(النِكَري) وأصله النقري وتعني بالعراقي الفصيح (النشال) وبتعبير ادق الحرامي او اللص الحاذق والماهر، السريع في السرقة البارع فيها. اما وصف العراقيين لللص بـمفردة (النِكَري) او النقري فيبدو انها مأخوذة من النقر اي الحفر على المعدن او الخشب او ماخوذة من النقار وهو طائر يشبه الهدهد ذو منقار مدبب طويل أشبه بأبرة الخياطة الطويلة او ما تسمى بـ ( المخيط) تعلو رأسه حزمة من الريش اي (جعجوله)او(كعكولة) بالبغدادي، كما هو متعارف لدى هواة تربية الطيور وبخاصة الحمام أي (المطيرجيه) بالجيم العراقية ذات الثلاث نقاط.

يمتلك هذا الطائر قابلية فريدة بالنقر على الاشجار اذ يعتاش على نقر سيقانها بطريقة ايقاعية جميلة ويستطيع النقر بسرعة مذهلة تذكرك بصوت اطلاقات سلاح الغدارة (البورسعيد) أسرائلية الصنع مصرية التقليد والتي دخلت العراق أول مرة بأحداث الشواف كهدية من دولة عربية (شقيقة) للمتمردين على حكومة الزعيم قاسم كما هو الحال الان مع الكلاشينكوف الروسية الصنع التي ملئت ارجاء المنطقة الغربية من العراق هدية ايضا من جارة عربية لأغراض (الجهاد) ضد المحتليين والمتعاونيين معهم من العراقيين ( الخونة) في عقيدة البعث السوري والزرقاويين.

ويبدو والله العالم ان وجه الشبه بين هذا الطائر و(النِكَري) هو السرعة لاغير(أي نقرة) واحدة مثلما يقول العراقيون للسيارة التي تشتغل من اول تحريك المفتاح(نكرة سلف) وربما من هنا جاءت تسمية (النقري) في وصف اللص ذي المهارة العالية والسرعة الفائقة في (نَكَر) الاشياء من اصحابها اي سرقتها حيث الطائر النقار بنقره يزيل قشرة ساق الشجرة ويعتاش عليها بينما (النقري) يزيل ملكية الاشياء من اربابها اي يسرقها ليعتاش عليها، وبذلك يكون مصطلح ( النقري) والذي حور بالعراقي الى (نِكَري) مصطلح منقول كالصلاة التي يراد منها الدعاء ثم نقل المصطلح ليشير الى الركوع والسجود وكالحج الذي يعني القصد والزيارة فنقل ليشير الى مجموعة الشعائر والممارسات في مكة المكرمة في موسم معين.

هذا فيما يخص معنى (النِكَري) وهو محض اجتهاد مني. اما (الحوازمي) فهو مأخوذ من كلمة (حوازم) جمع حازم، والحازم في السرقة هو الذي لايتردد عن سرقة مئات الملايين، وهي مقابلة لمعنى(حواسم) ولمعرفة المزيد عن (الحوازم) يرجى مراجعة مقالنا الموسوم (بين الحواسم والحوازم) للوقوف على ما تعنيه مفردة (الحوازمي) بالضبط فراجع يرحمك الله. وتأسيسا على ما مر نقول:

الحوازمي كالنِكري كلاهما لص وحرامي مع فارق كبير في شدة ونوعية اللصوصية كما سياتي توضيحه بعد قليل. وبين الحوازمي واللص خصوص وعموم مطلق على حد تعبير علماء المنطق، بمعنى ان كل حوازمي لص ولكن ليس كل لص حوازمي لأن من اللص من هو نِكَري وبذلك يكون بين الحوازمي والنِكَري تباين منطقي رغم أشتراكهما في عنوان واحد وهو اللصوصية واليك التفصيل:

النِكَري فقيرٌ اجبرته الحاجة والفاقة والجوع على سرقة أغراض الناس وهو كالحواسمي يسرق من اجل قوت يومه ولسد الرمق اي انهما من جنس واحد. اما الحوازمي فهو غني وشبعان لا يعيش الحاجة والعوز لكنه يسرق لجشعه وطمعه وشتان ما بين الاثنين.

النِكَري كالحواسمي يعيش البطالة وهو عاطل عن العمل لكنه يرفض التسول والكدية فهو يملك القدرة على العمل لكنه لايجده فيقرر ان يستغل قوته في (النشل) حتى يجنب نفسه عناء السؤال والطلب من الاغنياء. اما الحوازمي فهو غير عاطل عن العمل فربما يعيش على اعانات دولة اللجوء التي لجأ اليها وبخاصة اذا زعم انه معاق Disability فعند ذاك يكون دخله جيدا وترتفع حظوظه في تملك بيت من دائرة السكن، او عمل في مهن صغيرة مثل صباغ ومصلح شبابيك،وعمله يدر عليه الكثير لكنه يمارس اللصوصية من باب الاغتناء السريع والصعود في عالم السياسة والدولة باسرع واغنى مايمكن.

النِكَري عادة ما يتحدر من اصول طبقية تعيش التخلف الاقتصادي وينخرجسدها المتعب الفقر المدقع،فهو ابن الطبقات الشغيلة الكادحة المستضعفة والمحرومة من ابسط حقوقها وجل رأس مالها الرضا بالقضاء والقدر والايمان بالله العلي العظيم والطمع في الفوز برضوانه وجنانه في الاخرة بعد معاناة الدنيا. اما الحوازمي فهو يعيش الطبقية بابشع صورها.فقد يكون سليل أقطاعية دينية يعتمر العمامة او بدونها او ابن اقطاعية سياسية او حفيد مشيخة عشائرية او نجل مرجع ديني راحل او حي يرزق او زعيم برلماني او مسؤول حكومي سامي المنصب او شقيق متنفذ في الدولة او ابن زعيم تاريخي يجير لقبه ولقب أسرته للضحك به على ذقون المستضعفين من ابناء الطبقات المحرومة الذين تربوا على تقديس الالقاب والرموز.

النِكَري تنطبق عليه ظاهرة (الشروال) التي اوجدتها سنوات الحصار القاتل. فلباسه الشروال ونعله (الكيوه) رغم انه من ابناء الوسط والجنوب فهو لايرتدي (الجينز) او البدلات المنمقة ولا (الخاجية) اي العباءة النجفية الثمينة او الصاية (الزبدة) ولا (القاط) الايطالي ولا ربطة العنق الحريرية كما يفعل الحوازمي.

النِكَري يتبضع من (سوق مريدي) بينما الحوازمي يتسلع من مخازن (هارودز) اللندنية الشهيرة او من اسواق (الشانزيليه) الباريسية الراقية. وبدلة واحدة من مايملكه الحوازمي يمكن للنِكَري ان يعيش بثمنها برخاء عاما ً بأكمله.

النِكَري شغله الشاغل سرقة قنينة غاز او اطار سيارة او (جوزدان) أمرأة مذهولة من وقع مصائب المفخخات او محفظة شيخ هرم ليس فيها اكثر من عشرة دولارات اي ان النِكَري مختص بسرقة (النواعم) التي تكفيه معونة يومه لا اكثر وللغد ربٌ كريم.

اما الحوازمي فهو متخصص بالعمليات (الكبرى) ويترفع عن (النواعم) لانها لاتتناسب و(شأنيته) فهو اما وزير او وكيل وزير او سفير او زعيم سياسي او ابن او اخ او قريب واحد من هؤلاء فهو يتحايل على البرلمان والشعب والرقابة المالية لتمرير صفقة بيع اسلحة خردة من بقايا العصر الستاليني او من بقايا سلاح الزعيم (تيتو) او لتجديد عقد شركة الهاتف النقال من اجل نسبة من العمولة حتى لو تطلب الامر التعامل مع ايتام النظام البائد او سرقة اراضي الدولة او شرائها بثمن بخس بحكم نفوذه او استغلال المنصب الحكومي لتوظيف اشقائه او اقربائه او ابناء عشيرته القادمين من الجبال الشاهقة وتعيينهم سفراء او قناصل او ملحقين بالسفارات فيتحول عامل بناء بقدرة (المسؤول الحوازمي) الى ملحق عسكري او مساعد ملحق اذا كان الملحق قد التحق،اويتحول شقيقه الحارس في مرقص ليلي الى مستشار سياسي للسفارة او يعين معشوقته سكرتيرةً للاعلام رغم انها ليست عراقية.

ُجلُ ما يسرقه النِكَري لا يتجاوز حفنة من الدولارات هذا اذا لم يتم القاء القبض عليه ساعة السرقة فيشبع ضربا ً وركلا ً لانه أتى
بـ (المنكر) وضحاياه افراد من المجتمع، بينما اقل ما يسرقه الحوازمي هو عدة مئات من ملايين الدولارات وتقيد سرقته ضد مجهول كما حصل مع شقيق احد المتنفذين في البرلمان العراقي وضحاياه كل الشعب فلا ادري اي الامرين نعده سرقة؟ واي اللصين احق بالعقوبة النِكَري المسكين ام الحوازمي المتجبر؟ سؤال نترك الاجابة عليه للقضاء وللقاضي الراضي. ورحم الله شاعرنا القائل:
ويدٌ تكبل وهي مما يفتدى ويدٌ تقبل وهي مما يقطع ُ
ويصان ذاك لأنه من معشر ٍ ويهان ُ ذاك لأنه لا يركع ُ

محمد حسن الموسوي
[email protected]