في عام 1897 للميلاد كان الكاتب المسرحي الإنجليزي برام ستوكر يقفز من فراشه فزعا عندما سمع صياح المارة في ذلك الحي الشهير بقلب لندن.. ليجد رجلا شاحب الوجه زائغ العينين يتجول في الطريق على غير هدى والناس تهرب منه بسبب ذلك الدم الذي يسيل من طرف شفتيه...
وبعد أن قبضت عليه الشرطة تبين لستوكر أنه مريض بنقص كريات الدم الحمراء في الدم مما يسبب له نوعاً من الشره لشرب الدماء... وأنه قد هرب من مصح طبي في قلب يوكشاير...
شغلت هذه الحادثة برام ستوكر للغاية.. وجعلته يفكر في الكتابة عنها.. ولكن الوضع المسرحي في تلك الأيام في بريطانيا مزر جدا مما جعله يؤجل الفكرة...
وبعد عدة أسابيع عثر ستوكر على مجموعة نادرة من كتب الأساطير الرومانية القديمة عن (( لاميا )) التي تشرب الدماء البشرية.. ثم الأسطورة العبرية الشهيرة عن (( ليليث ))... مع رواية شهيرة في ذلك الوقت وهي (( كارميللآ )) التي كتبها شريدن دي فاتو...
واكتملت الفكرة لستوكر.. وبدأ يكتب.. عن ذلك المحارب الروماني الشهير الذي قاتل الأ تراك دفاعا عن كنيسة الرب الكاثلوكية حتى هزم الأتراك.. الذين أرسلوا رسالة زائفة لزوجته مفادها أنه قتل في المعركة
وحزناً على زوجها ترمي تتانيا زوجة الكونت دراكول نفسها من شرفة القصر وتنتحر في النهر...
وحين يعود الكونت منتصرا ينصدم بموت زوجته الحبيبة ويرقد جثتها عند المذبح ليصلي عليها القساوسة... ولكنهم يرفضون ذلك
وحجتهم في هذا أنها إنتحرت.. لذلك هي ملعونة من الرب..
وهنا يطير صواب دراكول ويهتف:-
لقد دافعت عن كنيسة الرب.. وهذا ما أستحقه منكم...
وهنا يبكي ويواصل:-
تبا لكم... إنني أنكر الرب...
ويتصايح الرهبان حول الصليب... دراكول يسل سيفه ويطعن أقربهم إليه ثم يقص الصليب بضربة أخرى من ذات السيف لتسيل الدماء على المذبح النصراني معلنة ارتداد الكونت الذي أخذ يشرب الدماء بكأس من الذهب...
وبعد أربعمائة عام يصل خطاب إلى مكتب للعقارات في لندن يفيد بأن الكونت دراكولا يريد أن يشتري بعض العقارات في عاصمة الضباب.. ويريد من أحد مندوبي المكتب الحضور إلى قلعته في رومانيا لإتمام التفاصيل والأوراق..
ويغادر جونثان إلى الكونت.. لتبدأ الأمور الغريبة منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى طريق القلعة.. من العربة التي يقودها وحش بشري.. وحتى الغانيات اللواتي يحاولن امتصاص دمه.. وحتى الكونت نفسه الذي يحتسي الدماء بتلذذ... ولكن المفارقة.. حين يشاهد الكونت صورةً لعروس المندوب والتي تشبه تماما زوجته الراحلة... لنكتشف أن دراكولا ما هو إلا دراكول الذي أنكر الرب وعاش على شرب دماء البشر.. عندما يخرج كل ليلة ويتحول إلى ذئب...
وهنا يحتجز الكونت جونثان في قلعته... ويسافر إلى بريطانيا على ظهر أحد البواخر.. ليستولي على العروس..
ومع الأحداث الغريبة التي رافقت قدومه يتدخل الدكتور هانز في الموضوع.. ويكتشف أمره.. في نفس الوقت الذي يستطيع فيه جونثان الهرب من القلعة وينجح الكونت في تحويل العروس إلى مصاصة دماء ولكن بعد زواجها من محبوبها جونثان.. وحين يضيق الحصار على الكونت يعود بالسفينة إلى رومانيا.. وفي الطريق إلى قلعته يتمكن الفريق الذي يقوده الدكتور هانز من إيقافه وطعنه في صدره بخنجر من الفضة.. لتسحبه البطلة إلى الداخل وتقطع رأسه حتى يرتاح من عذابه الطويل.....
* * *
هذه هي القصة التي كتبها برام ستوكر (( أبرهام ستوكر )) مبتكر شخصية الكونت داركولا مصاص الدماء المرعب.. والذي صار فيما بعد من أكبر مؤسسي أدب الفانتازيا المرعبة في القرن الثامن عشر..
ولد ستوكر عام 1845 وتوفي عام 1912 نشأ في دبلن في أيرلندا ومات في لندن...
من أشهر قصصه على الإطلاق (( ضيف دراكولا )).. وجوهرة النجوم السبعة...
ويعتبر هو عميد أدب الرعب.. بالإضافة للكاتب الإنجليزي إدجار آلان بو
تناول ستوكر شخصية دراكولا تناولا نفسيا عميقا من حيث السرد الأدبي أو الحوار العاطفي المتقن مع حبيبته.. لذلك فإن ستوكر قد أعطي شخصيته بعداً إنسانيا قبل أن يكون بعداً مرعبا... حتى تكون له خلفية نفسية متقنة تمكن القارئ من الاستمتاع بأحداث الرواية...
وهذا على عكس الكثير من الشخصيات الجوفاء التي ظهرت تناغما مع شخصية الكونت مثل.. الرجل الذئب.. وفرانكشتاين وسوبر مان الذي يعتبر دعاية أمريكية غبية للقوة الزائفة التي تتباهى بها.. والتي سقطت في الكثير من الميادين مثل.. الصومال... وفيتنام... والصين...
شخصية أيضا مثل الرجل الوطواط.. والرجل العنكبوت.. كل هذه سخافات لا بعد إنساني أو ثقافي فيها.. مجرد البهرجة.. والتفاخر
وكل هذا يقودنا إلى حقيقة كبيرة في عالم الواقع.. وهي أن الأمريكيين يتفوقون على كل دول العالم في المجال السينمائي والتقني.. ولكن الأدب البريطاني يبقى دوما هو عماد الثقافة الغربية دون منازع..
وليس أدل على هذا الكلام من أن الشخصيات البريطانية مثل دراكولا.. وشيرلوك هولمز.. وجيمس بوند.. لازالت تتصدر كل الإنتاج الغربي...
وعموما.. لن نجد في الشخصيات الأمريكية... قبوا مظلماً.. فيه شمعدان واحد يبعث نورا بسيطا لا يبدد الظلام.. وعلى النور المتراقص.. نرى تابوتا يتوسط المكان.. وفي بطء ينفتح... ليخرج منه سيد عالم الظلمات الكونت دراكولا...
هذا هو الأدب.. التعبير النفسي.. والتأثير البلاغي...
وليس العضلات.. والبطش...
وفي وقت الجد يخافون أن يقفوا أمام حجارة أطفال فلسطين...
وللجميع تحياتي..........
عبيد خلف السبيعي
- آخر تحديث :




التعليقات