ما يثير الأسف، ومع كثير من الأسى أن " وزراءنا " مصرّون على الاستهانة بالعقل السوري وعلى تخوين صاحبه، وأنهم هم فقط الذين يفهمون وهم وحدهم وطنيون علماً أن الأمر ليس على هذا النحو أبداً. فالسيد الوزير، وزير الإعلام، جاء إلى الرقة كما قلت في مقال سابق وفي جعبته ما يذكّرنا بالمنطق الذي كان سائداً قبل أكثر من أربعين سنة وهو المنطق الذي أسس له حزب البعث. كان همّ البعثيين قد انحصر في إرساء سياسات البطش والتجهيل. وكان الناس أيامها بسطاء في غالبيتهم. اليوم اختلف الحال غير أن البعثيين يظنون أن الريح ما تزال لصالحهم في حركتها.
فالكلام الذي يصدر عن وزير الإعلام ليس كالكلام الذي يصدر عن وزير الزراعة مثلاً فهذا الأخير شأنه داخلي، وبالطبع ما يصدر عنه يهمّ الجميع، ووزارته ليست سيادية. غير أن ما يصدر عن وزير الإعلام إضافة إلى كونه يهمّ الجميع، فهو يهتم بالعقل وببناء هذا الأخير، فإذا كان الحال على ما أشرنا إليه فالطامة كبرى أن وزير الإعلام يريد بناء عقل أخلاقي وسياسي واقتصادي على الطريقة البعثية، من خلال رسم صورة كالحة لإعلام كالح في زمن يعتمد أكثر ما يعتمد على الإعلام. ولو أن ما صدر عنه كان صدر عن " إسلامي " من نمط إسلاميي القاعدة أو الطالبان، لطبل وزمّر الكثير على النحو التالي: انظروا إلى هؤلاء الإسلاميين الذين يريدون إعادة الخلافة إلى الأرض، كيف يفكّرون؟. لكن ما الذي يغفر لوزير إعلام في دولة تزعم أنها دولة علمانية ويحكمها حزب " علماني " تصريحات تستخف بالعقل إلى هذه الدرجة، ويبدأ بضرب الأمثال على الإعلام المفتوح، وكأن الذين جاؤوا لحضور محاضرته في المرحلة الابتدائية، وليس فيهم لا أطباء ولا مهندسون ولا كتّاب؟
المشكلة التي عانى منها السيد الوزير، وهو يلقي محاضرته، أنه تحدث ضمن ما أُتيح له من الهامش وهو هامش محدود إلى درجة قاتلة، وأنه ثانياً وفَدَ إلى الرقة محاضراً وهو يتوقع أن الرقة مدينة يسكن قاطنوها في الخيام، وبالتالي كل ما يقال لهؤلاء زائد عن الحاجة، والثالثة تكمن في أنه على اعتبار أن حزب البعث قائد للدولة والمجتمع، والسيد الوزير عضو في هذا الحزب، فإن ما يقوله صحيح منزّل وإلا فكيف " لقائد " لا يعلم إلى أين يقود من هم تحت سيطرته؟!!.
عندما قررتُ الحضور والاستماع إلى ما سوف يقوله السيد الوزير لم أكن أتوقع أنه يحمل جديداً، ولكن بالمقابل لم أتوقع أنه سوف يستخف بعمله. الإعلام يدير العالم في هذا الوقت، ولا أعتقد أن الإعلام السوري قادر على إدارة أموره المحلية. هذه واحدة وأما الثانية فهي أن يتهم الوزير الكتّاب من السوريين، حصراً أولئك الذين كتبوا في النهار والسياسة، أنهم سوف يكتبون يوماً ما في الصحيفة الصهيونية " يديعوت أحرنوت " على أساس أنهم باعوا أنفسهم للشيطان منذ بداية نشرهم في صحف " حاقدة " مثل النهار والسياسة. هذا باختصار كلام غير مسؤول، تنقصه الدقة، ومن الغريب حقاً أن يصدر عن وزير إعلام أفترض سلفاً أنه يملك خطاباً عقلياً مفتوحاً على الناس كافة، وأن يدع جانباً لغة الشعارات التي ضيّعت الأرض وغير الأرض. وأحرى أيضاً بالسيد الوزير أن يتبصّر في ما حوله قبل أن ينطق بمنطقه التخويني هذا. وهنا أسأله السؤال التالي من يعقد الاتفاقات مع العدو الصهيوني، الحكومات العربية أم الشعوب العربية؟ وهل سبق لحكومة عربية أن أخذت رأي شعبها في ما عقدته من اتفاق صلح مع العدو؟ وهنا سأقول للسيد الوزير أنه لا يوجد كاتب من الذين ذهب إلى إطلاق تهمته الشنيعة بحقهم سوف يكتب يوماً ما في صحيفةِ عدوٍ للأمة، وأطلب إليه هو وغيره أن يحتاطوا، فلا بد أن يوم الصلح مع هذا العدو قادم، فهل تراهم سيكتبون في صحف هذا العدو أم لا يكتبون؟