للكورد في سوريا- مقارنة بدول الجوار الأخرى- حضور متواضع - سكانياً و جغرافياً، الأمر الذي إنعكس منذ تأسيس أول تنظيم سياسي قومي كوردي في سوريا في عام 1957 على مستوى الفعل الكوردي و أدى الى إقترانه quot; عاطفياًquot; بالأجزاء الأخرى عموماً و كوردستان العراق خصوصاً. و مع إحكام حزب البعث من سيطرته على مقاليد الحكم في البلاد في بداية السبعينات من القرن الماضي كان الرحم الحزبي الكوردي في سوريا يبلغ الخصوبة و ينجب حزباً تلو الأخر حتى تجاوز عددها مع بداية الالفية الثالثة أكثر من دزينة أحزاب.
حتى منتصف السبعينات من القرن الماضي شهد المشهد الكوردستاني عموماً لاعباً وحيداً في الميدان تمثل في الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي إستحوذ على وقع إنباء و إنتصارات المقاتلين الكوردlaquo; البيشمركهraquo; في جبال كوردستان على إهتمام و مشاعر الكورد في جميع أجزاء كوردستان، إلا أن سرعان ما تغير الحال مع دخول لاعب جديد الى الملعب الكوردي عندما أسس السياسي الكوردي جلال طالباني الإتحاد الوطني الكوردستاني في 1975 و وجد هذا التغير إنعكاساته على المشهد الكوردي في سوريا التي ما لبثت القوى و الأحزاب الكوردية في سوريا تصطف في محورين كوردستانيين.
و سرعان ما أدى هذا الإستقطاب quot; الثنائي quot; في الخارطة الحزبية الكوردية في سوريا مع مرور الوقت الى تكريس شعور لدى الكورد في سوريا بأهمية الرابطة القومية quot; التاريخية quot; مع أجزاء كوردستان الأخرى و خاصة كوردستان العراق على حساب الإجندة الوطنية لهم مع quot; الوطن quot; السوري، إذ لم يشهد التاريخ السياسي الكوردي في سوريا منذ تأسيس أول تنظيم قومي كوردي في عام 1957 و حتى وفاة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في عام 2000 أية محطات فعلية في عمل و نشاط الأحزاب الكوردية في سوريا بالرغم من زخم الممارسات و السياسات المناهضة للكورد من قبل النظام السوري كما حدث في إحصاء عام 1962 في محافظة الحسكة وأسفر عن تجريد أكثر من 120 آلف مواطن كوردي من جنسيتهم السورية و كافة حقوقهم المدنية و الإدارية، فضلاً عن إنتزاع الأراضي من الفلاحين الكورد و توزيعها حصراً على الفلاحين العرب الذين تم جلبهم من حوض الفرات، كما لم تنجو اللغة الكوردية من قرارات وزارات الداخلية في سياق أوسع عملية تعريب تعرض لها المنطقة الكوردية ديمغرفياً من خلال تعريب أسماء القرى و البلدات الكوردية و منع إستعمال اللغة الكوردية في الدوائر الرسمية و غيرها من الإجراءات الأخرى، ناهيك عن سياسة الإنكار العنصرية حيال وجود الشعب الكوردي تاريخياً في سوريا واعتبارهم وافدين غرباء على النسيج الوطني السوري. أقول بالرغم من هذه السياسات و الإجراءات المجحفة و الغير إنسانية بحق الكورد إلا أن القوى و الأحزاب الكوردية لم تحرك حيالها ساكناً و لم تستطع أن تنظم أي شكل من أشكال الرفض و الإحتجاج عليها، الأمر الذي أدى مع مرور الوقت الى تكريس هذه السياسات و أصبحت أمراً واقعاً.
و تزامناً مع تطورات الحالة العراقية و التغير الجذري في أوضاع الكورد العراقيين نحو الأحسن، تزايد حدة الإحتقان في الشارع الكوردي إثر قيام السلطات السورية بتأليب الشارع العربي السوري على المواطنين الكورد، بذريعة تعاون الكورد في العراق مع قوات الحلفاء في حربها على النظام العراقي السابق، مما أدى الى حدوث فوران جماهيري كوردي عارم في 12 آذار 2003 في كافة المناطق الكوردية رداً على إستفزازات الجماعات الموالية للنظام العراقي السابق في سوريا، التي وجدت كل الدعم و المؤازرة من قبل مؤسسات السلطة و الأجهزة الأمنية التي لم تتوانى بدورها عن القيام بحملة واسعة من الإعتقالات بحق الآلاف من المواطنين الكورد. بيد أن الخطاب الكوردي في سوريا لم يتغير و لم يخرج عن سياقاته التقليدية و عوضاً عن سعي القوى الكوردية لتأطير عملها و نشاطاتها، إنقسمت فيما بينها حيال شكل التعاطي و التعامل مع تطورات المشهد السياسي السوري و خاصة مع المعارضة السورية بعد أزمة النظام السوري مع المجتمع الدولي في قضية إغتيال رئيس وزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. و بلغ حالة التشرزم و الإنقسام بين الأحزاب أشدها مع توقيع بعض القوى الكوردية دون أخرى لlaquo; إعلان دمشق..raquo; الأمر الذي أدى الى إحداث حالة من التشويش و الفوضى في الشارع الكوردي أثر على معنويات الكورد و رغبتهم في قراءة التطورات الدولية و الإقليمية الخطيرة لصالح مستقبل أفضل لشعبهم.
و عليه يجد الشعب الكوردي نفسه بين مطرقة سياسات السلطة القمعية و العنصرية من جهة و سنديان عجز قواه السياسية من جهة أخرى،الأمر الذي جعل من المشهد الكوردي ليس بأفضل حالا من مثيله في المشهد السياسي العر بي المعارض في البلاد. القاسم المشترك بين المشهدين واضح و جلي، يتمثل في غياب الفاعل السياسي الذي يقرأ الوقائع و المعطيات الساخنة سواءاً في الخارج أو الداخل لصالح التغيير الديمقراطي. و بالرغم من حضور الفعل الجماهيري الكوردي و قوته كما ظهر في الفورة الجماهيرية في 12 آذار فضلاً عن المظاهرات العارمة في تشييع العلامة الكوردي محمد معشوق الخزنوي إلا أن الأحزاب الكوردية فشلت بإستحقاق في توظيفه و قيادته في مرحلة لاحقة كما هو الحال اليوم مع ضغوطات المجتمع الدولي الرامية الى تغيير سلوك النظام السوري على أقل تقدير.

زيور العمر