تصريحات نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام المنتقدة للنظام السوري اصابت عصب النظام وجعلته يتخبط ومن تداعيات هذا التخبط قرار حزب البعث السوري طرد خدام من عضويته ونيته محاكمته بتهمة الخيانة العظمى بعد يومين من تصريحاته التلفزيونية التي قال فيها إن الرئيس السوري بشار الاسد هدد رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري قبل اغتياله بأشهر قليلة.
إن انشقاق خدام يعد ثاني حادث رئيسي داخلي يحدث اضطرابا داخل النظام السوري خلال أقل من ثلاثة أشهر بعد العثور على وزير الداخلية غازي كنعان ميتا في مكتبه في أكتوبر/تشرين أول الماضي حيث زعم أنه انتحر بمسدسه.
والتساؤل هل امريكا تريد تغيير النظام البعثى السورى أم انها تريد عقد صفقة معه لصالحها؟ يرى محللون كثران امريكا تريد تغييرا في النظام، بينما لا تريد فرنسا رؤية النظام وهو ينهار خشية حدوث فوضى او حرب اهلية، بينما بريطانيا ليست واثقة، لأنها لا تعرف ماذا سيحدث بعد ذلكquot;.
وان الخيار امام سوريا سيكون واحدا من امرين: اما ان تعامل مثل العراق او ان تعامل مثل ليبيا. اي ان ترفع الضغوط عنها مقابل بعض الخدمات المحددةquot;. ان مسار لجنة التحقيق الدولية بعد شهادة خدام وضع الرئيس السورى في خضم ازمة معقدة الحلول quot;لأن التعاون مع التحقيقات يعني وضعه موضع الشبهة الجنائية بأنه هو من وافق على اغتيال ىالحريرى مع تسليم صهره الى العدالة الدولية، وهو امر يمكن ان يهدد بحدوث انقلابquot;. إن حكم بشار الأسد لسورية يوصف الان على نطاق واسع بأنه حكم متأرجح ونموذج من سوء الحسابات المستمرة. وما إذا كان نظامه يستطيع الاستمرار بعد أكبر خطأ له وبعد الفقدان لسيطرته على لبنان.واما تجاهل مطالب مجلس الامن فانها تعني مزيدا من العزلة الدولية لبلاده وزيادة مصاعبها الاقتصاديةquot;. وقد حاول الاسد البحث عن حل وسط عبر ارسال اشارات الى واشنطن يعرض فيها صفقة على الطريقة الليبية تشمل تسليم بعضا من كبار المسؤولين وانهاء انشطة نظامه الدموية. غير ان هذا العرض جاء متأخرا للغاية، quot;لأن بوش توصل الى يقين بأنه لا يمكن الاعتماد على الاسدquot;. ربما توصل بوش الى هذه التنيجة نتيجة تحليلات ترى ان على امريكا تجنب الارتباط مع القيادة السورية قبل أن يتوضح مستقبلها بشكل أكبر. في نفس الوقت، فإن على الولايات المتحدة أن ترتبط مع جيران سورية في حوارات منفصلة للتعامل مع العواقب الإقليمية المحتملة لعدم الاستقرار السوري. طوال 24 سنة من الهيمنة على سورية، لم يضع والد بشار، الرئيس الراحل حافظ الأسد نفسه في وضع سياسي خطير كهذا. ولم يحافظ الابن على اولويات سوريا الرئيسية فى استمرار نظامه واستقراره، والسيطرة على لبنان، واستعادة مرتفعات الجولان، وحفظ مركزية سورية في القضايا التي تهم المنطقة، وأن سورية لا ينبغي لها أبداً أن تكشف عن ضعفها، لأنه كان يعرف مواضع انكشاف سورية وكان يخشى من أن يتم استغلالها، فقد كان يضع أهمية كبيرة للاحتفاظ بقوته وكان يأبى التخلي عن أي جزء منها حتى وإن كان المرء لا يؤيد الطريقة التي كان حافظ يحمي بها هذه المصالح، إلا أن سلوكه على الأقل كان موضع احترام اضاعه الابن. الذى لم يكن مقدراً جيداً لحسابات القوى. ولم يكن حذراً جداً لئلا يتجاوز حدود أولئك الذين قد يؤذون سورية. ولم يعرف متى يتحدث ومتى يتراجع. ولذلك كثيرون داخل الادارة الامريكية وخارجها كانوا يدافعون عن سياسة العصا والجزرة ازاء سوريا في السابق، لكنهم تخلوا عن ذلك الآن. ان امريكا تعلمت الكثير من دروس العراق، وصارت ترى ان الحل الافضل امامها الآن هو ترك مجلس الامن يقود الجهود الدولية ضد سوريا، وان تتحرك هى من خلف الكواليس لأن تدخلها المباشر قد يؤدي الى نتائج عكسية.
وكل ما يحاوله الاسد الابن الان أن يسير متخبطاً وفق استراتيجية مبنية على الخوف من بديل لنظامه، والذي هو الإخوان المسلمون السنيون، والتي يظهر أنها الجماعة الوحيدة المنظمة من خارج النظام. والبعثيون يحاولون تخويف السوريون العلمانيين، والآخرين في المنطقة، والمجتمع الدولي على حد سواء. بالإخوان المسلمون ويرددون انه في حال وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة، فإنهم سيدعمون التمرد في العراق، وكذلك حماس، والجهاد الإسلامي، والرافضين الآخرين الذين يقومون بأعمال عنف ضد إسرائيل! لقد أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أن سورية كانت معزولة وكانت في حاجة لتغيير موقفها من العراق، ولبنان، وإسرائيل. في الحقيقة فقد تضمنت رسالتها أن النظام بإمكانه أن ينقذ نفسه إذا كان مستعداً لإيقاف دعم التمرد في العراق، وجهوده المستمرة لزعزعة استقرار لبنان، ودعمه لحماس والجهاد الإسلامي. ربما قد يرى الأسد أن هذا هو حبل النجاة، كما أنه قد يعلم أن عليه القيام بتغيير استراتيجي كي ينجو. ولكن هل يستطيع النجاة بعد زلزال خدام؟ الرجل لم يقدم على شيئ يشير إلى كفاءة أو استراتيجية مرنة، إضافة إلى ذلك،، هل سيتخلى المجتمع الدولي عن المطالبة بالمحاسبة عن اغتيال الحريري في مقابل تغيير كهذا؟ أن التهديد للنظام اليوم قد يأتي من هؤلاء في داخل سورية والذين يشعرون أنه لإحباط فرض عقوبات دولية، فإنه ينبغي أن تتم إزالة النظام. إن الخوف من الإخوان المسلمين لن يعيق على الأرجح قيام انقلاب عسكري، خصوصاً لأن الذى يرى نفسه حامياً لسورية من الإخوان المسلمين. كذلك، فإن البديل لطائفة الرئيس الأسد العلوية قد لا يكون الإخوان المسلمين بل نظاماً عسكرياً بقيادة سنية ـ علوية. ولن يكون ديموقراطياً، بل سيسعى لتقليل عزلة سورية.
أن الرهان الأفضل هو أن أيام بشارفى الحكم أصبحت معدودة، وستبقى وجهة سوريا غير واضحة لبعض الوقت.
د. عبدالعظيم محمود حنفى
الخبير فى الدراسات الاستراتيجية
مدير مركز الكنانة للبحوث والدراسات القاهرة
ت 0104200923
التعليقات