في الحادي والعشرين من مارس الماضي اقترح كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره المعنون بـ "في جو من الحرية أفسح" زيادة عدد مقاعد مجلس الأمن لتصبح 24 مقعداً بدلاً من العدد الحالي وهو 15 مقعداً 0 وقدم في تقريره ذلك نموذجان أحدهما وهو النموذج (أ) يقضي بإنشاء ستة مقاعد دائمة جديدة و ثلاثة مقاعد غير دائمة، بينما يقضي النموذج (ب) بإنشاء تسعة مقاعد غير دائمة تمتد مدة عضوية ثمانية منها إلى 4 سنوات قابلة للتمديد بينما يبقى المقعد التاسع كغيره من المقاعد العشرة غير الدائمة حالياً ذات السنتين غير القابلة للتمديد 0

ومنذ ذلك التاريخ والحركة مستمرة داخل أروقة الأمم المتحدة وخارجها في عواصم الكثير من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، فالدول التي تعتقد بأحقيتها في الحصول على العضوية الدائمة تزعمت الاتجاه المطالب بتبني النموذج (أ) بينما تزعمت دول أخرى الاتجاه المعاكس نحو النموذج (ب) ليس طمعاً في الحصول على مقعد غير دائم في المجلس بل للوقوف أمام حصول دولٍ منافسة لها على العضوية الدائمة في مجلس الأمن 0

وتزعم الاتجاه الأول كل من اليابان والهند والبرازيل وألمانيا والتي كونت ما يسمى بــ"مجموعة الأربعة" ( G4 ) بينما تزعمت الاتجاه الآخر كل من الباكستان للوقوف ضد منافستها الهند وإيطاليا للوقوف ضد ألمانيا وكونتا ما يسمى بـ"الاتحاد من أجل التوافق" 0 وحاولت كل مجموعة جلب أكبر عدد ممكن من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى جانبها عبر الوعد بالاهتمام بالقضايا التي تخص الدول الأخرى في مجلس الأمن بالنسبة للمجموعة الأولى واعتبار النموذج (أ) يؤدي إلى انقسام المجتمع الدولي دون أن يؤدي إلى توحيده كما يتطلب مشروع الإصلاح بالنسبة للمجموعة الثانية 0

ولقطع الطريق على مجموعة "الاتحاد من أجل التوافق" قامت "مجموعة الأربعة" بإعداد مشروع قرارٍ سيعرض على الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت عليه منتصف شهر يونيو القادم يطالب بزيادة عدد المقاعد الدائمة لمجلس الأمن بواقع ستة مقاعد دائمة جديدة وأربعة مقاعد غير دائمة جديدة، في محاولة منها لفرض النموذج (أ) مع بعض التعديل على الجمعية العامة بديلاً عن التصويت على أي النموذجين ينبغي اتباعه، كما كان متوقعاً في السابق 0

وحسب رأي هذه المجموعة الرباعية فإن مراحل توسعة العضوية في مجلس الأمن ستكون كالتالي:

- التصويت على مشروع القرار القاضي بزيادة عدد مقاعد مجلس الأمن منتصف شهر يونيو القادم 0

- يلي ذلك تقديم الدول الراغبة في العضوية الدائمة في مجلس الأمن طلباتها إلى رئيس الجمعية العامة، ومن ثم يتم التصويت على هذه الطلبات منتصف شهر يوليو القادم 0

- بعد ذلك وفي نهاية شهر يوليو يتم التصويت على تعديل ميثاق الأمم المتحدة ليتلاءم مع تلك التعديلات 0

وستكون الأغلبية المطلقة (ثلثي الأصوات) مطلوبة في كل هذه المراحل الثلاث، على أن يكون التصويت سرياً عند الاقتراع على التصويت على أسماء الدول المرشحة لشغل المقاعد الدائمة الجديدة في مجلس الأمن 0

غير أن هذا المشروع يواجه عدة مشاكل أهمها أنه لا يجد حلاً لمشكلة ما إذا لم تتمكن ست دول من الحصول على الأغلبية المطلقة (الثلثين) لشغل المقاعد الستة الجديدة رغم تكرار جولات التصويت داخل الجمعية العامة 0 كما أنه لا يتفق مع توجه الدول الأفريقية الذي أقرته في اجتماع وزراء خارجيتها في سوازيلاند في شهر فبراير الماضي من ناحيتين هما حق النقض (الفيتو) الذي تصر الدول الأفريقية على تمتع الأعضاء الدائمين الجدد به بينما يبدي مشروع القرار مرونة كبيرة تجاه هذه المسألة، بالإضافة إلى الاختلاف في عدد المقاعد غير الدائمة الجديدة المخصصة للقارة الأفريقية 0 وليست تلك هي كل المشاكل التي يواجهها مشروع القرار هذا، بل إنه سيواجه عقبة كبيرة تتمثل في الحركة التي تتزعمها مجموعة "الاتحاد من أجل التوافق" والتي ستحاول جاهدة الوقوف بوجه محاولات تمرير هذا المشروع أمام الجمعية العامة والذي يتطلب على الأقل (128) صوتاً لإقراره 0

ورغم أن اليابان وبعض الدول تمني نفسها بقرب تمتعها بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن إلا أن المراقب عن قرب يرى صعوبة تحقيق هذا الحلم، فحتى ولو حصل مشروع القرار على أغلبية الثلثين، وتمت تسمية الدول المرشحة عبر الثلثلين أيضاً فإن المشكلة الأكبر تكمن في أن المادة رقم (108) من الميثاق تتطلب تصديق برلمانات الدول الخمس دائمة العضوية حالياً في مجلس الأمن على تعديل الميثاق فهل يتم ذلك ؟! وهل يقبل مجلس الشعب الصيني دخول اليابان كعضو دائم في مجلس الأمن ؟! أم سيقبل الكونجرس الأمريكي دخول ألمانيا كعضو دائم في المجلس ؟! يعتقد البعض أن الصين لا تغامر في اعتراض ما يقره ثلثي أعضاء الجمعية العامة، بينما يقبل الكونجرس الأمريكي مثل هذا التحدي 0

والسؤال هنا هو كيف ستفي الولايات المتحدة بالوفاء تجاه التزامها بدعم اليابان في سعيها للحصول على العضوية الدائمة في مجلس الأمن وهي – أي اليابان – ضمن مجموعة الأربعة التي تضم ألمانيا ؟!

عبدالعزيز بن محمد البادي