الدول وقيامها باصلاحات واجراءات جذرية لجعل النظام السياسي قائم على مبدء الديمقراطية و التعدد السياسي والاحتكام الى رأي الشعب واعادة النظر في الهيكل الاداري وتوسيع قاعدته على اساس اللامركزية وتنمية ادارة المناطق والاقاليم والمحليات، وتقليص وتجذيب قمتها المركزية لصالح قاعدة الهرم على اساس توسيع الصلاحيات والنشاطات والفاعلية في القاعدة، وتنظيم العلاقة بين المستويات المختلفة داخل الهرم الاداري. الى جانب هذا لا تزال هنالك انظمة تتبع النهج المركزي المفرط المتخلف لا تتلائم مع روح العصر.
الانظمة الدكتاتورية:
هي الانظمة التي تتولى السلطة فيها اشخاص او جهات عادة بطريقة غير مشروعة من خلال استعمال القوة في السيطرة على بسط السلطة واخضاع الشعب والادارات الحكومية بمستوياتها المختلفة لتحقيق غايات ديمومة النظام القائم والقائمين عليها. يتسم هذا النظام بالمركزية المفرطة واتخاذ القرارات والخطط لتحديد الاهداف من الاعلى لفرض التنفيذ على الهيئات الدنيا. وتتحول اكثرية الانظمة غير الديمقراطية رغم اختلاف مسمياتها الى انظمة ديكتاتورية، والتي تؤدي بالنتيجة الى تفاقم المشاكل وهدر الموارد، ومثال على ذلك نظام البعث في العراق.
الانظمة الفاشية:
ظهرت في التاريخ الحديث وخصوصا في اوربا احزاب فاشية، استطاعت ان تنشر افكارها بين شرائح معينة من الشعب وكسبها الى جانبها من خلال اثارة النعرات العنصرية وتمجيد عرق معين على الاعراق الاخرى ومحاولة بسط نفوذها على الاجناس الاخرى داخل بلدانها او خارجها، وتعبئة الطاقات والموارد لتطوير التكنولوجية العسكرية وزيادة قوتها لاستغلال ذلك في بسط هيمنتها والتوسع الاستعماري، والتسبب في هدر اموال شعبها وكبت افواههم وفرض نظام الحزب الواحد، اضافة الى تسببها في نشوب حروب ليس فقط اقليمية بل وحتى عالمية، ومثال على ذلك الاحزاب النازية والفاشية في المانيا وايطاليا ونمسا خلال الحرب العالمية الثانية.
الانظمة الشمولية:
تشمل هذا النوع من الانظمة تلك الانظمة التي تحاول ان تروج لفكر معين او ايديولوجية ضيقة تفرضها باساليب مختلفة بما في ذلك استعمال العنف والقوة واساليب القمع لاجبار الاخرين في الالتزام بافكارها ومبادئها والعمل لصالحها. من خصائص وصفات هذا النظام انها تتبع المركزية المفرطة ادارةا وتخطيطا وتهميش دور الادارات للاقاليم والمحليات وعدم اخذ الخصوصية الديموغرافية والاختلاف العرقي والديني بنظر الاعتبار وفرض الوصاية من الاعلى على الادنى، على سبيل المثال وليس الحصر روسيا في ظل الفترة الستالينية.

9.ضمانات اللامركزية:
اذا كانت اللامركزية نظاما حديثا تلائم مصالح الشعوب والدول وقومياتها ومستوياتها الادارية المختلفة، وكونها منهجا تتجاوب معه مصالح مختلف الاطياف القومية والعرقية والدينية في اي بلد في العالم، الا ان تطبيق هذا النظام لا يتم بصورة آلية او بنقل تجربة ناجحة جاهزة لاحدى الدول والشعوب وتطبيقها على الاخر وضمان نفس النتائج المتحققة في الحالة الاولى. بالاضافة الى ضرورة اعداد وتهيئة الكوادر الادارية والفنية ذات الدراية والخبرة في العمل، ومن هذا النموذج الادراي، وبالاخص في المستويات الادارية الادنى كالادارات المحلية والبلديات. اضافة الى وجود ضمانات تجعل هذا النظام راسخا، تطور بتطور المجتمع.
الضمانات القانونية:
ان انشاء اي نظام شرعي لابد ان يستند على اساس قانوني صادر من جهة شرعية مخولة في اي بلد، وفي الانظمة اللامركزية فان هذه الجهة الشرعية تمثلها البرلمانات المركزية والمجالس المحلية المنتخبة من الشعب والممثلة لمصالحها، وتاتي على رأس هذه القوانين، واهمها دستور الدولة. اذ يعتبر الدستور، القانون الاساس، ويستمد كل القوانين الاخرى المشرعة والانظمة من اي مصدر اخر درجة شرعيتها في مدى توافقها مع دستور ذلك الدولة، لذلك فان بنود الدستور تكون مدروسة من قبل كافة الشعب، وتنص على كافة جوانب تنظيم الحياة السياسية والقانونية والادارية لتلك الدولة. ولا يمكن تغييرها بسهولة الا بموجب مبررات تقتضيها مصلحة الدولة والاقاليم باتجاه زيادة اللامركزية ودور سكان الاقاليم والادارات المحلية، لذا فان دستور البلدان التي تتبع النهج الديمقراطي اللامركزي ينص صراحة على ذلك ويؤطرها في اطارها الدستوري والقانوني الصحيح، ليوفر القاعدة القانونية والادارية لكل القوانين والانظمة اللاحقة التي تصب في تكريس وتنظيم اللامركزية في الادارة وتفعيل دور الادارات المحلية وسكانها في المساهمة الفعالة في الحياة العامة.
الضمانات المالية:
تقصد بالضمانات المالية، توزيع الموارد المالية للدولة بصيغة متناسبة تدعم ميزانية المقاطعات والادارات المحلية بما يؤهلها في تمويل انشطتها الخاصة بتقديم الخدمات الضرورية وبموجب المعيير المحددة من الجهات العليا لسكانها وتلبية حاجاتهم الفردية والعامة، اضافة الى الموارد الضرورية لتمويل الانشطة التنموية كاستثمارات لتطوير البناء الارتكازي المادي والاجتماعي داخل مناطق الادارات المحلية. ان النظام المالي المصاحب للنظام اللامركزي يضمن عدالة توزيع موارد الدولة على الادارات المختلفة مراعيا في ذلك حجمها السكاني وحاجتها الى تلك الموارد لغرض خلق نوع من التوازن في المستوى المعاشي والتطور الاقتصادي للمناطق المختلفة، وعدم وجود المبررات من خلال ذلك لظهور مشاكل اجتماعية وسياسية بما في ذلك هجرة سكان المنطقة الى مناطق اخرى اكثر تطورا داخل البلد او خارجها. الا ان تطبيق اللامركزية في المجال المالي يتطلب وضع صيغ فعالة وواقعية لاعداد ميزانية الوحدات الادارية الادنى، ونظام فعال للمحاسبة والتدقيق والرقابة بما يعزز عدم فسح المجال لسوء تصرف في الاموال، او هدرها في غير اوجهها المحددة في ميزانياتها، عليه لا بد من اتباع نهج الشفافية في اجراءات الدولة الادارية والمالية، ووضع كافة المعلومات امام السكان واجهزتها القضائية والاعلامية.
الضمانات الديمقراطية:
سبق وان قلنا ان لا نظام فيدرالي من دون اللامركزية الادارية وتفويض الصلاحيات، ولكن يمكن ان تكون لا مركزية ادارية من دون نظام فيدرالي، لكن حتما لا نظام فيدرالي ولا لامركزية ادارية من دون الديمقراطية، وهي الاساس والاطار الذي يخلق امكانية نجاح اللامركزية كنظام ديناميكي ومستمر دون توقف او تراجع. الديمقراطية توفر ضمانات ممارسة اللامركزية وابراز دور المجتمع فيها وتوجيهها بالاتجاهات المنسجمة مع القوانين والتعليمات وضمان مصالح افراد المجتمع وتحسين الاداء وتقييمها وتغذية المعلومات العكسية عنها.
فصل السلطات:
من السمات الاساسية للانظمة الدكتاتورية والشمولية، عدم فصل السلطات وتحديد مساحة عمل كل سلطة بحيث لا يمكن تجاوزها لتتسنى للسلطات الاخرى ممارسة اعمالها ايضا. اما في الدول ذات الانظمة الديمقراطية واللامركزية فالحالة معاكسة تماما اذ ان السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية تمارس عملها حسب ما محدد لها بموجب الدستور والقانون من صلاحيات وواجبات. اذ ان السلطة التشريعية تمارس دورها ليس فقط في تشريع القوانين فحسب بل متابعة تنفيذها من قبل السلطات التنفيذية وكذلك متابعة ومراقبة اعمال السلطة التنفيذية ومدى شرعية تلك الاعمال والقرارات ومساءلة المسؤولين ضمن الادارات المركزية والاقليمية عن اية خروقات او تجاوزات قانونية او مالية او سوء التصرف لضمان حق المجتمع ووضع حد لكل تصرف خارج اطار القانون والتعليمات النافذة. كما تمارس السلطات القضائية العليا دورها باستقلالية تامة في التأكد من دستورية القوانين الصادرة من السلطة التشريعية او الانظمة والتعليمات والقرارات الصادرة من السلطات التنفيذية. كما ان مجالس الاقاليم والمحافظات والادارات المحلية تمارس دورها في ابداء الاستشارة والمراقبة على اداء الادارات حسب المستويات التي تمثلها، وبذلك فان الادارة في الانظمة الللامركزية حريصة على مراعاة الضوابط القانونية والادارية الصحيحة وتقديم الخدمات بالمعايير المحددة وبالكفاءة العالية وتلبية حاجات المجتمع للمنطقة التي تعمل فيها.
حقوق الانسان:
اكثر الانظمة التي تراعي حقوق الانسان في بلدانها واقاليمها واداراتها المحلية هي الانظمة اللامركزية والفيدرالية لكون هذه الانظمة غاياتها الاساسية هي تحقيق اهداف افراد المجتمع ورفاهيتهم دون تمييز أو تفريق، بغض النظر عن عرقهم او جنسهم او لغتهم او دينهم، وضمان كل ما هو وارد في لائحة حقوق الانسان المقرة من قبل الامم المتحدة سواء كانت هذه الحقوق عامة كحق العيش بحرية وامان وابداء الرأي السياسي او حق العمل بمستوى يليق بالانسان، بما في ذلك حقوق المرأة والطفل. اذا ان النظام اللامركزي كنموذج في الدول المتقدمة قد راعى حقوق المرأة في العمل بتانيث بعض الاعمال التي تتلائم ادؤها مع طبيعة المرأة، وفسح المجال وتشجيع المرأة لتبوء المناصب السياسية والادارية العليا على أساس الكفاءة والتوازن الجنسي في العمل دون تمييز، ومراعاة كون المرأة هي نصف المجتمع. كذلك اكثر الانظمة التي راعت مصالح القوميات الصغيرة في العدد والاقليات الدينية من خلال اعطائهم الدور المطلوب والضروري ليس فقط ضمن اداراتهم المحلية، بل وفي الادارات الاقليمية وعلى مستوى المركز مما يخلق حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي وعدم شعور اي فئة بالتهميش او الاهمال.
دور الاعلام الحر:
لوسائل الاعلام المختلفة (المقروءة والمرئية والمسموعة) دورها البارز في متابعة اعمال السلطات الادارية بمختلف مستوياتها وتسليط الاضواء على الجوانب السلبية او التقصير لتوضيحها للراي العام كما تعمل هذه الوسائل على ايصال اراء الراي العام حول اجراءاتها وخططها ونتائج تنفيذها مما تجعل هذه السلطات تكون دقيقة وتلتزم بالمعايير الموضوعة. كما ان الاعلام تلعب دورها في توعية الراي العام وابراز جوانب عمل السلطات المختلفة لتكون على دراية وبينة بمجريات الامور والتي تنعكس على مواقف الراي العام مستقبلا عند قيامها بالتصويت في صناديق الاقتراع، وبذلك يكافيء الادارات الجيدة على ادائها وسحب الثقة من الادارات التي اخفقت في تحقيق الاداء الجيد.
ضمانات الشرعية الدولية:
منذ عقد التسعينات من القرن الماضي بدأت مرحلة جديدة من العلاقات الدولية، اذ اصبحت كل ما تجري داخل حدود اية بلد مكشوفة للراي العام الدولي من خلال وسائل الاعلام والاتصال الحديثين، كما ان موضوع السيادة للدولة لا يمكن ضمانها من قبل المجتمع الدولي بالنسبة للدول التي تخرق حقوق الانسان في بلدانها بصورة كبيرة او تشكل تهديدا للدول الاخرى والمجتمع الدولي. وفي هذا المجال برز دور الدول الديمقراطية المتقدمة ونشاطها ضمن المحفل الدولي بما في ذلك في اطار الامم المتحدة لتحشيد امكانات المجتمع الدولي لتصحيح تصرفات تلك الدول ان كان ذلك ممكنا، او التدخل بمختلف الوسائل لدعم شعوب تلك البلدان للتخلص من انظمتها الدكتاتورية بما في ذلك التدخل العسكري لاسقاط تلك الانظمة ومساعدة شعوبها في انشاء نظام ديمقراطي بديل. لذلك فان اغلب الانظمة الدكتاتورية تعرف مسبقا انها امام خيارين لا ثالث لهما، اما السقوط او القيام بفسح المجال للاصلاحات والتغييرات الجذرية لاحلال نظام ديمقراطي بديل قائم على اللامركزية وتفعيل دور مختلف الفئات القومية والاثنية والاجتماعية في ادارة الدولة اللامركزية والاقاليم والادارات المحلية.

الخاتمة

بعد ذكر كل هذه الحقائق عن النظام اللامركزي والفيدرالية، يمكن لنا ان نتصور ان العراق امام فرصة ذهبية تاريخية، لتتجاوز دون رجعة كل الاساليب الدكتاتورية والقمعية في ممارسة السلطة بعد انهيار النظام الدكتاتوري السابق، وبعد صدور قانون ادارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية وقيامها بانتخابات ديمقراطية لاختيار ممثلي الشعب للاضطلاع بدورهم في المرحلة الانتقالية لتأسيس نظام فيدرالي قائم على دستور دائم ومبدء اللامركزية في الادارة وتنشيط دور الادارات المحلية والبلديات في تطوير مناطقهم والحصول على حصصهم العادلة من الموارد المالية لاعادة استثمارها وانفاقها في مناطقهم بغية تنميتها وتطوير كفاءات الكوادر المحلية ومراعاة الخصوصية الجغرافية والاثنية والقومية لتلك المناطق مع تو