ان اي دولة ذات سيادة وحتى شبه سيادة تستطيع ان تشرع القوانين التي تحافظ بها على التوازن الاجتماعي وحماية المال والدار والعائلة.
وتختلف الدول في طريقة التشريع القانوني، ومن تلك الدول ومنها العراق وعلى عهد الرئيس صدام حسين فان قول الرئيس هو التشريع وخطبه هي التي تدخل معامل الصياغة لتكون نافذة وملزمة لكل الناس دون استثناء، وهكذا عانى العراق من دوامة من الفوضى التشريعية واصبحت قرارات مجلس قيادة الثورة قانوناً وما تصدره رئاسة الجمهورية من مراسيم ايضاً قانون.. ولأجل شرعنة هذه الفوضى التشريعية تعبر اكثر الاحيان عن رغبات ومزاجية السلطة، او ما يقترحه الامن القومي من افكار لزيادة قبضة السلطة على الشعب أو تفضيل فئة على فئة أو مدينة على مدينة دون أي أساس سوى المزاجية وردود فعل للرئاسة أو لأي جهة تملك أحد مفاتيح القرار.
هناك عوامل دفعت الرئاسة الى خطوة ظاهرها اصلاح النظام القانوني، وواقعها هو اصدار تشريع يقوي يد السلطة ويديم بقائها، حتى تكون من القوة بحيث تصبح الرئاسة وراثية، كما في الانظمة الملكية، وفعلاً ان النظام السابق لم تزعزعه ولم تهز كيانه أكثر من خمسين محاولة انقلاب ثمانية منها في محافظة الانبار وذهب الكثيرون نتيجة اكتشاف مخابرات النظام لها ومساعدة دول معينة لكشف تلك المحاولات بعضاً.
لقد تولى وزير العدل رئاسة هذه اللجنة والتي شكلت بمرسوم جمهوري تعتبر قانوناً ملزماً، وبرأيي ان هناك الكثير من سوء التشريع وصياغة قوانين ومواد وفصول لا تحقق العدالة ولا تصل الحق لطالبه، هذا في التشريعات الحقوقية أم في التشريع الجنائي فان أهم ميزة للقوانين التي اصدرتها لجنة اصلاح النظام القانوني هي القسوة وكثرة المواد التي تنص فيها على عقوبة الاعدام، وقد تعددت الحالة التي نصت عليه هذه القوانين منها الترصد وسبق الاصرار أو تجاوز فعل القتل وجريمته أكثر من مجنى عليه واحد وكذلك اغتصاب للمحارم، واللواطة مع التعذيب المزهق للروح ويلاحظ ان هذه القوانين جاءت بعقوبات قاسية وأخطر نقطة في ذلك ان التشريع السابق حرم القاضي وكفّ يده ومنعه من حقه في سلطته التقديرية للعقوبة حسب خطورتها فرفع سقف العقوبة الى اعلى مما كانت عليه.
ان التشريع الذي جاء به النظام السابق والذي يخص القضايا الجنائية والمواد العقابية غيرت في قدرة القاضي وصلاحياته وقيدته في قالب أرادته السلطة عند تشريعها القانون، ومثال ذلك لو أخذنا أن عقوبة السرقة في النهار كانت في السابق بين 3 سنوات الى 7 سنوات وتشتد اذا كانت في الليل على اعتبار ان هذا يجعل الفعل في ظل ظروف مشددة، القانون الجديد رفع من سقف العقوبة الأدنى وجعلها من 3 سنوات الى 5 سنوات وابقى العليا 7 سنوات، اذاً في مثل هذه الحالة ليس للقاضي أي خيار في تقدير ظروف كل قضية على حدة، وهذا يقلل من ممارسته شرف المهنة.. مهنة التقاضي التي تعادل ساعة عدل منها ألف سنة عبادة.
في بعض القضايا يجد القاضي أن فعل المتهم لا يحرز أن ينال عقوبة مثل ما وردت في الحد الأدنى من القانون كوجود حق الدفاع الشرعي مع احتمال تجاوز هذا الحق.
لابد من الاشارة الى ان النظام السابق تساوى مع النظام الحالي وكلا النظامين جاءا بقوانين ليست عند طموح الناس ولا توفر الحد الأدنى من العدالة، واذا ما تمعنا في القرارات التي اصدرها الحاكم المدني بول بريمر وهي تزيد عن 180 قراراً وقانوناً كلها جاءت بصيغ ليست في المستوى الأدنى من تحقيق العدالة وهذه القوانين برأيي علينا بعد ممارسة المجلي النيابي المرتقب أن يقرر ما يلي :
أولاً: تشكيل لجنة قانونية تضم خبراء عالي الكفاءة لدراسة جميع هذه القوانين التي صدرت في فترة الاحتلال واعطاء الملاحظات التي يرتأونها عن كل قانون على حدة بكل حرية وبدون تقيد ويوصوا بما يجب أن يثبت أو يلغى أو يعدّل.
ثانياً: أن تحال هذه الاقتراحات بعد صياغتها بالشكل المعدل تعرض على المجلس النيابي للتصويت وعند التصويت عليها تكون نافذة بحق الجميع. القوانين يجب أن تكون لها السمات التالية:
1- الوضوح والبساطة.
2- عدم قبول التأويل وتحميل النص أكثر من طاقته.
3- مساواته بين كل الناس الذين يعتبرون كاسنان المشط عند التطبيق والتقاضي.
وبرأينا أن نعطي مهلة ثلاثة أشهر توزع فيها هذه القوانين على المحامين والقضاة وكل الذين يعملون في صناعة القانون، ويطلب منهم الرأي وملاحظاتهم لتكون مداراً للتدقيق والتنفيذ في فرصة تعديل هذه القوانين.
العبرة في التطبيق لا بالتشريع.
نحن اذا أبدينا رأينا في فوضى التشريعات في الزمن الماضي وكونها تصب في مصلحة النظام وازدادت هذه الفوضى بعد الاحتلال والمصلحة في تشريعها من بقاء سلطة النظام الى بقاء جيش الاحتلال، ومن ثم ان كلا الحالتين (النظام السابق أو فترة الاحتلال) لا تريد للعراق قضاءً قوياً بحيث لا يستطيع إملاء رغبات المحتل على بقية الشعب مع خطوات خطيرة منها: استثناء الجنود الامريكان وقوى الاحتلال من أي مساءلة قانونية حتى لو ارتكبوا أشد الجرائم وليس من حق القانون ولأن سيادة القضاء أن يقبل شكوى مواطن عراقي ناشته رصاصة من جندي امريكي تعمداً أو عشوائياً، وكذلك ليس له الحق حتى أن يطلب تعويض مدني.
نحن كجمعية محامين بلا حدود دخلنا في محاولة مع نقابة المحامين العراقيين البريطانيين التي أنا نائب رئيسها لاقامة دعوة للعراقيين في البصرة يملكون حق طلب التعويض، ومن البديهيات القانونية أن يصار الى دفع التعويض الا بعد أ نتقنع المحكمة بوجود جريمة منوبة صحيحاً على المشكو منه المتهم وهناك رابطة سببية بين الفعل والادانة والتعويض، كسبنا المعركة في المحكمة ولكننا خسرناها في المحكمة المشكلة في مجلس اللوردات باعتبارها محكمة تمييز، وأنا شخصياً حاولت أن أستفاد من القانون الفيدرالي الامريكي والذي ينص بصراحة على أن أي انسان وقعت عليه جريمة من قبل أي مواطن أمريكي وفي أي بلد يحق له رفع الشكوى لدى المحكمة الفيدرالية العليا في واشنطن، وهذا النص والفكرة مأخوذة من نصوص مواد الدستور الامريكي الذي اصدره الرئيس جيفرسن وعززه لنكولن ولكن لم نتطع أن نتقدم كثيراً في مسعانا القانوني هذا.
ليس هناك خطراً على أي نظام وليس هناك ظلماً على أي شعب أن يكون القانون فيه ليس بالمستوى الذي يستطيع فيه تحقيق العدالة، أو أن يكون في أيادي تمارس تطبيقه وتسيء الى العدالة في طريقة التطبيق سواء أكان تعمداً أو عدم خبرة أو خيانة للوطن. نحن القانونين والحقوقيين من محامين وقضاة وأكاديميين يجب أن نرفع صوتنا في الوقت الحاضر ونصرخ عالياً كفى ظلماً وكفى هتكاً لمفاهيم العدالة وكفى خرقاً للقوانين وكفى ابتعاداً عن العدالة والشعب يعاني ويعاني كثيراً.
المستشار خالد عيسى طه
رئيس جمعية محامين بلا حدود
ونائب رئيس نقابة المحامين العراقيين البريطانيين
لندن /1/2006
التعليقات