رحيل الملك الفهد كان متوقعا بعد صراع طويل مع مرض في الصدر و الرئة التي أدخلته أكثر من مرة في غيبوبة خلال الأشهر الفائتة و لكنه خرج منها و عاد إليها إلى أن استودع الله الأمانة الروحية في عمر الثانية و الثمانيين.
الملك فهد هو الملك الخامس للمملكة العربية السعودية من حيث التسلسل و ابن الملك عبد العزيز آل سعود الذي أسس المملكة العربية السعودية الحديثة. و قد تسلم دفة الحكم في عام 1982 بعد أن شغل العديد من المناصب لعل أولها منصب وزير التربية و التعليم في عام 1953 و بعدها الداخلية و من ثم منصب نائب رئيس الوزراء.
و تولي منصب ولي العهد في عام 1977. و في خلال كل تلك المناصب كان الفهد اليقظ و المتحفز للانطلاق، حاميا أشباله ومحافظا على مملكته.
و في عهده تم توسيع الحرم المكي و زادت مساحة مكة المكرمة لتصبح في حدود ثلاثة و نصف مليون قدم مربع و تتسع لمليون حج مقيم و تستقبل مليوني حاج.
أما المدينة فقد اتسعت و أصبحت مليون و ثمانمائة ألف قدم مربع و تتسع إلى نصف مليون نسمه. و أقيمت العديد من المشاريع العملاقة فيهما.
ويعتبر الملك فهد من الأشخاص اللذين لعبوا دورا كبيرا في تسهيل الحجيج وتكييفه و تقديم أفضل الخدمات و إقامة الجسور و الأنفاق و المطارات و كل ما يخدم شعائر الحج و السفر و الإقامة في بلاد الرحمن.
و أصبح يحمل لقب خادم الحرمين فعلا و قولا، لان الخدمات التي قدمها لكل من مكة و المدينة و للحجيج عبر سنوات أربع وعشرين من حكمه كفيله بان يلقي ربه مرضيا بدعاء كل من حج و طاف بهذه السهولة و اليسر و النظافة و الطهارة.
و في مجال السياسة الدولية فقد ارتبط بصداقة مع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر مساهما في دفع الولايات المتحدة الأمريكية نحو فكرة "شريك السلام" من خلال إيجاد صيغة دائمة لاستقرار و إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. فقد كان متيقنا من الدور الأمريكي و تأثيرها العالمي و متانة العلاقة الأمريكية الإسرائيلية التي يمكن أن تطوع لصالح القضايا العربية و إنهاء الصراع.
و جاء لقاؤه بالرئيس الأمريكي رونا لد ريجان في واشنطن حين أصبح ملكا في عام 1985 مؤكدا من جديد على أهمية الدور الأمريكي لحل مشكلة الشرق الأوسط مطالبا الإدارة الأمريكية بمزيد من التدخل لأجل حل المشاكل في الشرق الأوسط و تأمين الاستقرار، و لم يألوا جهدا في التبرع لكل ما من شانه أن يساهم في الاستقرار و الحياة الأفضل لأبناء الشرق الأوسط.
و امتاز بعلاقات متينة و قوية مع الغرب الذي كان يعتبره ملكا قويا يمثل العالم الاسلامي و العرب بطموحات مدروسة وأفكار مغروسة بالإيمان بقدراتهم، و استطاع أن يحظى باحترام دولي على المستوى الشعبي و الحكومي معا في آن واحد.
و لقد شهدت السعودية في عهده نهضة اقتصادية و صناعية و زراعية كبيرة و تطورت بفضل فكره و رؤيته.
و ساهم في وضع صورة جديدة للإعلام العصري من خلال توجيهاته لتأسيس و إنشاء و دعم الجرائد و المجلات و محطات التلفزة السعودية في الخارج و التي باتت تغطي أنحاء العالم متمثلة في جريدة الشرق الأوسط و المسلمون ومجلة المجلة و سيدتي و فضائية ألام بي سي و العربية و غيرهم من أدوات الاتصال السعودي بصورة حضارية و تملأ فراغا كان موجودا في الساحة.
و رحيل "الفهد "الملك، النصير القوي للقضايا العادلة، يدمي القلوب و يعتصرها الم الفراق و لكنها مشيئة الرحمن التي اختارته إلى جوارها راضيا مرضيا.
د.عبد الفتاح طوقان
التعليقات