ونحن صغار كانوا يخوفوننا من الشيوعية على النحو التالي: الشيوعي يتزوج من أخته فانتبهوا. ويضرِب المخوِّف على هذا مثلاً أن زهرة في بستانك لا تسمح لغيرك بقطفها وشمّ عبيرها. هذا منطق الشيوعي كما افترضه أهلنا قديماً أو كما زُرع فيهم. لا أسوق هذه الكلمات دفاعاً عن الشيوعية ولا تقرباً من الشيوعيين. فقط أريد القول إننا في الرقة وفي سوريا تجاوزنا مرحلة الفطام منذ أمد بعيد، ولم نعد في زمن نهاية الستينيات من القرن الفائت. اليوم وبعد انهيار الشيوعية، وتهاوي أنظمة الاستبداد، وأفول نجم القائد " الضرورة، الملهم، التاريخي " يأتي إلى الرقة وزير الإعلام الدكتور مهدي دخل الله حاملاً في جعبته ما يشبه بضاعة أهلنا في الزمن الماضي، وكأن الرقة لم تتجاوز بعد مرحلة الفطام. لقد تحدث السيد الوزير إلى ما يزيد على أربعمائة إنسان من مختلف الطيف الرقي بلغة هي أقرب ما تكون إلى الاستهانة بإمكانيات شباب هذه المدينة. والسؤال لماذا كلّف السيد الوزير نفسه وجاء ليلقي محاضرة عن الإعلام على مسامع أهل المدينة الذين على ما يبدو رأى إليهم على أنهم " قصّر " أو ما شابه. حديثه عن الإعلام المغلق والمفتوح يوحي بهذا، بأنه جاء يحاضر في من لا يفقهون من أمور العباد شيئاً أبداً. ويعطي على الإعلام المفتوح مثالاً يذكّرنا بلغة أهلنا القديمة التي روّجت لها يوم ذاك " شعبة الأمن السياسي ". يقول السيد الوزير إن الغرب الأوربي والأمريكي في إطار سياسة الإعلام المفتوح يسمح بسنّ قانون يشرّع الزواج المثلي. في صيغة من يريد أن يقول يا أهل الرقة ويا أهل سوريا انتبهوا إلى أولئك الذين يريدون الحرية والديمقراطية في إطار سياسة إعلامية مفتوحة. إن إعلامنا وإن كان فيه بعض العثرات إلا أنه الإعلام الأمثل الذي نحافظ به ومن خلاله على تقاليدنا وقيمنا!!.
وفي سؤال للمحامي عبد الله الخليل عن سبب إغلاق منتدى الأتاسي برغم إشارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى هذا المنتدى كعلامة على الديمقراطية الموجودة في سوريا، يجيب السيد وزير الإعلام بأن الذين في المنتدى خالفوا القانون. ولا أدري هل القانون 49 الذي يحكم بالإعدام على كل من ينتسب إلى الإخوان المسلمين قانون شرعي؟ وهل مثل هذا القانون يناسب مدنية الإنسان في مبتدأ القرن الواحد والعشرين؟
في مداخلة للأستاذ أحمد مولود قال فيها " لا يختلف عاقلان على أن النظام في سوريا نظام شمولي استبدادي اعتمد على دعامتين اثنتين هما الإعلام والمخابرات، فأما الإعلام فلتوجيه الناس وأما المخابرات فلقمعهم وتخويفهم... " بالطبع تلوّن وجه وزير الإعلام وترك المداخلة بكاملها وعلّق على المداخل، وسأله السؤال التالي هل يعني هذا أنني غير عاقل وأنا أقول إن النظام غير شمولي وغير استبدادي؟ ما لاحظته أن رأس الوزير أصابه البلل من تعرق مفاجئ ألمّ به، مع كثير من الغضب، والسبب في هذا بسيط فلم يعتد أركان النظام أن يحاورهم أحد من هؤلاء " القصّر " ذلك أنه عندما سأله المداخل أحمد مولود هل القرار يا سيادة الوزير في وزارة الإعلام يعود إليك؟ رد الوزير بطريقة تهكمية غاضبة لا بل يعود إليك.
غير أن السؤال الذي يطرح نفسه أين غياب العقل من مداخلة الأستاذ أحمد مولود؟ أليس النظام في سوريا نظاماً شمولياً؟ أليس الإعلام والمخابرات يسيطران على كل مرافق الحياة في سوريا؟ وأليس الإنسان في سوريا أقل شأناً من كلب عبد القادر قدورة الذي يأكل أفضل من أسرة سوريا؟!! أليس الإعلام هو من زيّن للرئيس الراحل حافظ الأسد أن الحياة تسير في سوريا على ما يرام، وهي في تمام عافيتها وكامل نشاطها؟ ليكتشف الرئيس الراحل من بعد أن أحد أركان دولته ورئيس حكومته، ينهب البلد والدولة، ويؤسس لذاته إمبراطورية مالية؟ وهو الميت محمود الزعبي؟ ومن أين؟ من مال الشعب السوري الذي تبيعونه الشعارات بتحرير الأرض!! ألم تكمم أجهزة المخابرات الأفواه، وألم تخلخل البنيان السوري بزرعها الخوف ليس في كل إنسان فحسب، بل في كل حائط وفي كل شجرة، وفي كل دابة مشت على الأرض؟
ما يؤخذ على وزير الإعلام أنه نزل الرقة، وفي ظنه أنه سيحاضر في مجموعة من البدو الرحّل الذين يسكنون الخيام، والذين لا يدرون من أمر حياتهم شيئاً أبداً. ولو تبصّر في الناس قبل أن يتحدث لأدرك أن الرقة ليست مدينة عاقرة وإنما هي مدينة ولود، تسعى مع شقيقاتها السوريات إلى مجد الإنسان السوري بعيداً عن الخوف المطلق الذي عشنا في كنفه في ظل الحكومات البعثية. لا يعني الإعلام المفتوح الفوضى كما أراد أن يوحي بهذا السيد الوزير، ولا تعني الديمقراطية أن حكم البابا ومحمد منصور يأخذان رواتبهما من صحيفة تشرين وينتقدان في الوقت ذاته النظام. ولا تعني أن برهان غليون المفكر الكبير إذا ما جاء سوريا محاضراً فإنه " سيحاضر في مركز يعود للدولة منار بكهرباء تدفع ثمنها الحكومة " وكأنه هنا أراد أن يقول ندفعها نحن البعثيين. وأنا هنا أريد أن أسأل الوزير " السيادي " هل تدفعون من جيبكم لهذا وذاك؟ أليس المال مال السوريين جميعاً؟ وبنفس منطق الوزير يمكنني أن أقول وأنا ابن الرقة أن الدولة في سوريا تسرق إحدى مدنها، فالرقة تنتج القمح والشعير والقطن والكهرباء والنفط وتروي مدينة حلب وقريباً دمشق، وهي مع هذا من المدن المتخلفة جداً ببنيتها التحتية، مدينة مسروقة منهوبة تعوم على بحيرة ماء بفعل انهيار شبكة الصرف الصحي القديمة ولم تستطع " دولة البعث " إلى اليوم أن تنجز شبكة الصرف الصحي الجديدة. أليست الرقة بالقياس إلى مدينة ساحلية كاللاذقية مثلاً، والتي لا أعرف عنها أنها تنتج غير شيء من السياحة وبعض خضروات البيوت البلاستيكية، وشيء من الفاكهة لا يمكن بحال أن تبني اقتصاد دولة منه، أليست الرقة بهذا المعنى تمدّ الدولة، بالروح، بالاقتصاد؟
هل إذا حاضر محاضر مثل الدكتور برهان غليون ستدفعون له من جيبكم؟ أنتم هكذا تظنون لأنكم تعتقدون أن الدولة " دولة البعث " ونحن لا نعتقد بل نوقن يقيناً مطلقاً أنها دولتنا نحن السوريين جميعاً لا دولتكم أنتم.
أيضاً لا أدري من أين جاء السيد الوزير بهذه الأرقام الفلكية عندما قال بأن جريدة النهار تدفع للسوريين الذين يكتبون فيها على المقال الواحد ألف وخمسمائة دولار؟ بالنسبة لي لقد نشرت في النهار أكثر من مرة ولم أقبض قرشاً واحداً منهم، وما أعلمه أن النهار تدفع في حدود مائة دولار على المقال الواحد. وأما جريدة السياسة فلا تدفع قرشاً مثقوباً، وكذلك القدس العربي. ومع ذلك فما الذي يغضب الوزير؟ هو يريد الإشارة إلى أن الذين يكتبون هناك يبيعون أنفسهم للشيطان؟ حسناً أيها الوزير أنتم لا تسمحون لأحد بالكتابة في صحفكم المهترئة، وإذا ما فعلتم فمن باب التجريب لا أكثر وهذا ما قمتم به مع حكم البابا. وأما من حيث قيمة الاستكتاب فأنتم تهينون الكاتب عندما تدفعون له بعض مئات الليرات على جهده.
نحن في سوريا لا نريدكم أن تحاضروا فينا لأننا قادرون بدورنا على نحاضر فيكم مع مراعاتنا للدقّة في إيراد معلوماتنا. ونريد منكم أمراً واحداً: لا تغشوا أنفسكم فأنتم ظاهرون بالنسبة إلينا.