لم ينس المسيحيون العراقيون بعد اصوات الانفجارات ولا منظر الحرائق وعويل الاطفال والنساء قبل عام ونيف حينما فرغ الارهابيون جام غضبهم وحقدهم وحبهم الذي لا حدود له للقتل والترهيب على عباد الله الذين دخلوا الى بيوت الله ليصلوا من اجل ان يعم السلام والمحبة في ربوع الوطن ولكي ينعم العراقيون بالأمن والرفاهية. لكن يبدو ان هؤلاء المجرمون لا يعرفون معنى للوطن وابنائه، للإنسانية وقوانينها وإن قلوبهم لا مكان فيها للمحبة.

ان الذي قام بتفجيرات العام الماضي لم يكن فردا او مجموعة شباب طائش وانما كانت من عمل منظمات كبيرة ومتنفذة قررت وخططت لضرب الكنائس في آن واحد وفي يوم الاحد. ولكن تقاعس الحكومة في متابعة التحقيقات في هذه الهجمات وعدم كشف ومعاقبة مرتكبيها هو ما نحصد نتائجه اليوم الاحد ايضا.
وقد كان عدم تشكيل لجنة خاصة بالتحقيق في موضوع التفجيرات في العام الماضي هو بمثابة الموافقة عليه وتأييده ضمنا.
فما الفائدة من التنديد والادانة ما دام ذلك لا ياتي باي عمل رادع!
وهل لي ان اسأل قادة العراق الجدد ألم يكن يستحق مصير مليون شخص ممن خدم العراق بجميع الطرق ان تشكل من اجله لجنة تحقيق تحاول الوصول الى معرفة الجهة او الجهات الكبيرة والمنظمة التي تحاول طرده من بلده الذي سكنه وبناه واعطى له كنوزه الحضارية؟!
هل كان تفجير ست كنائس في يوم واحد كاي تفجير آخر يسجل على مجهول من قبل ضابط شرطة مكافحة الإجرام ام انها مسألة سياسية ودينية تستهدف ملايين الناس تعطى له الاهمية القصوى من اجل حماية اقلية دينية وعرقية عراقية مخلصة ووفية؟!

ان الأقليات العراقية وبالأخص المسيحيين يعيشون الآن في العراء دون حماية لا من الامريكان الذين يرفض المسيحيون خدماتهم ولا من قبل الحكومة التي لا تبدو متحمسة للكشف عن منظمات اسلامية او قومية متطرفة من اجل سواد عيون مسيحي مشرك او يزيدي كافر.

بالتأكيد ان القصد من التفجيرات الحالية ليس معاقبة الدنماركيين لأن احدى جرائدهم اساءت الى الرسول العربي بالرغم من ان ذلك يتراءى للكثير. لأنهم حينذاك كان عليهم الهجوم على الوحدة الدانماركية الموجودة في العراق او على الاقل مقاطعة البضائع الدانماركية كما تفعل الكثير من الدول والشعوب العربية والإسلامية. لكن على مايبدو ان الهدف هو ذلك المسيحي العراقي المسكين المسالم الواقع بين مطرقة الغربي الاوربي المحتل وسندان الاسلام المتطرف المحمي من المؤسسات الدينية المتعددة في العراق والحكومة على حد سواء.

ان الهجمات الجديدة جاءت لتكمل المشروع الذي بدئ به قبل اكثر من سنة الا وهو تصفية العراق من المسيحيين. فالذين قاموا بهذه الأعمال التي لا تقبلها شريعة او دين يعلمون جيدا ان المسيحي الذي يحاول ان يعيش بامن وسلام ويتحاشى الدخول في صراعات سياسية او عسكرية لا يمكنه ان يستحمل الى الابد هذا القدر من الضغط النفسي والجسدي الذي يتعرض له في حياته اليومية والوظيفية وحتى الدراسية حيث هو متهم ومدان بالكفر او العمالة للغرب.

ان الحكومة الحالية والتي قبلها والكثير من الاحزاب الحاكمة مشاركة بدرجات مختلفة في هذه الجريمة من خلال إذكاء روح التعصب الديني والطائفي داخل المجتمع العراقي وعدم محاسبة بعض رجال الدين الذين يبثون احقادهم في الجوامع والحسينيات ووسائل الاعلام المختلفة ويعطون الفتاوى بإعتبار المسيحيين كفارا او ربط المسيحيين العراقيين بالإحتلال الامريكي بالإضافة الى عدم محاولتهم محاسبة المجموعات الاصولية والتي تفرض الشريعة وبطرقها المختلفة على العراقيين وبالقوة والتغاضي عن معاقبة المجرمين الذين يعتدون على اتباع الديانات غير الإسلامية او حتى التحري لمعرفة الجهة المسؤولة عنها كما حصل في تفجيرات الكنائس سابقا.

فتفجيرات الكنائس ما هي إلا خطة تصفية و(تطهير) جماعية منظمة تشارك فيها اطراف متعددة وبادوار مختلفة يجب على الحكومة الحالية والقادمة،ان ارادت ان لا تشترك في جريمة التصفية هذه، ان تكشف عنهم على الملأ وتعاقبهم على افعالهم. وعلى المسيحيين هذه المرة ان لا يقبلوا اي عذر منها في عدم القيام بكل ما يمليه واجبها كحكومة مسؤولة القيام به تجاه مواطنيها. فبالنسبة لهم هي مسألة وجود، وقد يكون كشف المجرمين من عدمه ما يقرر للمسيحيين (كن في العراق او لا تكن).

اسكندر بيقاشا