الإعلانات في الصحف ووسائل الإعلام، في المواصلات وعلي الحوائط، عالمٌ عاكسٌ لواقع مجتمع بعينه، مدي تنوعه وتقبله للآخر، صراحته ووضوحه، مقدار أمانته؛ بقدر ما يقل عنصر منها يزداد نقيضه. الإعلانات، أيضاً، تكشف مدي الرقابة الذاتية للمجتمع والدولة علي جزئياتها من مؤسسات وتجمعات وأنشطة عامة وخاصة. متابعة الإعلانات، كما تبعث الأمل تثير القلق والتوتر، ليست إذن مجرد لافتات أو كلمات مختصرة مُسَجعة، إنما هي مبعث سكينة أو غضب مكبوت بانتظار اللحظة.
قرأت إعلاناً احتل أسقف وسائل النقل وحوائطها، شركة إسلامية لتشغيل المحجبات، بجوار تلك الكلمات صورة فنية لملتحِ. إعلان ينتقي من يشغلهن، يستغل حاجتهن ليصبغهن بما قد لا يرِدن، يوقظ فيهن النفاق وإلغاء العقل، يميز بين أفراد المجتمع الواحد، علي أساس من دين وجنس. ما هي طبيعة هذه الشركة؟ ومن هو صاحبها؟ ومن يدفعه؟ وفيما سيشغل المحتاجات البائسات؟ وكم وماذا سيتقاضي منهن؟ من الضرورى أن تتقصي أجهزة الرقابة، التابعة للدولة وللمجتمع المدني، الأمر ليس بيسر نشر الإعلان في كل مكان.
ترك الأمور علي أعنتها لا يورد إلا التهلكة، كم من المظاهر تنضح بأبلغ الضرر، انسحاب أجهزة الدولة، طواعية أو بغيرها، يفسح الساحة لمن يتوقون لشغلها، أين محاولة توحيد الآذان؟ تراجعت الدولة، علت الميكروفونات بما يتجاوز الإعلان عن ميعاد الصلاة إلي التحدي، إلي إثبات القوة. الشوارع تُغلَق وقت صلاة الجمعة، ماذا لو شب حريق أو احتاجتها سيارة إسعاف؟
أمر طبيعي، كل انسحاب يقابله تقدم مضاد، حتي تمام الاحتلال.


ا.د./ حسام محمود أحمد فهمي