منذ أرسطو وحتى صامويل هنتنجتون ثابتة في وعي الغرب ومحاولة الهيمنة على المشرق متواصلة , فقبل الغزو العسكري يكون هناك سيل من الأفكار الهوامية الاعتباطية عن الشرق , وقيمه ومفاهيمه وانظمته السياسية والاجتماعية , فالشرق مختلف ومتخلف في الوقت نفسه , أرسطو اعتبر الاستبداد من طبائع أهل الشرق والعبودية تسري في دمائهم وصنفهم على أساس ان روح العبودية متأصلة فيهم , فهذا المعلم الأول " للغرب " يرسل الى الاسكندر الأكبر رسالة ينصحه فيها بمعاملة اليونانيين معاملة القائد , في حين عليه ان يعامل الشرقيين معاملة السيد لعبيده ومونتسيكو ادعى ان الاستبداد نظام طبيعي بالنسبة للشرق , لكنه غريب وخطر على الغرب وهيجل يعتقد ان الطغيان في الشرق يرجع الى ان الشرقيين لم يتوصلوا الى معرفة ان الإنسان حر وذ1هب البعض الى محاولات تفسيرية لتلك الظاهرة المفترضة فمنهم من فسرها اقتصاديا بعوامل الإنتاج أو طبيعيا بوجود الأنهار وضرورة السلطة المركزية كما قال "فيتوفجل " وكأنه لا انهار إلا في الشرق ! وهناك من فسر الأمر من خلال علم النفس على أساس مركب الشخصية " السادومازوخية " وعموما هناك شبه حقيقية لدي الغربيين عنوانها الاستبداد الشرقي كسمة طبيعية 0
و حاليا فالإرهاب ومعادة الحضارة الوجه الأخر من طبائع الشرقيين المسلمين وهناك في الخطاب السياسي توزيع ادوار فالمفكرون يطلقون احكامهم جزافا على الشعوب الإسلامية والسياسيون يصبون جام غضبهم وبشكل انتقائي على حكام المنطقة ويولدون حكايات وأحكام جاهزة مطلقة عن أنظمتنا السياسية ونحن نردد مقولاتهم دون وعي بل ونزيد عليها , و أحيانا تلقي التهم على الشعوب والفئات والجماعات وأحيانا على الحكام , فقبل الغزو الأمريكي للعراق كان كل أهل العراق أخيار ابرار الا صدام وولديه فطلب منهم مغادرة العراق. وبعد سقوط النظام شملت الحملة جميع العرب أعداء الديمقراطية والتحرر.
فالحكام يطلق عليهم أوصاف أبشع من أكلة لحوم البشر . والنساء مقيدات بالأغلال وجرائم الشرف تملأ البلاد وينسى هؤلاء ان ما يحصل في يوم واحد من جرائم شرف عند الغرب يعادل ما يحصل في بلادنا خلال عام فيوميا نسمع عن عشرات الحالات من قتل الصديق لصديقته أو العاشق لمعشوقته لأنها نسيت موعدها معه أو قابلت عشيقا آخر , اليست هذه جرائم شرف.. فرغم أن الثقافة الإسلامية تأمر كل مسلم أن يعدل حتى مع أعدائه " يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " ( سورة المائدة 8 ) ، فأنهم يتساءلون بظاهر الغفلة عنا لماذا يكرهوننا
وبدلا من التحليل العلمي الجاد رسمت للعالم الإسلامي صورة وهمية من خلال تضخيم المخاوف النفسية والعنصرية . ومن هنا ، وجه المستشرقون في جامعة هامبورج الاتهام لبعض خبراء الإعلام بأنهم يعملون بأساليب غير شريفة على توسيع الفجوة بين الثقافتين الشرقية والغربية وتعميقها ، بالإشارة دائما استحالة الحوار بينهما .
يقول احدهم : إنه لمن التناقض الغريب والمدهش حقا بين عدم معرفتنا بالإسلام والثقافة الإسلامية وبين ثقتنا الشديدة في إطلاق الأحكام عليهما ، ولم يحدث مرة أن استنكر هذا الجهل ولو مرة واحدة ، بل إن النقد والاتهام يوجه باستمرار إلى تلك الثقافة دون أدنى حرج
إذا كانت الهيمنة الإمبريالية الغربية بزعامة الولايات المتحدة قبل انهيار الاتحاد السوفياتي قد خلقت الظروف البنيوية للحركات الثورية والسياسية المناهضة للهيمنة الإمبريالية الأميركية بدعم سوفياتي، فإن انهيار الاتحاد السوفياتي لم يكن ليؤدي إلى زوال العوامل البنيوية لمناهضة الهيمنة الأميركية والغربية. بل إن دواعي الحركات المعادية للولايات المتحدة تزداد حدة وقوة ووضوحا مع تصاعد الهيمنة الأميركية في ظل نظام القطب الواحد، لكنها في هذه المرة لن تكون حركات مدعومة من مركز دولي، كما كانت عليه الحال أيام الاتحاد السوفياتي، وليس سهلا عليها أن تجد حماية ودعما من أية دولة من الدول التابعة بحكم عجزها عن مواجهة التبعات المترتبة على مثل هذا الدعم في مواجهة القوة الأميركية الطاغية
وعلينا أن نتذكر هنا أن السؤال الذي جرى تداوله في الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر هو: لماذا يكرهوننا؟ وقد ركزت الإجابة على الجوانب ذات الطابع الثقافي الحضاري.. تقدم الغرب، وازدهاره، وأسلوب معيشته، وديمقراطيته وحريات الليبرالية، في مقابل تخلف العالم الإسلامي وغياب الديمقراطية والحريات عنه .
- آخر تحديث :
التعليقات