تناول موضوع الإرهاب الكثير من المفكرين حول العالم لأنه ألقى بظلاله على الساحة الدولية كأمر واقع فُرض على البشر كما هو الموت الذي نقاومه ولكن أخيراً نستسلم له مؤمنين بالقضاء والقدر وهذا لايعني أن نستسلم للإرهاب بل ينبغي مقاومته أو محاربته بكل أشكاله وأبعاده ولكن سيبقى الخلط بين مفهوم الإرهاب وتعريفه وفي النهاية هو الطريق الى الموت.

ونريد أن نجتهد فنقول تعددت الأسباب والإرهاب واحد كما يقول الشاعر العربي من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد وهنا سنقوم بتفسير الإرهاب على أنه الموت ومن من البشر لايخشى الموت ويهابه رغم إنه أمر واقع لامفر منه.

فالأسباب التي ذكرت في هذا المجال أكثر من أن تعد وتحصى ولكن نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر أسباب إقتصادية، أسباب إستعمارية، مخرجات مناهج التربية والتعليم، البطالة، الخطاب الديني المحرض على العنف، أسباب إجتماعية وأخلاقية ونفسية، التعصب القبلي والديني والتعصب للجنس أو اللون أو المعتقد وإنكب العلماء والفقهاء والمحللين على دراسة هذه الظاهرة من أكثر من جانب علهم يجدون سبيلاً للخروج من هذه الأزمة الطاحنة التي ستؤدي نتائجها الى الجهل والفقر والمرض بل الحروب والفتن وسقوط الحضارات.

لقد شهد العالم طيلة القرن الماضي، بروز تيارات إستعمارية وإستيطانية وبروز تيارات دينية نشيطة ذات أهداف اقتصادية و سياسية، مما أدى الى اتساع الهوة الثقافية والاجتماعية و الاقتصادية بين طبقات المجتمع البشري وتفاقم الأزمات الاقتصادية بالإضافة إلى غياب منظور واضح في الأفق للخروج من تلك الأزمات، الشيء الذي أدى إلى تفاقم الأزمات السياسية مما دفع، بشكل حتمي، إلى ظهور التطرف و الإرهاب.

ان ما يفعله أصحاب بعض التوجهات السياسية المنطلقة من الآيديولوجية من محاولة تبرير الاعمال الارهابية والخلط بين الإرهاب والمقاومة هو الاخطر فمن يحمل السلاح سهل مواجهته بالسلاح، أما من يعطي التبرير الديني الأيديولوجي للأرهاب ويتحدث باسم الأديان والعقائد وهم كثر وهم الذين يجب مواجهتهم بشجاعة ودون هوادة وبسلاح فكري مبني على إستراتيجية عالمية علمية وعملية جديدة لأنهم تخطوا كل الخطوط الحمراء التي يجب أن يتوقفوا قبلها.

إن الشراسة التي ميزت الهجمة الغربية منذ وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001م، كانت كرد فعل لها مايبررها لردع المعتدي عليها، ولكن التحفظات التي تؤخذ عليها أنها لاتملك حق اختيار العدو وفق اتجاهات مصالحها، بل عليها أولا" ان تحدد هذا العدو بدقة فائقة قبل أن تحاكمه وتنتقم منه، ولم تكن هذه هي الهجمة الأولى من نوعها و لن تكون الأخيرة لكلا الطرفين صاحب الفعل ورد الفعل.

ستستمر الحرب ضد الإرهاب فالعملية تبدأ بإرهاب ثم تنتهي بالحرب على الإرهاب ثم تتولد الطاقة الإرهابية ذاتياً، تحت مختلف الأشكال وفي مختلف بقاع العالم، وسوف يصاحب هذا، انحطاط إيديولوجي و تراجع للقيم الإنسانية، و ليس الستار الذي يتم إخفاء هذه الاعتداءات تحته والتفسيرات التي تعطى لتبريرها، مضللة و حسب، بل خاطئة كليا و خدّاعة.

إن تضخم أعداد اللاجئين وكذلك المهاجرين من الدول الفقيرة وغير الديموقراطية الى الدول الغنية كما هو الحال في الهجرة من القرى نحو المدن، أدى إلى زيادة الأزمة سوءا، فانعدام الأمن وإنتشار البؤس ومرارة الحياة داخل المخيمات والأحياء الفقيرة يزيد من تسعير مشاعر الإحباط و اليأس..إن وضعية الحرمان التي يعيشها الشباب المنحدر من الطبقات الفقيرة و كذلك المقارنة التي يجرونها بين أوضاعهم المأساوية وبين أوضاع شباب الطبقات الغنية تزيد من تفاقم الفساد الأخلاقي و ارتفاع وتيرة الإجرام حتى في البلدان المستقرة نسبياً ولكن فيها تفرقة عنصرية ضد الأجانب والمهاجرين وأنظمة تحول دون تساوي جميع الفئات ولو بعد زمن.

إن الجماعات والأحزاب المتطرفة سواء كانت شرقية أو غربية ستورط الشباب في تلك الجرائم بفضل الحماية التي توفرها لهم، وبسبب غياب أي مخرج لهم من بؤسهم و بسبب شعورهم بالذنب أمام الجرائم التي يرتكبونها، يفضل العديد منهم الغرق في معتقدات أيديولوجية للهروب والنسيان أو الهجرة الى المناطق المشتعلة لتحقيق هذه المعتقدات.

إن ما يستقطب الفئات من الشباب المنحدر من الطبقات الفقيرة من الشباب والناس البسطاء إلى هذه الجماعات والأحزاب المتطرفة، هو كرههم الشديد للفساد المستفحل داخل أوساط الطبقات الليبرالية والبرجوازية التقليديين والتكبر والغرور الذي يميزهم والممارسات المستفزة التي يقومون بها. بينما يعمل الساسة والدينيون على الدعوة بشكل انتهازي إلى العدالة الاجتماعية و القضاء على الفساد وإلى ثقافة الطهر والورع.

إن أولياء أمور هؤلاء الملايين من الأطفال، الذين يمارس في حقهم الاغتيال الإيديولوجي، داخل المدارس المختلفة التوجهات، في مختلف دول العالم الفقيرة، لا يمتلكون القدرة على تربية أبنائهم ومن ثم فإن أطفالهم ليس أمامهم إلا إحتمالين : إما العمل قبل إستكمال مراحل التعليم أو أن يدفع بهم الى الإنضمام الى الميليشيات أو الفصائل المسلحة حيث تمكنهم، على الأقل من المأوى وقليل من الطعام رغم ماتمارسه بحقهم هذه الميليشيات أو الفصائل من الشحن الأيديولوجي المتطرف.

أما في المناهج التعليمية لبعض الدول، و من خلال تدريسهم التاريخ والجغرافيا والدين فإنه يتم إغراق عقولهم في ظلمات الحروب والغزوات ومعاني العنف وثقافة الموت وقيم العصور البائدة، لينتهي الأمر بتلك العقول الغارقة في أحلام الماضي، إلى القيام بكل ما شهدناه خلال القرن الماضي، من تلك الحركات الأيديولوجية لمختلف الأديان ( إسلامية – يهودية – مسيحية )، و التي دمرت بتصرفاتها جيلا كاملا من الشباب، إن الإرهاب و الهمجية و الدموية النابعة من هذه التيارات المتعصبة هي نتاج لمجتمع راكد كالدم الفاسد لايريد أن ينفتح على ثقافات العالم بل يدعوا الى الإنغلاق.

إن الدعم المالي و الاجتماعي لتلك الحركات الأيديولوجية المتشددة في الديانات الثلاث ( إسلامية – يهودية – مسيحية )، ألا و هو العولمة و الهيمنة الإحتكارية للدول الصناعية والدول الغنية، التي صارت تهدد مصالح رجال الصناعة المحليين و المهنيين و رجال الأعمال و بارونات المخدرات.

إن ماتلعبه وسائل الإعلام من من خلال أشرطة الفيديو وبث أخبار الإرهاب في جميع المحطات الفضائية بلا إستثناء،والتي تجوب الفضاء وعبر الفضائيات الى مجتمعات العالم كافة نجد أن زعماء الديانات الثلاث من الأصوليين المتعصبين يؤكدون على أن الثروات هي ملكية عامة لكل أمة على حده ويطالبون بأن يتم خصخصة القطاعات العامة والثروات ويقدم لعامة الشعب مما يدغدغ مشاعر الطبقات الفقيرة.

الواقع هو أن الأساس الاقتصادي و المالي لجميع الدول يظل دائما رأسماليا في الجوهر. و من ثم فإن الاختلاف بين الحضارة الغربية و الحضارة الشرقية من الناحية الإقتصادية والمالية مجرد اختلاف شكلي و ثانوي، أما الإختلافات الكبيرة بين هذه المجتمعات في الجوانب الاجتماعية و الثقافية و التقاليد، راجعة في الغالب إلى اختلاف مستويات و مراحل التطور التاريخي التي تمر بها تلك المجتمعات.

إن أصحاب هذه الأيديولوجيات وعملائهم مجبرون على الإذعان لهذا النظام الرأسمالي العالمي متمثلاً في العولمة وتحرير التجارة العالمية والقبول به بهذا الشكل أو ذاك، لان النظام الاقتصادي المعتدل والذي لم يستطع علماء الأمم الإقتصاديين من تطويره أو تطبيقة حتى يتم تطويره أولاً بأول ليس نظاما قادرا على منافسة النظام الرأسمالي الحالي.

وهذا ما يجعل كل الاختلافات الظاهرة بينهم و الجدالات التي تقوم بينهم، كما هو شان صداقاتهم و العداوات التي تحدث بينهم، مجرد أمور شكلية و مخادعة، لهذا نجد الأصوليون يغيرون بشكل مستمر ولاءاتهم وعلاقاتهم مع تغير مصالحهم و أولوياتهم، ولهذا السبب تجدهم أصدقاء أحيانا و خصوما أحيانا أخرى عملاً بالحكمة القائلة لن تجد هناك صداقات دائمة ولاعداوات دائمة ولكن مصالح دائمة.

وهؤلاء الأصوليون المتشددون في الديانات الثلاث ( الإسلامية – اليهودية – المسيحية ) يرجعون أسباب فشل اممهم بسبب الإبتعاد عن الدين كما يرونه هم وليس كما يراه الوسطيون وهذا حال الخطاب الديني المتشدد في الديانات الثلاث ولقد أعلن الأصوليون المسيحيون في الدول الغربية أن أحداث 11 سبتمبر 2001م هي عذاب من الله بسبب الاختلاط المتزايد الذي تعرفه الدول الغنية و بسبب انهيار القيم الأخلاقية و انتشار الفساد الاجتماعي إلى أقصى الحدود.

نفس الشيء نجده بين الأصوليين الدينيين اليهود، الذين يرفضون القبول بإسرائيل نموذجا حقيقيا لأحلامهم. فهم معتنقون للرغبة المتطرفة في مد يد الهيمنة الصهيونية على كل العالم. و يعتبرون قتل الفلسطينيين والأغيار بشكل عام بأنه قتل للكفار. تحت هذا الغطاء الأصولي، يقوم حكام إسرائيل بممارسة ابشع أشكال القمع و الهمجية. و من تم يبررون أعمالهم الهمجية بواسطة الدين.

النتيجة هي سيادة التعصب الديني و الإرهاب و الهمجية و الحقد المتبادل. لتبقى الدماء البريئة تسيل بدون توقف وهذا مادعانا في أكثر من مقال الى القول إن الحرب على الإرهاب ستنتهي بحرب الأديان.

فعندما تعجز السياسة عن تطوير المجتمعات، يلجؤون إلى التشدد في الدين لاستعمال الشرائح الاجتماعية المختلفة بهدف قيام نزاعات تحت مسمى الحرب على الإرهاب. وظهر قبل ذلك شعارات قومية من خلال الخطب المعادية للإمبريالية التي أفادتها كثيراً في حقبة القوميات التي صفق لها كثير من الشعوب الفقيرة المستضعفة.

وحتى بعض الدول الإسلامية إستعملت ولازالت تستعمل نفس الشعار ( معاداة الإمبريالية ) وتمكن حتى من تشكيل حكومات في أكثر من بلد إسلامي ودعنا نضرب مثلاً متجددا وهو عندما يقوم نظام ما في بلد ما بمعاداة الدول الغربية مثلاً لسبب ما نجد في اليوم التالي المظاهرات والخطاب الديني يلتزم بشعار ( معاداة الإمبريالية ).

وهو ماحصل أثناء الجهاد في أفغانستان عندما أوقفت الدول الغنية مساعداتها بعد إنسحاب القوات الروسية وبعد أن إستعملتهم الدول الغنية لتحقيق بعض من أهدافها ضد الشيوعية شعر الملالي و بعض قطاعات الجيش بالخيانة من قبل الدول الغنية لهم بسبب وقفها للمساعدة و حرمانها لهؤلاء الحلفاء الدينين والعسكريين من الثروات التي عملت الدول الغنية على إغراقهم فيها طيلة سنوات الجهاد وبالتالي إنقلب السحر على الساحر وأصبح شعار ( معاداة الإمبريالية) هو السائد في تلك المنطقة.

هذه هي الطريقة التي تفكر بها الفئات الفقيرة من ضباط الجيش في أي بلد، الذين لا يستفيدون ماديا من الغنيمة بالدرجة التي يستفيد بها القادة الكبار في الجيش و البيروقراطيون. و هذا ما يزيد في إحباطهم و غضبهم. وهو مايشكل صراعاً داخلياً في صفوف الجيش بين الضباط اللبراليين و الضباط المحافظين، سببه الحقيقي هو الصراع على الأرباح و المصالح المادية اكثر من كونه صراعا ذا أصول إيديولوجية وكثيراً ما نسمع عن مصطلح أمراء الحرب.

إن أهم أسباب أفول الحضارات والإمبراطوريات والدول والحكومات بشكل عام، كان هو علو أصوات أصولية متطرفة تبث الفتن لتشن الحروب وتتهافت على الثروات والسلطة وتفقد العدل الإنساني والإجتماعي وتفرق بين المواطنين واللاجئين والأجانب فيفقد العدل الذي هو أساس الملك، وتصعد التطرف بين الطبقات في المجتمع وتستأثر لنفسها بطبقة النبلاء والموالين والمنافقين.

إن هذا الانحطاط لم يؤدي فقط إلى انهيار حضارة بأسرها، بل كذلك إلى تقييد العقول بأغلال أيديولوجية، و سيادة الأفكار المتزمتة وإلى إغراق المجتمعات في مستنقعات آسنة بحجة الدعوات الى القوميات وبني الجنس الواحد وتوطين المهن بين أبناء هذا الجنس وإختلاف النظم في التعامل مع كل طبقة من الطبقات التي تشكل المجتمع فيزول العدل وينتشر الظلم ويزداد الحقد وينشر الرعب والتعصب الأعمى والإرهاب.

مصطفى الغريب – شيكاجو