في العالم الخرافي..
في ذات زمن مضى أرهقت نفسي كثيرا للوصول الى حقائق ثابتة حول عالم اعتقدت ndash;واهما- انه كسائر بقاع الجغرافيا يمكن استكشافه بعد الاستعانة ببعض الوسائل المادية (العلمية)، بينما لم اكن ادرك ان هذا (الكائن) الغريب يسمو فوق خيال الاستدلال المادي للامور ويتمدد على مساحات السراب غير القابلة للإكتشاف والعثور..
انه الشعر.. حيث لا تعريف علمي ثابت ومحدد له ولا وسيلة مادية مشهودة للتربع في عروشه المخملية بإستثناء تلك الهبة الربانية التى تجعل من جنونه ثابتا موضوعيا يعادل الوعي.
وفي ذلك الزمن الجميل الذي اعود إليه اليوم بخيط الذاكرة الرفيع.. اذكر ان احد الاصدقاء (وهو المهوس بعالم الشعر ) قد تكرم بـ (اقراضي) كتابا متوسط الحجم لشاعر اعشقه حد الجنون هو quot; نزار قبانيquot;، وكان عنوان الكتاب :( ما هو الشـعـر ؟؟)
تصور معي عزيزي القارئ..ان هذا الاديب العظيم والشاعر العملاق قد افرد كتابا كاملا لوضع معالم مميزة لهذا العالم المترامي الأطراف الذي يسمي بـ quot;الشعر quot;..وبينما فرغت من قراءة الكتاب في ظرف قياسي لم اتوصل حتى الان إلى تعريف محدد يقف لدى حدود قناعتي وإنجرافي نحو هذا العالم.
ذات مرة كنت أجري حوار صحفيا مع شاعر عربي كبير فتبادر إلى ذهني ذاك السؤال المشاكس الذي يرهقني كثيرا، فوجدتني اريح نفسي بطرحه الى ضيفي الكبير.. quot;ما هو الشعر وماذا يمثل لك ؟؟quot;، وبعد إبتسامة عريضة، أجابني الشاعر :quot; انتم من يجب عليكم تحديد ماهية الشعر..فنحن منتجون لهذه المادة وانتم من يحكم عليها ويتعاطى معها، بل انتم من يحدد من منا شاعر ومن ذلك الدخيل الى عالمنا..اما نحن فماعلينا إلا الإجتهاد لنيل رضاكم وإستحسانكم ولإنتزاع شهادة إعتراف بأن ما نقدمه هو بالفعل ما تسمونه انتم بالشعر...quot;
تلك كانت الاجابة التى قدمها الشاعر للجزء الاول من سؤالي..وهي ذات العبارة التى جعلت وساوس الدنيا تتملك مخيلتي وتفكيري..بل في بعض الاحيان جعلتني أصدق كل اوهامي.. وبنرجسية غريبة اعتقدت أن هذا الشاعر الكبير (الشهير) عجز في الإجابة عن سؤالي الصعب...ثم ما لبثت ان راجعت ذاتي،و قلت عله تحفظ عن الإجابة لأن سؤالي محرج ( انظروا حجم الكارثة..)
لكن ما أغفلته تماما عن جملة الاحتمالات الوفيرة هو ان هذا العالم الجميل هو اوسع وارق من ان يحدد بمفردات عقيمة تحد من حقيقة إمتداداته العميقة في الذات..كما نسيت ان كل قراءاتي باءت بالفشل في الخروج بتعريف يقنعني بشكل كافي..
يقول quot;بابلوا نيرودا quot;: quot;الشعر هو وجدان الحياةquot;، ويقول مصطفي امين quot; الادب هو التعبير عن الحياة او بعضها بعبارة جميلة quot;.
بينما يشكل االشعر والأدب بشكل عام بالنسة لي، طعالم أبعد من الحياة التى نعيشها، وأعذب من لحنها الأخاذ وأحد من آلالامها العميقة quot;.. لذلك وجدت نفسي تبحث عن ثمة ملجأ يريحها من طلاسم هذا العالم الخرافي..، فكان ان شغلتها بالسياسة حينا والصحافة حينا آخرا، دون ان تجد مستقرا حقيقيا يريحها ويفك عنها حبال الإرتباط القدري بهذا العالم فكل تلك الدروب اضحت بالضرورة تؤدي الى محطة واحدة لدي.
أو كما قال نزار قباني quot; اذا كانت كل الطرق لدي الاروبين تؤدي الى روما فكل الطرقات لدينا تؤدي الى الشعر quot;
-وقـفــة -
أحتاج دوزنة ً
تفك حبالكم عني
وتربطني بكم
كيف التقيتمhellip; خلفَ نافذتي
تجمهرتِ البنادقُ
ناصبتني الشعرَ
والخوفَ المسيجَ بالخمور
قرّبت بين النساء
وباعدت بين النساء وبيننا
- نادوا الوصيفات الشهود
وكل خدام البلاط
- هذا النكوص يخيفنيhellip;.
سأدس باطنَ راحتي في صدرها
وأظل أعلن أنه _ قد قٌد من دبر _
فكيف ترونني hellip;.؟!
(مقطع من قصيدة للشاعر الاريتري محمد مدني)

*محمود ابوبكر