هذه هي غزة؛ عينٌ لا ترفُ لقاتلٍ وجرحٌ لا يلتئمُ على باطلٍ، هذه هي غزة؛ عاصفة تقتلع البدع، ودم يلفظ الوجع، هذه هي غزة؛ وجه عروس لا تبتسم طرباً لعميلٍ، ولا تستسلم زمناً لذليلٍ، هذه هي غزة، تحسبها تغط في سباتْ، فإذا بها تنطق بالفصحى، عربية السماتْ، تعطيك الإشارة، وتلوح بالراياتْ.

هذه هي غزة؛ غضبٌ، لهب،ٌ صخب،ٌ عجبٌ، عربٌ، حسبٌ، نسبٌ، عتبٌ، تطوّحُ عن كتفها أعشاشَ الغربانِ، وتلقي عن كاهلها رمزَ الخذلانِ، هذه هي غزة لمن ظن يوماً أنه باقٍ على ترابها فرداً صمدْ، ولمن حسب حليب ماعزها أسودَ للأبدْ، ولمن ظن ظهر فرسها سرجاً لتغطرسه وتجبره، وتكبره، وأنه كرباجٌ من مسدْ، وأن سلطانه باقٍ، لن ينازعه أحدْ!!

تململت غزة، وألقت عن ظهرها العفن، تململت غزة قليلاً فتساقط عن ترابها هواة العنف، والبطش، والفسق والطيش، والفساد، والجريمة، عشاق الوسن، تململت غزة فتطاير أطفال السياسية كالعهن، تململت غزة فانقلع من ترابها عديم الجذور، أخضر الدِمَنْ، تململت غزة فاحترقت في نارها الأعشاب الضارة، وذوت نباتات الظل المتسلقة على جبل الدم، ونار الفتن، تململت غزة، وتمايلت، وكأنها سفينة تعودت العواصف والرياح العاتية، بعد أن ظنها الجاهل سطحاً ناعماً للعبه، ولكذبه، ولطربه، وبعد أن ظنها مرتعاً للجرذان تمارس في ظلالها الألاعيب، وتحفر تحت أساساها السراديب.

هذه هي غزة التي تماوج عطرها في الأنفاس، وفاض أريجها وانطرح، هذه هي غزة التي تستذكر مدير شرطتها السابق اللواء الركن غازي الجبالي، وهي تهز غصن الدمع في رقصة المرح، أين أنت يا غازي!؟ أين أمثالك من كيلٍ طفحْ؟ أين من صال وجال على رمل غزة، تمطى بصلبه وانشرحْ، أين أنت يا...... ليكتمل بك الفرح!!.

توهجي يا غزة، واغسلي عار سنوات من الصمت الكئيب، ومن الحزن الرتيب، توهجي، وإياك أن تعودي ثانية إلى بيت الطاعة الذي أذل فرسانك، وكسّر وجدانك.

ويا لعارك يا غزة لو رست مراكبك في موانئ التجار، يا لعارك يا غزة لو هدأ موج غضبك دون تنقية شواطئك من الجيف التي أزكمت أنوف الشهداء! وحززت نفوس الشرفاء.