ناور، وفاوض، وكسب أرئيل شارون الجولة الثانية، وباع للعرب قطاع غزة مرتين؛ المرة الأولى عندما طرح خطة الفصل من جانب واحد كما أسماها، وأضطر العرب إلى قبولها، وتم تسويقها على العالم الذي بارك بقطبيه الأمريكي والأوروبي تفاصيل الخطة، وأضاف عليها الربط بين خطة شارون وخارطة الطريق، وتنسيق تنفيذها مع الفلسطينيين.

المرة الثانية عندما فرض شروطه في مفاوضات التنسيق، وأهمها قضية المعبر الواصل بين قطاع غزة ومصر، بحيث نجح في فرض مراقب دولي في المعبر إضافة إلى الموظفين المصريين والفلسطينيين ـ كما ذكرت صحيفة هآرتس ـ

إن الانسحاب الإسرائيلي من غزة كما يسميه العرب، والفصل كما يسميه شارون، غدا نقطة تفاوض، وابتزاز، وتكسب سياسي لصالح شارون، رغم أنه عملياً يعتبر استجابة إسرائيلية للتطورات الميدانية، فكان أن حقق شارون الهارب من غزة أهم مكسب؛ وهو وجود هذا المراقب الدولي في المعبر، وما يعنيه ذلك من انعدام السيادة الفلسطينية التامة على الأرض، ليجيء بعد ذلك الاستعداد الفلسطيني لتقبل مبلغ سبعين مليون شيكل مقابل نقل بقايا ومخلفات بيوت الغاصبين، مشجعاً للطرف الإسرائيلي على المزيد من فرض الإرادة على الفلسطينيين حتى بعد تنفيذ خطة الفصل.

بالعودة ثانية إلى بقية نقاط التفاوض، وتنسيق الانسحاب بين الفلسطينيين وشارون ومنها المطار، والميناء، والمعابر إلى إسرائيل، والعمال، والسجناء، والتبادل التجاري، والمتواجدين في غزة دون هوية إسرائيلية، وكل ما يتعلق بالشأن الاقتصادي المشترك بين الطرفين من عشرات السنين، فإن هذه الأمور جميعها يجب أن لا تكون مدار حديث مع الإسرائيليين؛ ما دامت إسرائيل قد قررت الفصل من جانب واحد، فلا معنى للفصل سوى أن يدير الإسرائيلي ظهره، ويترك غزة بما احتوت دون أن يلتفت إليها، ولا مجال هنا للتنسيق، ويكفي اختراق إسرائيلي واحد، وليكن مثلاً عدم إطلاق سراح الأسرى، أو تدخل إسرائيلي يعيق تشغيل المطار، أو عرقلة عمل الميناء؛ ليشكل خرقاً، ومبرراً لعدم التقييد بوقف إطلاق النار، الذي سيكون عملياً عدم فصل غزة عن الصراع الذي سيدور في الضفة الغربية.

إن عدم الالتزام الإسرائيلي بالفصل التام معناه فتح الباب على مزيد من تواصل المقاومة، وهذا ما لا تسعى إليه إسرائيل مع الفلسطينيين في غزة، لأن إسرائيل لا تعمل على إفساد خطتها، ولن تعمل على قص الجذور التي نبتت عليها فكرة شارون، ولنا في حزب الله أسوة حسنة، لقد أصر حتى الآن على أن الانسحاب الإسرائيلي من لبنان دون مزارع شبعه غير كامل، وهذا ما يعطي حزب الله الحق بالمقاومة، وهذا ما تجهد إسرائيل في التفتيش عن حلول له، وهذا ما يجب الاستفادة منه.

إن عقلاء الشعب الفلسطيني، ومخلصيه ذوي النظرة الشمولية غير مرتاحين للفصل المتعمد بين غزة والضفة الغربية، وسيظهر القلق عندما يتقيد شارون بالانسحاب التام بما في ذلك المعابر، وعدم التدخل البري والجوي والبحري بشأن غزة، فهذا أسوأ ما يمكن أن نحصل عليه، وأسوأ ما يمكن أن يفرض على الفلسطينيين من ضرورة عدم خرق الهدنة، والالتزام بالتفرج في غزة حتى لو تم اقتلاع أهلنا من الضفة الغربية.

إن التقييد بوقف إطلاق النار ميزة تفرض على شارون الانسحاب التام والكامل حتى من دون التنسيق الأمني الذي أعطى شارون المجال ليبع غزة للفلسطينيين مرة ثانية.

لقد أجمع المراقبون للساحة السياسية أن شارون المتعصب جداً أراد التخلي عن قطاع غزة مكرهاً كي يوطد أقدامه في الضفة، ويتملص من خارطة الطريق سيئة السمعة، من هنا يكون من الخطأ مجرد الظن أن شارون سيوفر ذريعة للفصائل المقاومة كي تعيد الربط بين قطاع غزة والضفة الغربية، وهذا ما سيجعل شارون أحرص من الفلسطينيين والمصريين على فك الارتباط التام، والكامل عن قطاع غزة بما يشبه الجنوب اللبناني، حتى ولو دون تنسيق، ودون ترتيب أمني، واشتراطات تفاوضية.

فلماذا يخضع الفلسطينيون لإملاء شارون بالمفاوضات والتنسيق ؟!!