تتسم العلاقات بين إسرائيل والدول الأفريقية بأنها حملت على الدوام أبعادا و مضامين ايدولوجية ويعزى ذلك إلى أكثر من حقيقة واحدة :
أولها : إن فرض الكيان الصهيوني فى منطقة الشرق الأوسط أدى إلى خلق نظام اقليمى صراعي بحيث أضحى سمة لازمة للتفاعلات العربية الإسرائيلية.
ثانيها : ارتباط وتأثر العلاقات الإسرائيلية الإفريقية بالعلاقات العربية الإفريقية. وأدى ذلك الى اعتبار القارة الافريقية ساحة للتنافس والصراع بين اسرائيل والدول العربية.
ثالثها : ارتباط كل من اسرائيل والعرب بالتحولات فى النظام الدولي وانفراد الولايات المتحدة كقوة قطبية واحدة فى عالم ما بعد نهاية الحرب الباردة. وهو ما أفاد الدولة العبرية التي راحت تعيد ترتيب اولويات حركتها الخارجية بما يحقق لها الهيمنة الإقليمية فى إفريقيا.
وهناك اكثر من مؤشر على النجاح الاسرائيلى فى افريقيا.ولعل المؤشر الأكثر دلالة على محاولات الهيمنة الإسرائيلية على إفريقيا هو عدد التمثيل الدبلوماسي فى إفريقيا الذي قفز من 6 بعثات عام 1960 الى 23 بعثة فى عام 1961، الى 32 بعثة فى 1972، وتزايد هذا العدد بعد توقيع اتفاقية كامب دايفد، وبلغ مداه بعد توقيع اتفاقية اوسلو حتى انه صار اليوم لإسرائيل علاقات دبلوماسية مع 42 دولة افريقية وليس هناك سوى ثلاث دول افريقية لم تقم بإقامة علاقات مع اسرائيل ومنها تشاد الذي يتردد هذه الأيام بواسطة وسائل الإعلام الإسرائيلية أن هناك مفاوضات لإقامة علاقات دبلوماسية بين الدولتين وان الاعلان عن ذلك سيتم قريبا
.كما.نجحت إسرائيل -بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية- في تأمين سيطرتها على بعض مشاريع الري في منطقة البحيرات، حيث تقوم بتقديم الدعم الفني والتكنولوجي من خلال الأنشطة الهندسية للشركات الإسرائيلية في مجال بناء السدود المائية. وقدمت إسرائيل دراسات تفصيلية إلى زائير ورواندا لبناء ثلاثة سدود، كجزء من برنامج شامل لإحكام السيطرة على مياه البحيرات العظمى. وقام خبراء إسرائيليون باختبارات للتربة في رواندا، حيث يتوجه الاهتمام الإسرائيلي بوجه خاص إلى نهر كاجيرا الذي يمثل حدود رواندا مع بوروندي في الشمال الشرقي.
كما وقعت أوغندا وإسرائيل اتفاقًا في مارس 2000 -أثناء زيارة وفد من وزارة الزراعة الإسرائيلية، برئاسة مدير الري بالوزارة "- ينص على تنفيذ مشاريع ري في عشر مقاطعات متضررة من الجفاف، وإيفاد بعثة أوغندية إلى إسرائيل لاستكمال دراسة المشاريع التي يقع معظمها في مقاطعات شمال أوغندا بالقرب من الحدود الأوغندية المشتركة مع السودان وكينيا، وسيجري استخدام المياه المتدفقة من بحيرة فكتوريا لإقامة هذه المشاريع، وهو ما يؤدي إلى نقص المياه الواردة إلى النيل الأبيض.
كما تُعَدّ العلاقات التجارية من أبرز المؤشرات على تنامي المصالح الإسرائيلية الاقتصادية في أفريقيا، حيث تشهد هذه العلاقات تطورات مستمرة وقفزات سريعة. وهناك مجموعة أساسية من الدول الأفريقية تمثل أبرز شركاء إسرائيل، وهي: جنوب أفريقيا وأثيوبيا وكينيا ونيجيريا.
ويلاحظ تزايد أهمية عدد من دول حوض النيل في التجارة الخارجية الإسرائيلية. ففيما يخص أثيوبيا، فقد تضاعفت الواردات الإسرائيلية منها أكثر من ثلاثين مرة خلال عقد التسعينيات، من 0.4 إلى 13.9 مليون دولار سنويًّا، بينما تضاعفت الصادرات الإسرائيلية لها ثلاث مرات فقط من 1.9 - 5.8 ملايين دولار سنويًّا.
أما الواردات الإسرائيلية من كينيا فقد تضاعفت مرتين ونصف المرة، من 8.6 إلى 20.9 مليون دولار سنويًّا، بينما تضاعفت الصادرات الإسرائيلية مرتين تقريبًا من 14 مليون دولار إلى 29.3 مليون دولار.
أما فيما يخص الكونغو، فقد وصلت الواردات الإسرائيلية منها إلى مليون دولار تقريبًا بعد أن كانت لا شيء تقريبًا، أما الصادرات الإسرائيلية فتضاعفت عشر مرات تقريبًا، من 0.9 إلى 5.2 ملايين دولار سنويًّا.


ويمكن القول أن الأهداف الأساسية للتواجد الاسرائيلى فى إفريقيا :
أولا : السعي لتحقيق متطلبات الأمن الاسرائيلى فى جوهره رغم تعدد نظريات الأمن الاسرائيلى لكن الجوهر ظل واحدا على الدوام. لقد رأى الإسرائيليون- بزعمهم – أن خطر الاعتداء يحيق بهم ويحاك ضدهم من جراء احاطة العرب لهم وأنهم فى " جيتو " على شكل دولة، ولهذا عملوا على خلق الظروف التي تمكنهم من فك الحصار المضروب عليهم والخلاص من أغلال الجيتو وظلاله، وبالتالي الضغط نحو الخروج خارج حدود الجيتو المزعوم والالتفاف نحو العرب باعتبارهم عناصر هذا الحصار وحصارهم – أي العرب – من ناحية أخرى باعتبار انه لن يفك الحصار سوى الحصار !وكان ذلك يعنى النزوع الى توسيع ما أطلقوا عليه " المجال الاستراتيجي الحيوي " وكانت إفريقيا دوما هي أهم أقطاب هذا المجال الاستراتيجي الحيوي.وتم ترجمتها فى استراتيجية تعزيز الوجود الاسرائيلى فى إفريقيا. لان اسرائيل سعت دائما الى تحقيق ما عرف بالأمن المطلق أو الأمن الكامل، والذي يعنى فى المقابل اللا امن بالنسبة للدول العربية، وما يرتبط بذلك من ضرورة التحكم فى المنطقة، من خلال مجموعة من الآليات، من أهمها : خلق علاقات ودية مع الدول الافريقية، الوجود العسكري فى بعض المناطق. اى أصبح الأمن القومي العربي بل والأمن القطري لكل بلد على حدة، هدفا استراتيجيا للتحرك الاسرائيلى فى القارة الافريقية.ومن هنا المحاولات الإسرائيلية للحيلولة دون لن يصبح البحر الأحمر بحيرة عربية وضمان هجرة اليهود الأفارقة الى اسرائيل.
ثانيا :كسر حد العزلة الدولية التي فرضتها عليها الدول العربية ومحاولة كسب قواعد للتأييد والمساندة وإضفاء نوع من الشرعية السياسية عليها فى الساحة الدولية. وفى هذا الإطار نظرت اسرائيل للساحة الافريقية باعتبارها ساحة للنزال بينها وبين العرب وفقا لقواعد النظرية الصفرية.
ثالثا : كسب تأييد الدول الافريقية من أجل تسوية الصراع العربي الاسرائيلى وفق الرؤية الإسرائيلية باعتبار أن الدول الافريقية بعيدة عن أي انحيازات سابقة لصالح أي من الطرفين ما يجعلها وسيطا مقبولا.
رابعا : العمل على تحقيق أهداف أيديولوجية توراتية خاصة بتقديم اسرائيل على أنها دولة " نموذج " لشعب الله المختار. ويفسر ذلك أن اسرائيل اعتمدت دائما على تقديم المساعدات التقنية والتنموية للدول الافريقية حتى فى حالة عدم وجود علاقات دبلوماسية معها. ويُعَدّ مركز التعاون الدولي في وزارة الخارجية "الموشاف" -الذي يرأسه نائب وزير الخارجية- الجهاز المسئول عن تصميم وتنفيذ سياسات التعاون مع الدول الأفريقية. وكان "الموشاف" من وسائل الاتصال الأساسية مع كبار المسئولين في الدول الأفريقية، على الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية، كما حدث مع كينيا وزامبيا وتنزانيا وإثيوبيا، حيث كانت العلاقات الاقتصادية والفنية أكثر قوة من العلاقات السياسية.
وأبرز الأنشطة التي يعمل فيها "الموشاف" إقامة المزارع وتأسيس غرفة للتجارة الأفريقية الإسرائيلية، وتقديم الدعم في مجالات الزراعة والصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية، من خلال التعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية والسفارات الأجنبية، وبصفة خاصة هيئة المعونة الأمريكية USAID التي نشطت على ضوء مبادرة كلينتون للشراكة مع أفريقيا.
ويتركز نشاط "الموشاف" على فئات معينة مثل القادة والنساء والخبراء والشباب الذين سيصحبون صناع السياسة مستقبلاً. ويتجه "الموشاف" للتركيز على التجمعات الإسلامية والعربية التي تعارض تطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ للحصول على تأييدها في دول مثل كينيا، من خلال تقديم منح لتدريب أبناء الطوائف الإسلامية، وفتح مجالات للاتصال بقادتهم.

خامسا : بناء قاعدة استراتيجية لتحقيق الهيمنة الإقليمية لإسرائيل وذلك من خلال ما يمكن تسميته مبدأ شد الأطراف حيث تعتمد اسرائيل على النيل من أطراف نظام الأمن العربي باعتباره المستهدف فى الاستراتيجية الإسرائيلية. ويتضح ذلك من خلال تركيز اسرائيل على دول افريقية بعينها مثل إثيوبيا والسنغال والكنغو ومحاولتها الدءوبة لإقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع تشاد.
دور الجاليات اليهودية فى إفريقيا :
تحتضن إفريقيا جاليات يهودية متفاوتة الأحجام ومتباينة القوة والتأثير. ففي شمال إفريقيا جماعات من اليهود السيفارديم الذين قدموا بالأساس من أسبانيا والبرتغال خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر. أضف الى ذلك انه قدمت الى إفريقيا جماعات من اليهود الاشكيناز من شمال وشرق أوربا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. وإذا كان حجم هذه الجاليات، خارج جمهورية جنوب إفريقيا هو جد متواضع إلا أن وضعها الاقتصادي فى بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء مثل كينيا يتسم بالقوة والتأثير.
ويمكن القول أن يهود الفلاشا الإثيوبيين يمثلون واحدة من أفقر الجاليات اليهودية فى العالم على الرغم من اعتقادهم الراسخ بأنهم يمثلون القبيلة المفقودة فى التاريخ الاسرائيلى. وقد تم نقل معظم الفلاشا الى اسرائيل جوا عبر السودان فيما عرف باسم " العملية موسى "والتي بدأت فى عام 1983 ووصلت الى ذروتها خلال الفترة من نوفمبر 1984 وفى مارس 1985.
دور الجالية اليهودية فى جنوب إفريقيا التي تعد واحدة من أغنى الجاليات اليهودية فى العالم. وتأثيرها المباشر وعبر الدعم المادي لإسرائيل. وطبقا لأحد التقديرات فان مساهمة يهود جنوب إفريقيا فى خزانة الدولة العبرية تأتى فى المرتبة الثانية بعد مساهمة يهود الولايات المتحدة. بيد انه إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم كل من الجاليتين نلاحظ أن تبرعات يهود جنوب إفريقيا نسبة الى كل شخص تفوق فى بعض السنوات تبرعات اليهود الأمريكيين.
وهناك قضية مهمة أخرى تتصل بهذا الموضوع وهى مفهوم الهوية اليهودية السوداء ونظرهم الى اسرائيل باعتبارها جزءا من التراب الافريقى، إذ كان يقطنها فى الأصل شعوب افريقية داكنة البشرة !
وعموما يمكن القول انه لا يمكن بأي حال من الأحوال التقليل من أهمية متغير الجاليات اليهودية فى توجيه وتخطيط العلاقات الإسرائيلية الافريقية.
شريف عبد العظيم محمود باحث فى العلوم السياسية القاهرة