تعتبر البطالة من أهم معوقات التنمية الإقتصادية الحقيقية لدول مجلس التعاون ولاسيما ان هذه الدول تواجه أكبر تحد عرفته منذ عقود، ومن هنا جاء الإهتمام بمشكلة البطالة حتى لاتتراجع مسيرة التنمية الحقيقية.

وأزمة التنمية في دول المجلس تتلخص في حدوث نمو في الناتج القومي الاجمالي دون أن يصحب ذلك تطور متوازن في القاعدة الانتاجية، بحيث يصبح النمو في هذه القاعدة ذا طبيعة متجددة ذاتيا، ومن أهم أسباب حدوث إستمرارية هذه الأزمة : مفهوم التنمية التقليدي و النموذج المرتبط به، ومسار المتغير النفطي و العلاقة غير المتكافئة مع القوى الإقتصادية الكبرى، و ضعف خصائص القاعدة البشرية في دول مجلس التعاون التي تخشى أي تغيير في البنية الديموغرافية وهناك أدوار متداخلة تجعل الحل مستعصياً.

و نقوم في هذا المقال بتوضيح بعض جوانب هذه الأزمة و مصادرها وإبرازاطار نظري لتجاوزهذه الأزمة يقوم على مفهوم شمولي للتنمية على أنها تشير الى مشروع حضاري خليجي يحقق نموا اقتصاديا متجددا في كل دول المجلس مما يؤدي الى تزايد فرص التكامل الخليجي العربي بما يضمن الوصول الى التعديل التدريجي في مكانة المجلس داخل النظام الإقتصادي العالمي الجديد.

ويستهدف هذا الوفاء بالحاجات الأساسية للمواطنين والمقيمين العرب ماديا و معنويا، بما يقود الى تحسن مستمر في نوعية الرفاهية لهؤلاء المواطنين والمقيمين، و تحقيق العدالة الاجتماعية في اطار من الديموقراطية و المشاركة الشعبية الواسعة و التكامل الإقتصادي والسياسي الحقيقي بين دول المجلس بل والأقطار العربية و كيف أن الفهم الخاطىء والتركيز على جوانب دون أخرى يؤدي الى حدوث انقسامات فكرية و سياسية و اقتصادية.

وأهم مشكلة نجمت عن هذه الازمة هي البطالة حيث نبين أسبابها وأنواعها و أسباب عجز الدول عن امتصاصها وأهم الآراء المقترحة للمساهمة في حل هذه المشكلة.

ورغم أن حجم البطالة في دول مجلس التعاون يتفاوت من بلد الى آخر إلا أنها مازالت تعتبر مشكلة تؤرق مضاجع المسئولين ولاسيما أن المعاملة الإنسانية بين أفراد المجتمع تختلف من شخص عامل وشخص عاطل عن العمل وتعتبر نسبة العاطلين في أي مجتمع مقياس هام لمستوى الرفاهية التي يعيشها هذا المجتمع.

ومن أسباب البطالة ثقافة العيب وأزمات الخليج المتعاقبة والعمالة الوافدة وضعف الإستثمار وندرة رأس المال والركود الإقتصادي وضعف المبادرة الفردية وسوء التخطيط التعليمي وإزدياد النمو السكاني وعدم تنظيم سوق العمل والتباطؤالتنموي في النشاط الإقتصادي وإتجاه كبار المستثمرين الى سوق الأسهم والسندات والقيود المفروضة على الإستثمارات الأجنبية وهروب رأس المال الوطني الى الخارج وهناك أسباب أخرى عديدة.

ويقصد بالبطالة من وجهة نظر علماء الإقتصاد هي عدم إستيعاب أو إستخدام الطاقات أو الخدمات البشرية المعروضة في سوق العمل الذي يعتمد على العرض والطلب والذي يتأثر بقرارات أصحاب العمل والعمال والأنظمة التي تفرضها الدول من أجل التقيد بها، و في سوق العمل تتلاقى هذه القرارات مع قرارات هؤلاء الذين هم في حاجة الى خدمات الأفراد.

فالبطالة بهذا المفهوم تعني عدم استخدام القوى البشرية التي تعتمد في حياتها المعيشية اعتمادا كليا على الأجر أي على تقييم الغير لها بالرغم من حريتها القانونية.

ويمكن تقسيم البطالة الى مجموعتين

المجموعة الأولى

بطالة ترجع الى عدم القدرة على العمل نتيجة عجز جسماني أو عقلي مثلا، وبطالة ترجع الى عدم الرغبة في العمل نتيجة لأسباب نفسية أوإجتماعية.

المجموعة الثانية

بطالة بالرغم من وجود مجالات عمل و لكن ترجع الى ضعف أو سوء تنظيم سوق العمل.

وبطالة ترجع الى عدم وجود مجالات عمل أي عدم قدرة رجال الأعمال على إيجاد فرص للعمل وقد يكون ذلك لأسباب عديدة تتصل بأوضاع اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو غيرها.

ولهذا تعتبر البطالة سمة من سمات نظام السوق و مرتبطة بهيكله و يتوقف حجمها على مدى فاعلية رجال الأعمال والدول ممثلة في سياساتها في القضاء على البطالة والتقليل من آثارها في الوقت المناسب. و لذلك فان معظم الاقتصاديون في هذه الأنظمة يقرون أن البطالة هي الثمن الذي تدفعه هذه المجتمعات لإهتمام النظم في الإبقاء على حرية سوق العمل فهي تعتبر ثمن الحرية والتخلص من الرق والاستعباد والإقطاع.

وحرية الإقتصاد بشكل عام برفع القيود على المستوردات وبالتالي يظهر الإعتماد الكبير على التجارة الخارجية فكل أو معظم السلع الإستهلاكية أو الإستثمارية أو الصناعية تستورد من الخارج هذا بالإضافة الى إستقدام العمالة المدربة وغير المدربة من الخارج الأمر الذي يؤدي الى تحويلات مالية كبيرة الى الخارج.

وتمثل الصادرات البترولية ومشتقاتها نسبة كبيرة من إجمالي الصادرات وهي تمثل الميزة النسبية في الإنتاج التي تمتاز بها دول المنطقة، ولذا فهي تعتبر المصدر الأول لإجمالي الدخل القومي في هذه الدول.

ولهذا فإن أي تقلبات سريعة أو عنيفة في أسعار هذه المنتجات أو المواد الخام تؤثر بشكل سريع أيضاً على حصيلة الصادرات التي تؤدي بدورها الى نتائج ضارة على الإقتصاد القومي لهذه الدول، فهي تعكس نفسها في صورة تقلبات في مستوي الإنفاق الحكومي وتقلبات في مستويات التشغيل،كما تؤدي التقلبات في حصيلة الصادرات، إلى تذبذب وإضطراب في تنفيذ خطط التنمية، وتوقف كثير من المشروعات، التي تعتمد في تنفيذها، على الواردات من السلع الاستثمارية.

ولهذا نجد عدم إستقرار الدخل القومي الأمر الذي ينعكس على المواطنين والمقيمين وهو من أهم أسباب عجز القطاع الإقتصادي عن إمتصاص البطالة ولاسيما أن الصناعات البترولية المنتجة للتصدير لمقابلة احتياجات السوق العالمي من حيث نوع السلع المنتجة و كميتها يفرض بالضرورة استخدام التكنولوجيا الحديثة التي تتصف بكثافة عالية لرأس المال وكثافة منخفضة لعنصر العمل.

ولهذا عملت هذه الدول على إنشاء صناعات مختلفة لتنويع قاعدة مصادر الدخل للمحافظة قدر الإمكان على إستقرار الدخل القومي ولكن هذه الصناعات مازالت تعتمد على العمالة غير الوطنية بشكل كبير نظراً لعدم قدرة العمالة الوطنية على المنافسة سواء من ناحية الأجر أو الكفاءة لذا فهي بحاجة الى تدريب لتنافس العمالة الأجنبية.

وفي السلع الإستهلاكية نجد أن فرص تشجيع الصناعات المحلية تكاد تكون معدومة ولاتستطيع أن تحل محل السلع المستوردة والتي تعتمد على كثافة رأس المال وبعضها الآخر يعتمد على كثافة في العمالة الرخيصة القادمة من الشرق التي لايمكن منافستها بأي حال من الأحوال إلا بفرض ضريبة إستيراد. كما يجب أن نعترف بإنخفاض المستوى الفني والتعليمي للعمالة الوطنية هذا إن وجدت.

ولهذا ينبغي التفكير في الميزة النسبية لقدرات مواطني الخليج وفي أي نوع من الأعمال يمكن أن تتخصص بها الدول الخليجية معتمدة على عمالتها الوطنية في إنتاج سلع أو خدمات تساهم في التنمية الإقتصادية وبما يكفل القضاء على مشكلة البطالة ومنها زيادة حجم الاستثمارات و رفع معدلاتها مع الاهتمام بامكانيات رفع نسب العمالة الوطنية، وذلك بتعديل أساليب الانتاج و تغيير مكونات الناتج بما يتناسب مع الأسعار النسبية لكل من رأس المال و العمل.. أو بمعنى آخر مراعاة التكلفة الاجتماعية الخاصة باكتشاف وسائل انتاج مناسبة لظروف المجتمع الخليجي.

كما ينبغي وضع برامج محددة وواضحة على المستوى المحلي والقومي لتشغيل العاطلين و زيادة الانتاج و تكوين رأس المال بتوجيه العاطلين الى العمل في مجالات انتاج سلع ذات إستخدام وطني عال وكذلك أعمال خدمات ممثلة في البنوك والمصارف وشركات التمويل والإستثمار والبورصة.

زيادة انتاجية الموارد التي تتصف بندرة نسبية في المجتمع حتى يتسنى زيادة المعروض من السلع المنتجة سواء سلع استهلاكية أو انتاجية لتدعيم عمليات تشغيل العاطلين. و لذلك يجب أن تهتم الحكومات و رجال الأعمال بوسائل تدريب العمالة والمديرين و المشرفين و اشعارهم بأهمية وسائل الكفاية و رفع الانتاجية.

إتخاذ الاجراءات المناسبة لتسهيل حركة انتقال الأيدي العاملة من مهنة الى أخرى، وإزالة ما يعترض هذه الحركة من صعوبات تتعلق باعتبارات اجتماعية أو نفسية معينة أو إدارية، و تحقيق نمو متوازن في نسب العمالة الوطنية في جميع المناطق باتباع سياسة مناسبة لتوطين الصناعة وفق ظروف كل منطقة.

إتخاد الاجراءات والوسائل لزيادة عائد الصادرات و تجنب التقلبات العنيفة في هذا العائد و تشجيع الاستعانة برأس المال الأجنبي ووضع التسهيلات المناسبة له حتى لا تتعرض سياسات العمالة الى صعوبات تؤدي الى فشلها نتيجة اختلال في ميزان المدفوعات في الدولة.

وأخيرا فان مستوى حجم الاستثمارات و بالتالي مدى سرعة التغلب على البطالة أو مدى امتصاص العاطلين يتوقف على مدى كفاية رأس المال اللازم لحجم الاستثمارات المطلوبة و اتخاد الوسائل الكفيلة بتقييد الاستهلاك واعادة توزيعه بحيث تتجه كل زيادة ممكنة من الناتج القومي الى الاستثمار، و في مقدمة هذه الوسائل اتباع سياسة مالية فعالة و سياسة هادفة للأجور وسياسة ادارية حازمة.

مصطفى الغريب – مينسوتا