والفيدرالية، طريق للوحدة
من الأضرار النفسية المزمنة التي خلفها نظام حزب البعث العربي في عقلية الفرد العراقي هي فكرة الوحدة.
ناهيك عن عشرات المفردات الجميلة التي شوهتها أسلحة الدمار الثقافي الصدامية فحولتها في أذهان العراقيين الى بديهيات مخزية، يصعب إعادتها الى معانيها الحقيقية: الوحدة، الامة، الوطن، الحزب، الديمقراطية، الحرية، الاستقلال، القيادة، الانتماء،.... والانتصار..
يحتاج العراق الى إعادة تأهيل لتلك المفردات لا في تعريفها وحقلها المعجمي وحسب، بل لإعادة تأهيل حقيقية للذائقة المعرفية والعقلية للعراقيين، لا أقصد المواطن العراقي البسيط، لأنه مشغول عني وعن قراءة ما يكتب في الصحافة بأفواه أهل بيته المفغورة، وبأجسادهم العارية التي يحاول كسوتها، أقصد هنا إعادة تأهيل المعاني الصدئة في فكر من يكتب، ويمارس السباحة على ساحل المعرفة مستسلما لتلك المفردات، دون ريبة أو شك في دلالاتها المتورمة، والمنخنقة والموقوذة وما أكل السبع... من يقول إن المفردات لا تمرض، ولا تموت ولا تتناسل،.... وإن تشابه البقر علينا..
يقول أحدهم ـ مثلا ـ (أنا عراقي)، ولا يريد الاعتراف بسنيته ولا بشيعيته، ولا بكرديته، هكذا دون سابق معرفة به، وبمسيرته المعرفية إن كان له مسيرة صحيحة، أصف هذا الرجل بالفشل المعرفي، quot;فالسالك على غير بصيرة، كالسائر على غير الدرب لا تزيده كثرة السير إلا بعداquot;.. ثمة من سار على طريق البعث العربي،. فابتعد عن فهم المعاني الأصلية للمواطنة..
هل نتصور مخلوقا سليما ينتمي للعراق بهذا الشكل العشوائي....!!، أنا شخصيا لا أستطيع أن أتخيل ملامح ذلك الكاتب المفرغ الذي الذي ينفي انتماءه لخط ديني وإن كان علمانيا، ويتنكر لتاريخه، وان كان غير ملم بالتاريخ..
المواطنة ليست ترفعا عن الحقائق، والانتماء للعراق لا يعني أن تتهم الشيعة بالشعوبية، والسنة بالديكتاتورية والزرقاوية، ولا الكرد بالانفصالية والعنصرية،... وإن كان هناك من يتنفس الصعداء سرورا لتلك الاوصاف...!
ولكن... من قال ان الليبراليين الشيعية وفي غمرة نشوة حفلة خمر في أوربا يتنكرون لمجزرة كربلاء، ومقتل الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد رسول الله؟؟!
ومن قال ان الليبراليين السنة يقبلون أن ينتقد أحد الشيعة سياسة الخلفاء الراشدين، واتهام سيدنا عمر (رض) بالتأسيس للتمييز العنصري بين المهاجرين والانصار وبين المكيين والمدنيين، وبين العرب والعجم، وبالتفريق بين المسلمين في العطاء؟؟!
أقرأ أحيانا ما يدمي القلب من كتّاب أظن أنهم يحلمون بأن يطوبهم الناس أنبياء وقديسين، غثاء من الحديث اللاعلمي، واستخداما غبيا للمفردات الكبيرة دون أن يعرفوا انهم أخذوا تلكم المعاني من صدام نفسه، من كراريس القائد الضرورة...
ليس مخلا بالوطنية القول ان السني سني والشيعي شيعي، والكردي كردي، والمسيحي مسيحي.. كما ليس عيبا ان تقول لليد انها يد وللعين انها عين..
يخرج ثلاثة عراقيين شيعي وسني وكلداني، من أبناء منطقة الكرادة في محافظة بغداد، للمهجر الاميركي، بطائرة واحدة وفي يوم واحد، ينزلون في مطار ديترويت في ولاية مشيغان،.. هناك من يستقبل كلا منهم.. ثم يذهب كل منهم الى ضالته!
في الخميس مساء كان الشيعي مع إخوته الشيعة في مركز الإمام علي يقرأون دعاء الخضر الموروث عن سيدنا علي بن أبي طالب ويسميه الايرانيون بدعاء كميل بين زياد.
في الجمعة كان السني يصلي الجماعة في جامع ديكس بإمامة شيخ من اليمن..
وفي الاحد ذهب الكلداني الى كنيسة أم الله لتأدية صلاة الاحد وسماع عظة قس أميركي!
هل نلوم هؤلاء العراقيين، هل نكفّرهم، هل نتهمهم بفقدان روح المواطنة،.. من يجرؤ على القول ان الانتماء لطائفة معينة يصطدم بالمواطنة.. إلا في فكر القائد الضرورة..
مرحلة الاكتشاف:
الإحساس الطائفي خطوة في طريق الوطنية
الشيعة والسنة بدأوا الخطوة الاولى نحو الوطنية عندما بدأوا باكتشاف ذواتهم العقائدية التي أجبرتهم الظروف التاريخية الحادة على تناسيها
زيارة الحسين وزيارة قبر عبدالقادر الكيلاني متعة وطريقة للالتقاء والمحبة
اكتشاف الشيعي لعلاقته بالعرب والفرس والسنة يخدم المصلحة الوطنية ويدفع بعجلة المواطنة الى الامام ما دامت سيرا نحو الالتقاء لا سيرا الى نقطة قاصية، إذا لا بد من أن تتعرف أجزاء الوجه الوطني على أنفسها، لا بد ان تدرك اليد في الجسدquot; مثل المسلمين، كمثل الجسدquot; أنها يد وتعرف دورها كيد وتعرف ان الرِجل عضو آخر يختلف في شكله و دوره وعمله، ولا بد أن تعرف اليد علاقتها مع كل الاعضاء في الجسد..
هكذا يجب أن نترك الحرية... الحرية.. للشيعي أن يتعرف على عقيدته أولا، وأن ينشغل السني بمعرفة نفسه قبل الانشغال بالنظر الى ما يظنها قذاة في عين ذلك الرافضي..
أن يترك الشيعي المجال للسني ليعرب عن علاقته بالسلف الصالح، وبالفكر الوهابي ما دام دون تكفير، وان لا يزايده على حب أهل البيت ويجعل حقوق الحديث عن كربلاء محصورا بالشيعة..!
الوطن: الوطنية، المواطنة، تعني أن يكون هناك جسد متعدد الاجزاء مؤتلف النظم والاجهزة، مستقل كل عضو بقراره الذي لا يخرج عن خدمة الجسد الوطن
العين التي لا تبصر أجزاء جسدها الاخرى عين عمياء
الانف الذي لا يشم رائحة جسده أنف أجدع
والاذن التي لا تنفع الجسد، ولا تسمع لخير الجسد..
والجلد الذي لا يتحسس لخير الجسد..
والقلب الذي لا ينبض لخير الجسد..
واليد التي لا تذب لخير الجسد..
والقدم التي لا تمشي لخير الجسد..
أعضاء الجثة الهامدة.. العراق
ليحس كل عضو في جسد العراق الاعضاء الاخرى، ولتتداعى بقية الاعضاء بالسهر والحمى لما يحدث للعضو الشيعي في جسد العراق، لان موت الاعضاء وحده ما يحول دون استشعارها بما يجري لغيرها في الجسد ذاته.
ليشعر العضو الشيعي بالعضو السني، ليستمع لصوته، إذ لم يعد التغافل عن وجود ما يسميه السنة مقاومة مجديا، حين يقف المسلح ليحمي صندوق الاقتراع الذي يدلي به السني والشيعي في الرمادي على حد سواء.
هل نريد أن نكون مواطنين!!.. إذن علينا أن ندرك الآخر ونقدره ونرعى مصالحه
لا يكون هناك عراق ما دام السني يجيب عندما يسأله العرب خارج العراق من هم الشيعة في وطنك، فيقول ملايين قدموا من إيران، ومجموعة مليشيا إيرانية.... ومشايخ صفويين... وعبدة سرداب..
لا يكون هناك عراق ما دام الشيعي يجيب عندما يسأل عن السنة ليقول انهم مجموعة يديرها إرهابي يدعى صالح المطلك وتحركها المخابرات الدولية لقتل الشيعة..
المواطنة أن يقول العراقي أنا عراقي شيعي أحيى مع إخوتي السنة والكرد والتركمان في وطننا العراق
المواطنة أن يعرف المسيحي ما يدور في حلقات الدرس في حوزة النجف، وفي ضريح الشيخ الكيلاني
المواطنة أن يقول السني أنا عراقي سني عربي، وأخي سني كردي، وأخي الآخر مسلم شيعي...
تلك هي المعرفة الايجابية
وإلا كيف لمواطنين يعيشون الباطنية ويكتم الاخر ما يدور في صدره.. أولئك بواطنون وما هم مواطنون
يتحدث الواحد بالوحدة في العلن وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا كنا مستهزئين
لننضج إفكارنا الوطنية أكثر
الوطن كثير بأبنائه
الوطن واحد بتعدد أجزائه وجغرافيته
فالفيدرالية طريق للوحدة
والمواطن الحق الذي يقر بإخوته المختلفين عنه لا أن يتعالى على معتقداتهم
الوطن عقيدة، أساسها أن تعرف نفسك، تحترمها، وأن تعرف شريكك في الوطن وتحترمه
لن يكون العراق وطنا.. حتى نكون نحن مواطنين..
ناصر الحجاج
[email protected]
التعليقات